التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: على كل مسلم صدقة

          ░30▒ بَابٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقةٌ.
          1445- ذَكَرَ فيه حديثَ سَعِيدِ بْن أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ) قَالُوا: يَا نَبَيَّ اللهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: (يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ) الحديث.
          هذا الحديثُ أخرجه مسلمٌ أيضًا. وأطلقَ الصَّدقةَ هنا وبيَّنَها في حديثِ أبي هُريرةَ بقولِه: ((فِي كُلِّ يَوْمٍ)) وَإنْ كانَ ظَاهِرُه الوجوبَ، لكنْ خفَّفه عنَّا الرَّبُّ جَلَّ جَلالُه حيثُ جعلَ ما خَفِيَ مِنَ المندوباتِ مُسْقطًا له، وهو مثلُ قولِه صلعم: ((عَلَى كُلِّ سُلَامَى صَدَقَةٌ)) أي على وجهِ النَّدْبِ، والملهوفُ يُطلَقُ على المضطرِّ، وعلى المتحسِّر وعلى المظلومِ.
          وقولُهُ: (وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ) وذلكَ أَنَّهُ إِذَا أمسكَ شرَّه عن غيرِه فكأَنَّهُ قد تصدَّقَ عليهِ بالسَّلامةِ، فإنْ كان شرًّا لا يعدُو نفْسَهُ فقد تصدَّق على نفْسِه بأنْ منَعَها مِنَ الإثمِ.
          ومقصودُ البابِ أَنَّ أعمالَ الخيرِ إذا حسُنتِ النِّيَّاتُ فيها تنزَّلَتْ منزلةَ الصَّدقاتِ في الأجورِ، ولا سيَّمَا في حقِّ مَن لا يقدِرُ على الصَّدَقَةِ، ويُفهَم منْهُ أَنَّ الصَّدَقَةَ في حقِّ القادرِ عَلَيْهَا أفضلُ مِنْ سائرِ الأعمالِ القاصرةِ على فاعلِها. ولا شكَّ أَنَّ ثوابَ الفَرْضِ أفضلُ مِنْ ثوابِ النَّفْلِ، فلنْ يتقرَّبَ المتقرِّبُونَ بأفضلَ ممَّا افترضَهُ عليهم كما أخبرَ به الرَّبُّ جلَّ جلالُهُ في هذا «الصَّحيح» مِنْ حديثِ أبي هريرة كما سيأتي [خ¦6502] وقال بعضُهم: إِنَّ ثوابَ الفَرْضِ أفضلُ مِنْ ثوابِ النَّفْلِ بسبعين درجةً.