التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة

          ░56▒ بَابٌ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ.
          1484- ذَكَرَ فيه حديثَ أَبِي سَعِيدٍ: (لَيْسَ فِيمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الإِبِلِ الذَّوْدِ صَدَقَةٌ) الحديث وقد سَلَفَ قَبْلَ زكاةِ البَقَرِ.
          وفي نسخةٍ: <قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هَذَا يُفسِّرُ الأَوَّلَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الأَوَّلِ، يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ العُشْرُ، وَبَيَّنَ فِي هَذَا وَوَقَّتَ، وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ، وَالمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى المُبْهَمِ إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبَتِ كَمَا قَالَ الفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلعم لَمْ يُصَلِّ فِي الكَعْبَةِ، وَقَالَ بِلاَلٌ: قَدْ صَلَّى، فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلاَلٍ وَتُرِكَ قَوْلُ الفَضْلِ>.
          وهذا الَّذِي قالَهُ البُخاريُّ عليه أئمَّةُ الفَتوى بالأمصارِ، وأنَّ الخمسةَ الأوسُق هو بيانُ المقدارِ المأخوذِ فيه كما أسلفناهُ في البابِ قبلَهُ. وشذَّ أبو حنيفة وزُفَرُ في ذَلِكَ، قَال ابن بطَّال: وقيل إِنَّهُما خالفا الإجماعَ فأوجَبَا في قليلِ ما تُخرِجُ الأرضُ وكثيرِه، وخالفَهُ صاحباهُ في ذَلكَ. قالَ ابن القَصَّار: والحُجَّة عليهِ أنَّ ما طريقُه المواساةُ في الصَّدَقَةِ يقتضي أوَّلُه حدًّا ونِصابًا، كالذَّهَبِ والماشيةِ، والنِّصَابُ إِنَّمَا وُضع في المالِ لمَبْلَغِ الجزءِ الَّذِي يحمِلُ المواساةَ بغيرِ إجحافٍ بربِّ المالِ، ولا يُعذر عليه.
          قال: وخالفَ أبو حنيفة معنًى آخرَ مِن الحديث فأوجب العُشرَ أو نصفَه في البُقولِ والرَّيَاحينِ والفواكِه وما لا يوسَّقُ كالرُّمَّانِ والتُّفَّاحِ والخَوخِ وشِبْهِ ذَلِكَ، والجُمهورُ على خلافِه لا يوجبونَ الزَّكَاةَ إِلَّا فيما يُوسَّقُ ويُقتاتُ ويُدَّخَرُ.
          قال مالكٌ: السُّنَّةُ عندنا في الحبوبِ الَّتي يدَّخرُها النَّاسُ ويأكلونها أنَّه يُؤخَذُ منه العُشر أو نصفُهُ إذا بَلَغَ ذلكَ خمسةَ أوسقٍ بصاعِ رسولِ الله صلعم وما زادَ على ذَلِكَ فبحسابِه، قال: والحبوبُ الَّتي فيها الزَّكَاةُ الحِنطةُ والشَّعِيرُ والسُّلْتُ والذُّرةُ والدُّخنُ والأَرُزُّ والحِمِّصُ والعَدَسُ والجُلُبَّانُ واللُّوبِيا والجُلْجُلانُ وما أشبه ذَلِكَ مِنَ الحبوبِ الَّتي تصيرُ طعامًا، وتُؤخذُ منها الزَّكَاةُ بعدَ أن تصيرَ حَبًّا يُحصَد، والنَّاسُ مصدَّقونَ فيما دفعوه مِن ذَلِكَ، ولا زَكَاة في البُقولِ والخضرِ كلِّها والتَّوابلِ.
          قال ابن القصَّار: لم يَنقُل عن رسولِ الله صلعم أحدٌ بالحجازِ أَنَّهُ أَخذ مِنَ البُقولِ والفواكهِ الزَّكَاةَ، ومعلومٌ أَنَّهَا كانت عندهم بالمدينةِ، وأهلُ المدينة متَّفقون على ذَلِكَ عاملونَ به إلى وقتِنا، ومُحالٌ أن يكونَ في ذَلِكَ زكَاةٌ ولا يُؤخذَ مع وجودِ هذِهِ الأشياءِ عندَهم وحاجتِهم إليها، ولو أَخَذَ منها مرَّةً واحدة لم يَجُزْ أن يَذهبَ عليهم حتَّى يُطبِقوا على خلافِه إلى هذِهِ الغايةِ.