التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده

          ░37▒ بَابُ: مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ.
          1453- ذَكَرَ فيه بسنَدِه السَّالفِ إلى ثُمامةَ عن أنسٍ. الحديث، ولم يذكُرْ فيه ما بوَّبَ، نعمْ ذَكرَهُ في العَرْضِ في الزَّكَاةِ قبْلَهُ كما سُقتُه هناك، فكأنَّ البُخاريَّ لم يذكُرْهُ اكتفاءً بما تقدَّمَ، وهذا أَوْلى عندِي مِنْ نِسبةِ ابنِ بطَّالٍ البُخاريَّ إلى الغَفْلةِ في ذلك، .
          والحكمُ كما ذكرهُ في أَخْذِ بنتِ لَبونٍ عن بنتِ مَخاضٍ مفقودةٍ مع إعطاءِ الجُبرانِ المذكورِ للمالِكِ، وكذا مَن وجبَ عليه بنتُ لَبون وليستْ عندَه وعندَه حِقَّة. وعكسُه يُعطِي، وهو عندَ مالكٍ لا بأسَ به ولم يحدِّدْ ما يزيد، وقال ابن القاسمِ وأشهبُ: إنْ نَزَلَ مضى، وقال أصبغُ: عليه البدلُ ولا يُجزئُهُ.
          والجَذَعُ مِنَ الإبلِ ما له أربعُ سنين، والحِقَّةُ ثلاثٌ، وقال ابنُ التِّينِ: الجَذَعُ مِنَ الإبلِ ما له خمسُ سنين هذا هو المعروفُ مِنْ قولِ أهلِ اللُّغة والعِلمِ. والحِقَّةُ مِن أولاد الإبلِ ما استحقَّ أن يُحمَلَ عليه وهي بنتُ أربع، قال: وقال ابن الجَلَّابِ: الأوَّلُ سِنُّهُ أربعٌ والثاني ثلاثٌ، والَّذي نعرفُه موافقةُ ابنِ الجَلَّاب، قال: وبنتُ اللَّبونِ إذا دخلتْ في الثَّالثة، قال: وقال ابن الجلَّاب: سِنُّها سنتان. وعندِي أَنَّهُ لا تَنافيَ بينهما فإنَّ مرادَه بالسَّنتين الطَّعنُ في الثَّالثةِ. وبنتُ المخاضِ لها سنةٌ وقال ابنُ التِّين: لها سنتان، وقيل: إِذا دخلتْ في الثَّانيةِ، وفيه ما قدَّمناه قبلَهُ.
          وفي الحديثِ جوازُ اشتراءِ الصَّدقةِ لأَنَّهُ إذا أعطَى في بعضِها دراهمَ فقدِ اشترَى بعضَها، وقال النَّخَعيُّ والشَّافعيُّ وأبو ثورٍ بظاهرِ الحديثِ رَدِّ شاتين أو عشرين درهمًا إذا أخَذَ سِنًّا دونَ سِنٍّ، وقال عليٌّ: عشرةِ دراهمَ أو شاتين، وهو قولُ الثَّوريِّ، وقال النَّخَعيُّ والأَوزاعيُّ: تُؤخذُ قيمةُ السِّنِّ الَّذي وجبَ عليه. وقال أبو حنيفة: تُؤخذ قيمةُ الَّذي وجبَ عليه، وإن شاء أَخذَ الفضلَ منها وردَّ عليهم فيه دراهمَ، وإن شاء أخذَ دونَها وأخذَ الفضلَ دراهمَ، ولم يُعيِّن عشرين درهمًا ولا غيرَها، وجوَّز أخْذَ ابنِ لَبونٍ مع وجودِ بنتِ مَخاضٍ إذا كانتْ قيمتُهما واحدةً.
          ومشهورُ مذهبِ مالكٍ المنعُ مِنْ ذَلِكَ كلِّه، فعلى ربِّ المال أن يَبتاعَ للمُصَّدِّق السِّنَّ الذي يجبُ عليه، ولا خير في أن يعطيَه بنتَ مَخاضٍ عن بنتِ لَبونٍ ويزيدَ ثمنًا أو يعطيَ بنتَ لَبونٍ عن بنتِ مَخاضٍ ويأخذَ ثمنًا، وعلَّتُه ابتياعُ الصَّدقةِ. قيل: ولم يخالفْ أحدٌ الأحاديثَ كلَّها غيرُه، قال ابنُ بطَّال: أكثرُ العلماءِ على حديثِ أنسٍ أو بعضِه ولم أجدْ مَنْ خالفَهُ كلَّه غيرَ مالكِ بن أنسٍ، ونقلَ ابنُ حَزمٍ عن عمرَ كقولِ عليٍّ.
          قال القُرْطُبيُّ: وهو قولُ أبي عُبيدٍ وأحدُ قولَي إسحاقَ، وقولُه الثَّاني كقولِ الشَّافعيِّ، قال: وقولُ مكحولٍ كقولِ الأَوزاعيِّ، وقولُ أبي يوسُفَ وأحمدَ كالشَّافعيِّ: إذا وجبتْ بنتُ مخاضٍ ولم توجدْ أَخَذَ ابنَ لَبونٍ، قال عبدُ الواحد: ومَن مَنَعَ أَخْذَ القِيَمِ في الزَّكَاةِ واحتجَّ أَنَّ ذَلِكَ مِن ابتياعِ الصَّدَقَةِ فليسَتْ له حُجَّةٌ؛ لأنه ◙ قد أجازَ للمُعْرِي ابتياعَ عَرِيَّتِه وهي صدقةٌ بِتَمْرٍ إلى الجَدادِ، وهذا أخفُّ.
          وقال المهلَّب: ليس ذَلِكَ ابتياعًا لها لعدمِ تعيُّنِها فإنَّها معدومةٌ مستهلَكةٌ في إبلِه، فعليه قيمةُ المستهلَكِ في إبلِه مِن جنسِها أو غيرِه، ألا ترى أَنَّهُ صلعم أوجبَ في خمسٍ مِن الإبل شاةً وليستْ مِن جنسِها، وقال في الخليطين: إِنَّهُمَا يتراجعان بينهما بالسَّوِيَّةِ، والتَّراجُعُ لا يقومُ إِلَّا بالتَّقويمِ وأخذِ العِوَض.
          وقال الطبريُّ: إنَّما جَعَلَ الشَّارعُ للمصَدِّقِ النزولَ والصُّعُودَ وأَخْذَ الجُبرانِ وإعطاءَه، ولا شكَّ أَنَّهُ أخْذُ عِوضٍ وبَدَلٍ مِن الواجبِ على ربِّ المال، وأَنَّهُ إنْ لم يكنْ بَيْعًا وشراءً فهو نظيرُهما.