التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الصدقة على اليتامى

          ░47▒ بَابُ: الصَّدقَةِ عَلَى اليَتَامَى.
          1465- ذَكَرَ فيه حديثَ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّهُ ◙ جَلَسَ ذَات يَوْمٍ عَلَى المِنْبَرِ، وذَكَرَ الحديثَ: (وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعْمَ صَاحِبُ المُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ _أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلعم_ وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ).
          الشَّرح: هذا الحديثُ ذكرهُ البُخاريُّ في موضِعٍ آخَرَ بلفْظِ: ((أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللهُ لكم مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا)) قالوا: وما زهرةُ الدُّنيا يا رسُولَ الله؟ قالَ: ((بَرَكَاتُ الأَرْضِ)) وفي آخرِه: ((فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَدَفَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمِ المعونَةُ هُو، ومَنْ أخذهُ)) الحديث، وفي لفظٍ: ((أَيْنَ السَّائِلُ آنِفًا، أَوَخَيْرٌ هُوَ؟! _ثَلاَثًا_ إِنَّ الخَيْرَ لاَ يَأْتِي إِلَّا بِالخَيْرِ)) [خ¦2842].
          إذا تقرَّرَ ذَلِكَ فالكلامُ عليه مِن وجهينِ:
          أحدُهما: في ألفاظِه: (زَهْرَةِ الدُّنْيَا) يُقالُ لِحُسْنِ الدُّنيا وبهجتِها الزَّهرةُ والزَّهراءُ، مأخوذٌ مِن زهرةِ الأشجارِ وهو ما يصفرُّ مِن نُوارِّها، قالهُ في «الموعَب»، والنَّوْرُ قال ابنُ الأعرابيِّ: هو الأبيضُ منها. وقال أبو حنيفةَ: الزَّهرُ والنَّوْر سواءٌ، وفي «مَجْمع الغرائبِ»: هو ما يُزهِرُ منها مِن أنواعِ المتاعِ والعَينِ والثِّيَابِ والزَّرعِ وغيرِها ممَّا يغترُّ الخلقُ بحُسنِها مع قلَّةِ بقائِها، وفي «المحكَم»: زَهْرَةُ الدُّنْيَا وَزَهَرَتُهَا.
          و(الرُّحَضَاءَ) العَرَقُ الشَّدِيدُ، وقال ابنُ بطَّالٍ: عَرَقُ الحُمَّى، وقد رَحَضَ ورحَضتُ الثَّوبَ غسلتُهُ، ورُحِضَ الرَّجُلُ إذا أصابهُ ذَلِكَ فهو رَحيضٌ ومَرحوضٌ، وعبارةُ الخطَّابيِّ: (الرُّحَضَاءَ) عَرَقٌ يَرْحَضُ الجلدَ لكثرتِهِ.
          وقولُه: (أَوَيَأْتِي الخَيْرُ بِالشَّرِّ؟) هو بهمزةِ الاستفهامِ وواوِ العطف الواقعةِ بعدَها المفتوحةِ على الرِّواية الصَّحِيحةِ، مُنْكِرًا على من توهَّمَ أَنَّهُ لا يحصُلُ منه شرٌّ أصلًا لا بالذَّاتِ ولا بالعَرَضِ، نعم قد يعرِضُ له ما يجعلُه شرًّا إذا أسرفَ فيه ومَنَع مِن حَقِّهِ.
          وقولُه: (وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ) قال القَّزَّاز: هذا حديثٌ جرى فيه البُخاريُّ على عادتِهِ في الاختصارِ والحذفِ لأَنَّ قولَه: (فَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ) يريدُ الوحيَ.
          وقولُه: (وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ) حَذَفَ ما قبْلَ (يَقْتُلُ) وحَذَفَ حَبَطًا، والحديثُ: إنَّ ممَّا يُنبِتُ الرَّبيعُ ما يقتُلُ حَبَطًا أو يُلِمُّ. فحذَفَ حَبَطًا وحذفَ ما، قال القَّزَّاز: وقد رُوِّيناه بها. قال ابنُ دريدٍ في «وشاحِه»: هذا مِن الكلامِ الفَرْدِ الموجَزِ الَّذِي لم يُسبَقْ إلَيْهِ، وهو أكثرُ مِن سبعينَ لفظةً، ذَكَرها مفصَّلَة، وروايتُهُ فيه: ((لَمَا)) بلامٍ وَمَا.
          وقولُه: (إِلَّا آكِلَةَ الخَضِرِ) يعني الَّتي تُخرِجُ ممَّا جَمعتْ منه ورَعَتْ ما ينفعُها إخراجُهُ ممَّا لو أمسَكَه لَضَرَّهُ إِثْمُهُ كما يَضُرُّ الَّتي رَعَتْ لو أَمسكَت البولَ والغائطَ ولم تُخرِجْهُ، ويُبَيِّن هذا المعنى قولُهُ ◙ في المالِ: ((فنعم صاحبُ المسلمِ ما أعطى منه المسكينَ وابنَ السَّبيل)) وفي هذا تفضيلُ المال.
          وقال الخطَّابيُّ: (الخَضِرِ) ليس مِنْ أحرارِ البُقول التي تَستكثِرُ منهُ الماشية فَتَنْهَكُهُ أَكْلًا، ولكنَّهُ مِنَ الجَنْبَةِ الَّتي ترعاها بعد هَيْجِ العُشبِ ويُبْسِه، وأكثرُ ما رأيتُ العربَ تقولُ الخَضِرَ لِمَا اخضَرَّ مِن الكلأِ الَّذِي لم يصفرَّ، والماشيةُ مِنَ الإبلِ ترتعُ منه شيئًا فشيئًا فلا تستكثرُ منه فلا تَحْبَطُ بطونُها عليه، وقد ذكرَهُ طَرَفَةُ وبيَّن أَنَّهُ نبتٌ في الصَّيْفِ فقال:
إذا أَنَبَتَ الصَّيفُ عَسَاليجَ الخَضِر
          والخَضِرُ مِنْ كلأِ الصَّيْفِ وليس مِن أحرار بُقولِ الرَّبِيعِ، والنَّعَمُ لا تَستوكِلُه ولا تَحْبَطُ بطونُها عليه.
          وقال أبو عبدِ الملكِ: يريدُ لو استوْفَتْ نبْتَ الرَّبيعِ ربَّمَا قَتَلَها وهو خيرٌ، وكذلك المالُ إذا مَنَعَ منهُ فإِنَّهُ يُهلِكُه وهو خيرٌ أيضًا، وقال غيرُه: أراد بـ (آكِلَةَ الخَضِرِ) المقتَصِدَ على قدْرِ الكفايةِ مِن الدُّنيا، فضرَبه ◙ مَثَلًا لِمَنْ يَقتصدُ في أخْذِ الدُّنيا وجمعِها، ولا يحملُه الحرصُ على أخْذِها بغيرِ حقِّها، فهو ناجٍ مِنْ وَبالِها كما نجتْ آكلةُ الخَضِرِ، ألا تراه قال (أَكَلَتْ حَتَّى امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ، فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ) أراد أنَّها إذا شبِعَتْ منه بَرَكَتْ مستقبلةَ الشَّمسِ تستمرئُ بذلكَ ما أكلتْ وتجْترُّ وتثلُطُ، فإذا ثَلَطَتْهُ فقد زال عنها الحَبَطُ وهو انتفاخُ البطْنِ مِن داءٍ يصيبُ الآكِلَ، وإِنَّمَا يُحْبِطُ الماشيةَ لأَنَّهَا لا تثلُطُ ولا تبولُ، ومنه قولُه تعالى: {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [المائدة:53] أي بَطَلتْ.
          ووقع في رواية العُذْريِّ: ((إِلَّا آكِلَةَ الخَضِرَةِ)) على الإفرادِ، وعند الطَّبِريِّ: ((الخُضْرَةِ)).
          وَ(ثَلطَتْ) بفتْحِ اللَّامِ وبه صرَّح الجوهريُّ وغيرُه، قال ابنُ التِّينِ: وهو ما سمعناه، وضبطه بعضُهم بكسْرِها، قال الجوهريُّ: ثلَطَ البعيرُ إذا ألقى بَعْرَهُ رقيقًا، وكذا قال ابنُ فارسٍ وصاحبُ «المحكَم» حيث قال: ثلَطَ الثَّورُ والبعيرُ والصَّبيُّ يَثْلِط ثَلْطًا سَلَح سَلْحًا رقيقًا. وفي «مَجْمع الغرائب»: خرج رجيعُها _يعني آكلةَ الخَضِرِ_ عفوًا مِن غيرِ مشقَّةٍ لاسترخاءِ ذاتِ بطنِها، فيبقى نفعُها وتخرُجُ فُضولُها ولا تتأذَّى. / وفي «الْمُغِيثِ»: وأكثرُ ما يُقالُ للبعيرِ والفيلِ.
          و(الرَّبِيعُ) جزءٌ مِن أجزاءِ السَّنَةِ، فمِنَ العرب مَن يجعلُه الفصلَ الَّذِي يُدرِكُ فيه الثِّمارُ وهو الخريفُ، ومنهم مَن يُسمِّي الفصلَ الَّذي تُدْرِكُ فيه الثِّمارُ _وهو الخريفُ_ الربيعَ الأوَّلَ، ويُسمِّي الفصلَ الَّذي يتلو الشِّتاءَ وتأتي فيه الكَمْأةُ والنَّوْرُ الرَّبيعَ الثانيَ، وكلُّهم مُجْمِعون على أَنَّ الخريفَ هو الرَّبيعُ.
          قال أبو حنيفةَ في كتاب «الأنواء»: يُسمَّى قِسْمَا الشِّتاء ربيعينِ: الأوَّلُ منهما ربيعُ الماءِ والأمطارِ، والثَّاني ربيعُ النَّباتِ لأَنَّهُ فيه يَنتهي النَّباتُ مُنتهاهُ، قال: والشِّتاءُ كلُّهُ ربيعٌ عندَ العربِ مِنْ أَجْلِ النَّدَى، قال: والمطرُ عندَهم ربيعٌ متى جاءَ، والجمعُ أَرْبِعةٌ ورِباعٌ، وربَّمَا سُمِّيَ الكَلَأُ والعُشبُ ربيعًا، والرَّبيعُ أيضًا المطرُ الَّذي يكونُ بعدَ الوَسْميِّ، والرَّبيعُ ما تَعْتَلِفُه الدَّوابُّ مِن الخَضِرِ، والجمعُ مِن كلِّ ذَلِكَ أَرْبِعَةٌ.
          وقولُه: (أَوْ تُلِمُّ) أي: تقرُبُ مِن الهلاكِ، يُقال: أَلَمَّ الشَّيءُ قَرُبَ.
          و(رَتَعَتْ) رَعَتْ، أَرْتَعَ إِبِلَهُ رعاها في الرَّبيعِ، أَرْتَعَ وارتَبَع الفرسُ وتربَّع: أَكَلَ الرَّبيعَ، وقال الدَّاوُديُّ: (رَتَعَتْ) افتعل من الرَّعِي، وليس كذلك. و(رَتَعَتْ) عند أهلِ اللغة: اتَّسَعَتْ في المرعَى. وإِنَّمَا استقبلتْ عينَ الشَّمس لأَنَّهُ الحينُ الَّذي تَشتهي فيه الشَّمسَ، فإذا ألقتْهُ مجتمِعًا ليسَ بِبَعْرٍ اشتهتِ المرعى فرَتَعَتْ، فجعل هذا مَثَلًا لِمَنْ يأخُذُ البعرَ، ووجْهُ المَثَلِ مِن الحديثِ أن يقولَ: نباتُ الرَّبيع خيرٌ ولكنْ ربَمَّا قتلَ بهذا الدَّاءِ _يعني الحَبَطَ_ أو قارَبَ القتلَ.
          قال الأزهريُّ: هذا الحديث فيه مَثَلانِ: أحدُهما للمُفْرِطِ في جمْعِ الدُّنيا ومنعِها مِن حقِّها فهي آكلةُ الرَّبيعِ؛ لأَنَّهُ يُنْبِتُ أحرارَ البُقولِ والعشبَ فتستكثِرُ منه الماشيةُ فَيَشُقُّ أمعاءَها، والثَّاني ضَرَبَهُ مثلًا للمقتصِدِ وهو قولُه: (إِلَّا آكِلَةَ الخَضِرِ) وقد سَلَفَ.
          وقولُه: (وإنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ) يريدُ أنَّ صورةَ الدُّنيا ومتاعَها حسنةٌ مُؤْنِقةٌ، والعربُ تسمِّي الشَّيء الحسنَ المشرقَ النَّاضرَ خَضِرًا تشبيهًا له بالنَّباتِ الأخضرِ الغضِّ، ويُقال: سُمِّي الخَضِرُ خَضِرًا لحُسْنِ وجهِه وإشراقِه، قال تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا} [الأنعام:99] ومنه قولُهم: اختُضِرَ الرَّجُلُ إذا ماتَ شابًّا لأَنَّهُ يؤخَذُ في وقتِ الحُسْنِ والإشراقِ، يقولُ: إِنَّ المالَ يُعجِبُ النَّاظرين إليه ويحلو في أعيُنِهم فيدعوهُم حسنُه إلى الاستكثارِ منه، فإذا فعلوا ذَلِكَ تضرَّروا به، كالماشيةِ إذا استكثرتْ مِن المرعى ثَلَطَتْ أي سَلَحَتْ سَلْحًا رقيقًا.
          وقال ابنُ الأنباريِّ: قولُه: (خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ) لم يأتِ على الصِّفةِ، وإِنَّمَا أَتَى على التَّمثيلِ والتَّشبيهِ كأَنَّهُ قال: إنَّ هذا المالَ كالبَقْلَةِ الخَضِرَةِ الحُلوةِ، ويقول: إنَّ هذا السُّجودَ حَسَنَةٌ، والسُّجودُ مذكَّرٌ، فكأنَّهُ قالَ: السُّجود فِعْلَةٌ حسنةٌ.
          وقولُه: (نِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ المِسْكِينَ وَاليَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ) يقولُ: إِنَّ مَن أُعطِيَ مالًا وسُلِّط على هَلَكَتِه في الحقِّ فأعطَى مِنْ فضلِه المسكينَ وغيرَه فهذا المالُ المرغوبُ فيه.
          وقولُه: (وإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بَغَيْرِ حَقِّهِ كَالَّذِيْ يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ) يعني أنَّه كُلَّمَا نالَ منه شيئًا ازدادتْ رغبتُهُ واستقلَّ ما في يدِهِ ونظرَ إلى مَن فوقَه فَنافَسَهُ.
          وقولُه: (وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ) يجوز أن يكونَ على ظاهرِه، وأَنَّهُ يُجاء بمالِه يومَ القيامةِ فيَنطِقُ الصَّامتُ بما فَعَلَ فيه، أو يُمثَّل له بمثالِ حيوانٍ كما سَلَفَ، أو يشهدُ عليه الموكَّلونَ بكتْبِ الكسبِ والإنفاقِ.
          الوجهُ الثَّاني: في فوائدِه:
          الأُولى: جلوسُ الإمامِ على المنبرِ عندَ الموعظةِ وجلوسُ النَّاسِ حولَهُ.
          الثَّانيةُ: خوفُ المنافسةِ لقولِه: (إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا).
          الثَّالثةُ: استفهامُهم بضرْبِ المَثَلِ، وقولُ الرَّجُل: (أَوَيَأْتِي الخَيْرُ بِالشَّرِّ؟) يريدُ المالَ، وقد سمَّى الله تعالى المالَ خيرًا في قولِه: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة:180] وضَرَبَهُ صلعم مَثَلًا.
          الرابعةُ: سكوتُ العالِم عند السُّؤالِ وتأخُّرُ جوابِه طَلَبًا لليقينِ، فقد سكتَ ◙ عند ذَلِكَ.
          الخامسةُ: اللَّومُ عندَ خوفِ كَرَاهَةِ المسألةِ والاعتراضِ إذا لم يكن موضعُه بيِّنًا يُنكَر على المعترِضِ به، ألا تراهم أنكروا على السَّائلِ؟ وقالوا: إِنَّ مَن سَأَلَ العالمَ وبَاحَثَهُ عَمَّا يُنتفع بهِ ويفيدُ حكمُه أَنَّهُ محمودٌ مَن فَعَلَهُ.
          السَّادسةُ: معرفتُهم حالةَ نزولِ الوحيِ عليهِ ◙ لقولِه: (فَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ).
          السَّابعةُ: مَسْحُ الرُّحَضاءِ لِشِدَّةِ الوحْيِ عليه، وهو شِدَّةُ العَرَقِ الَّذي أدركهُ عندَ نزولِه عليهِ.
          الثَّامنةُ: دعاءُ السَّائلِ لقولِه: (أَيْنَ السَّائِلُ؟) سَأَلَ عنه ليجيبَه.
          التَّاسعةُ: ظهورُ البُشرَى لقولِه: (وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ) أي لِمَا رَأَوْا فيه مِن البُشرى لأَنَّهُ كان إذا سُرَّ بَرَقَتْ أساريرُ وجهِه.
          العاشرةُ: احتجَّ به قومٌ على تفضيلِ الفقْرِ على الغِنى، وليس كما تأوَّلُوهُ لأَنَّهُ ◙ لم يخشَ عليهم ما يُفتَحُ عليهم مِن زهرةِ الدُّنيا إِلَّا إذا ضيَّعُوا ما أمَرَهم اللهُ تعالى به في إنفاقِه في حقِّه وإذا كسبوهُ مِن غيرِ وجهِه.
          الحاديةَ عشرةَ: ضَرْبُ الأمثالِ بالأشياءِ التَّافهةِ.
          الثَّانيةَ عشرةَ: جوازُ عَرْضِ التِّلميذِ على العالِمِ الأشياءَ المجملةَ ليُبَيِّنَها.
          الثَّالثةَ عشرةَ: الحضُّ على إعطاءِ هذِه الأصنافِ: المسكينِ واليتيمِ وابنِ السَّبيل، وقد ورد في الحديثِ أَنَّ الصَّدقةَ على اليتيمِ تُذهِبُ قَساوةَ القلْبِ، وسيأتي في الأدَبِ إن شاء الله تعالى في فضلِ مَن يعُولُ يتيمًا.
          الرَّابعةَ عشرةَ: أَنَّ المكتَسِبَ للمالِ مِنْ غير حِلِّه غيرُ مبارَكٍ فيه لقولِه (كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ) لأَنَّ الله تعالى قد رفعَ عنه البركةَ، وأبقى في قلوبِ آكليهِ ومُكتسبِيه الفاقةَ وقِلَّةَ القناعةِ، ويشهدُ لهذا قولُ الله جلَّ جلالُه: {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276] فالْمَحْقُ أبدًا في المالِ المكتسَبِ مِن غيرِ وجهِه.
          الخامسةَ عشرةَ: أَنَّ للعالِم أن يحذِّرَ مَن يُجالسُهُ مِن فتنةِ المالِ / وغيرِه ويُنبِّهَهُم على مواضعِ الخوفِ مِن الافتتانِ به كما قال صلعم: (إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَليْكُمْ) فوَصَفَ لهم ما يَخافُ عليهم، ثُمَّ عرَّفَهُم بمداواةِ تلك الفتنةِ وهي إطعامُ هؤلاءِ الثَّلاثةِ.