التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من سأل الناس تكثرًا

          ░52▒ بَابُ: مَنْ سَأَلَ النَّاسَ تَكَثُّرًا. /
          1474- 1475- حدَّثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حدَّثنا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ قال: سَمَعْتُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم: (لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ) الحديث.
          وَزَادَ عَبْدُ اللهِ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جعْفَرٍ: (فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الخَلْقِ) الحديث.
          وَقَالَ مُعَلًّى: حدَّثنا وُهَيْبٌ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ، سَمِعَ ابنَ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم فِي الْمَسْأَلَةِ.
          الشَّرح: هذا الحديثُ أخرجه مسلمٌ أيضًا إلى قولِه: (مُزْعَةُ لَحْمٍ) ولم يذكرْهُ في روايةٍ أُخرَى، أعني (مُزْعَةُ).
          وقولُه: (قَالَ مُعَلًّى) أسندَهُ البَيْهَقيُّ عن أبي الحسينِ القطَّانِ حدَّثَنا ابن دُرُسْتُوَيْهِ حدَّثنا يعقوبُ بن سفيان حدَّثنا مُعَلًّى به: ((ما تزالُ المسألةُ بالرَّجُلِ حتَّى يلقى اللهَ وما في وجهِهِ مُزْعَةُ لحمٍ)).
          وقولُهُ: (وَزَادَ عَبْدُ اللهِ) يعني ابنَ صالحٍ كاتبَ اللَّيْثِ بن سعد، قالَهُ أبو نُعيمٍ وخَلَفٌ في «أطرافِه» ووقع أيضًا في بعض الأصول منسوبًا، وتابع يَحيَى عبدُ الله بن عبدِ الحكم وشعيبُ بنُ اللَّيْثِ فرَوَياهُ عن اللَّيْث، وروايةُ عبدِ الله أسندَها البزَّارُ عن أبي بكر بن إسحاقَ حدَّثنا عبدُ الله بن صالحٍ حدَّثنا اللَّيثُ عن عبيدِ الله بن أبي جعفر عن صفوانَ بن سُليم عن حمزة، ورأيتُهُ في موضعٍ آخَرَ عن عُبيدِ الله بن أبي جعفرٍ قال: حَدَّثَنِي حمزةُ عن أبيه، قال: قال رسول الله صلعم، فذَكرَهُ مطوَّلًا.
          إذا تقرَّرَ ذَلِكَ فالْمُزْعَةُ _بِضمِّ الميمِ_ القطعةُ مِن اللَّحمِ، ويُقال بكسْرِها قاله ابنُ فارسٍ، واقتصرَ عليه القَزَّازُ في «جامعِه» وابن سِيدَه الضَّمُّ فقط، وكذا الجوهريُّ، قال: وبالكسْرِ مِن الرِّيشِ والقُطنِ، وسوَّى ابنُ سِيدَهْ بين الكلِّ بالضَّمِّ، قال ابنُ التِّين: وضبَطَهُ أبو الحسنِ بفتْحِ الميمِ والزَّايِ وقال: الَّذي أحفظُ عن المحدِّثينَ ضمُّهَا، ومَزَّعتُ اللَّحمَ قطَّعْتُهُ قِطْعَةً قِطْعَةً، ويُقال: أطعمَهُ مُزعةً مِن لحمٍ أي قِطعةً وَثِيقَةً منه.
          قال الخطَّابيُّ: هذا يحتمل وجوهًا منها أَنَّهُ يأتي يومَ القيامة ساقطًا لا جاهَ له ولا قَدْرَ، ومنها أن يكونَ وجهُهُ عَظْمًا لا لحمَ عليه بأن يكون قد عُذِّبَ في وجهِهِ حتَّى سقط لحمُهُ، على معنى مشاكلةِ العقوبةِ في مواضِعِ الجِناية مِن الأعضاء، كما رُوي مِن قرْضِ شِفاهِ الخُطباءِ وتخبُّطِ آكِلَةِ الرِّبا، ويكون ذَلِكَ شعارَه يُعرَفُ به، وقد جاء في روايةٍ أنَّه يأتي يومَ القيامةِ ووجهُهُ عظمٌ كلُّه.
          قال المهلَّب: وفيه ذمُّ السُّؤالِ وتقبيحُه، وفَهِمَ البُخاريُّ أنَّ الَّذي يأتي يومَ القيامةِ ولا لحمَ في وجهِهِ مِن كثْرَةِ السُّؤال أنَّه السَّائلُ تكثُّرًا لغيرِ ضرورةٍ إلى السُّؤال، ومَن سألَ تكثُّرًا فهو غنيٌّ لا تحِلُّ له الصَّدَقَةُ فعُوقِبَ في الآخرةِ، فإذا جاء لا لحمَ في وجهِهِ فتؤذيه الشَّمسُ أكثرَ مِن غيرِه، ألا ترى قولَه في الحديث: ((إِنَّ الشَّمس تدنو يومَ القيامةِ حتَّى يبلغَ العَرَقُ نصفَ الأذن)) وفي روايةٍ: ((يبلغ عرقُ الكافرِ)) فحذَّر صلعم مِن الإلحافِ لغيرِ حاجةٍ في المسألةِ.
          وأمَّا مَنْ سأل مضطرًّا فقيرًا فمباحٌ له المسألةُ، ويُرجَى له أن يؤجَر عليها إذا لم يجدْ عنها بُدًّا ورضيَ بما قسم اللهُ له ولم يَسْخَط قدَرَهُ، وفي حديثِ سَمُرةَ مرفوعًا: ((الْمَسائلُ كُدوحٌ يَكدحُ بها الرَّجلُ وجهَهُ، فمَنْ شاءَ أبقَى على وجهِه، ومن شاء ترك إلَّا أن يسألَ الرَّجلُ ذا سلطانٍ، أو في أمرٍ لا يجد منه بُدًّا)) قُلْتُ: ولا يحِلُّ للفقير أن يُظهِر مِنَ المسألة أكثرَ ممَّا به.