التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب زكاة البقر

          ░43▒ بَابُ: زَكَاةِ البَقَرِ. /
          هي اسمُ جنسٍ مشتقَّةٌ مِنْ بقَرْتُ الشَّيء إذا شققْتُهُ لأَنَّهَا تَبْقُرُ الأرضَ بالحراثةِ، يكونُ للمذكَّرِ والمؤنَّثِ كما قاله في «المحكَم».
          قال البُخاريُّ: وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم: (لَأَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ اللهَ رَجُلٌ بِبَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ) وَيُقَالُ: جُؤَارٌ {يَجْأَرُونَ} [المؤمنون:64] يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ كَمَا تَجْأَرُ الْبَقَرَةُ.
          1460- ثُمَّ ذكرَ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ: قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلعم فَقال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ _أَوْ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ أَوْ كَمَا حَلَفَ_ مَا مِنْ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا) الحديث، رَوَاهُ بُكَيرٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم.
          الشَّرح: أَمَّا حديثُ أبي حُميدٍ فهو قطعةٌ مِن حديثِ ابنِ اللُّتْبِيَّةِ، وقد أسندَهُ فيما سيأتي، وما ذكرهُ في تفسيرِ (جُؤَارٌ) تبِعَ فيه أبا عُبيدةَ مَعْمَرَ بنَ الْمُثنَّى، وعبارةُ ابن سِيدَهْ: رَفْعُ صوتِه مع تضرُّعٍ واستكانةٍ.
          قال ابنُ الأَثيرِ: المشهورُ بالخاءِ يعني المعجمَةَ، والخُوارُ غيرُ مهموزٍ والجُؤارُ مهموزٌ وهما سواءٌ، كما قال القزَّاز: اللَّفظتانِ تُقالانِ في البقرةِ إذا صاحَتْ، ومنهُ {لَهُ خُوَارٌ} [طه:88] وكذلك جُؤارُ الثَّوْرِ بالجيم، والعربُ تستعيرُهُ في الرَّجُلِ، وأصلُهُ في البقرِ قال تعالى: {فَإِلَيْهِ تَجئَرُونَ} [النحل:53] أي: ترفعونَ أصواتَكُم بالدُّعاءِ.
          وحديثُ أبي ذرٍّ أخرجَهُ مسلمٌ أيضًا، وسيأتي في الأيمانِ والنُّذُورِ أيضًا [خ¦6638] وحديثُ بُكَيرٍ أخرجَهُ مسلمٌ مِن حديثِ ابنِ وهبٍ عن عمرِو بنِ الحارث عنهُ، وهو بُكيرُ بنُ عبدِ الله بنِ الأشجِّ، عن ذَكوانَ وهو أبو صالحٍ، عن أبي هُريرةَ عن رسولِ الله صلعم قال: ((إذا لم يؤدِّ المرءُ حقَّ الله أو الصَّدَقَة في إبلِه)) وساق الحديثَ بنحوِ حديثِ سُهيلٍ عن أبيهِ _يعني المذكور عندَهُ_ ((ما مِنْ صاحبِ إبلٍ...)) إلَى آخرِه. وفي آخرهِ: قال سهيلٌ: فلا أدري أذَكَرَ البقرَ أم لا، وذكَرَ فيه الكنزَ والخيلَ.
          وذَكَره البَيْهَقيُّ مِن هذا الوجهِ بذِكْرِ البقَرِ ثُمَّ قال: رواه مسلمٌ وأشار إليه البُخاريُّ، وهو أصحُّ الأحاديثِ الواردةِ في زكاةِ البقرِ، وجاء في أحاديثَ أُخَرَ منها حديثُ معاذٍ: ((لَمَّا بعثَهُ إِلى اليَمَنِ أَمَرَهُ أن يأخُذَ مِن كلِّ أربعينَ بقرة مُسِنَّةً، ومِنْ كلِّ ثلاثينَ تَبيعًا)) حسَّنه التِّرمذيُّ وصحَّحَهُ الحاكمُ على شرط الشَّيخين. وحديثُ عمرِو بنِ حزمٍ أيضًا: ((وفي كلِّ أربعين باقورة بقرةٌ)) وقد سَلَفَ أيضًا حديثُ: ((ليس في البقرِ العوامِلِ شيءٌ)).
          إذا تقرَّر ذلك فالحديثُ دالٌّ على وجوبِ زكاتِها مِن أَجْلِ الوعيدِ الَّذي جاءَ إنْ لم يؤدِّ زكاتَها، ومقدارُ نُصُبها في حديثِ معاذٍ السَّالفِ _وكذا ما يُؤخَذُ منها_ وغيرِهِ مِنَ الأحاديث السَّالفةِ، قال ابنُ بطَّالٍ: وكذا في كتابِ الصَّدقاتِ لأبي بكرٍ وعمرَ، وعلى ذَلِكَ مضى الخُلَفَاءُ وعليه عامَّة الفُقَهَاءِ.
          قال ابنُ المنذِرِ: ولا أعلم النَّاس يختلفونَ فيه اليومَ، وفيه شذوذٌ لا يُلتفَتُ إليهِ رُوِيَ عن ابنِ المسيِّبِ والزُّهرِيِّ وأبي قِلابةَ أَنَّ في كلِّ خمسٍ مِنَ البقَرِ شاةً، وفي عشرٍ شاتين، وفي خمسةَ عَشَرَ ثلاثًا، وفي عشرين أربعَ شِياهٍ، وفي خمسٍ وعشرينَ بقرةٌ إلى خمسٍ وسبعينَ، فإذا زادتْ فبقرتانِ إلى عشرينَ ومئة، فإذا زادت ففي كلِّ أربعين بقرةً بقرةٌ. ورُوي عن أبي قِلابة أَنَّهُ قال: في كلِّ خمسٍ شاةٌ إلى أَنْ تبلُغَ ثلاثين، فإذا بلغتْ ثلاثين ففيها تَبيعٌ.
          واعتلَّ قائلو هذِهِ المقالَةِ بحديثٍ لا أصلَ له رواه حَبيبُ بنُ أبي حَبيب عن عمرِو بنِ هَرِمٍ أَنَّهُ في كتابِ عمرِو بن حَزْمٍ. ومِن طريق النَّظَر أَنَّ الشَّارِعَ قد عَدَلَها بالإبل إذْ جَعَلَ الواحدَ منها يُجزِئُ عن سبعةٍ في الهدايا والضَّحَايَا كما في الإبلِ فزكاتُها زكاتُها، قالوا: وخبرُ معاذٍ منسوخٌ بكتابِه صلعم إلى عُمَّالِه الَّذي رواه عمرُو بنُ حزمٍ.
          قال الطَّبريُّ: وهذا الحديثُ أُرَاهُ غيرَ متَّصِلٍ ولا يجوزُ الاحتجاجُ به في الدِّينِ، والمعروفُ في كتابِه صلعم في الصَّدَقَةِ لآلِ عمرِو بنِ حزمٍ خلافُ ذَلِكَ. قُلْتُ: فيهِ: ((وفي كلِّ أربعينَ باقورةً بقرةٌ)) كما أسلفناه. قُلْتُ: وأمَّا ابنُ حزمٍ فَإِنَّهُ صحَّحَهُ مستدلًّا به، أخرجهُ مِن طريقِ أبي عُبيدِ بن سلَّام حدَّثنا يزيدُ عن حَبيب بن أبي حَبيب عن عمرو بن هَرِمٍ عن محمَّد بن عبد الرَّحمن قال: كان في كتابِ عمرٍو ((أَنَّ البقر يُؤخَذُ منها كما يُؤخذ مِنَ الإبل)).
          وجماعةُ الفقهاءِ على أَنَّهُ لا شيءَ فيما زادَ على الأربعينَ حتَّى تبلغَ ستِّين، فإذا بلغتْها ففيها تبيعان، فإذا بلغتْ سبعين فتَبيعٌ ومُسِنَّة، وبهذا قالَ ابنُ أبي لَيلى وأبو يوسف ومحمَّد، وسُئل أبو حنيفة فقالَ: ما زادَ على الأربعين مِنَ البَقر فبحسابِه ففي كلِّ خمسةٍ وأربعينَ مُسنَّةٌ وثُمْن، وفي خمسينَ مسنَّةٌ وربعٌ، وعلى هذا كلُّ ما زاد قلَّ أو كثُرَ، هذا هو المشهورُ عنه، وقد رَوى أسدُ بنُ عمرٍو عن أبي حنيفةَ مثلَ قولِ الجمَاعَةِ، ولا قولَ إِلَّا قولُهم لأَنَّهُم الحُجَّةُ على مَن خالَفَهُم، وفي حديثِ معاذٍ أَنَّهُ قال: ((لم يأمرني رسول الله صلعم في الأوقاصِ بشيءٍ)).
          وعندَ أهلِ الظَّاهِرِ لا زكاةَ في أقلَّ مِن خمسينَ منها، فإذا ملَك خمسينَ منها عامًا قمريًّا متَّصلًا ففيها بقرةٌ، وفي المئة بقرتان، ثُمَّ في كلِّ خمسين بقرةً بقرةٌ، ولا شيء في الزِّيَادةِ حتَّى تبلغَ الخمسين، وقال إبراهيمُ فيما رواه ابنُ حزمٍ: ليس فيما دونَ ثلاثين شيءٌ فإذا بلغتْها فتبيعٌ، ثُمَّ لا شيءَ فيها حتَّى تبلغَ أربعينَ فإذا بلغتْها فبقرةٌ، ثُمَّ لا شيء فيها حتَّى تبلغَ خمسينَ فإذا بلغتْها فبقرةٌ وربعٌ، ثُمَّ لا شيءَ فيها حتَّى تبلغَ سبعينَ فتبيعٌ ومُسِنَّةٌ، قال: وهي روايةٌ غيرُ مشهورةٍ عن أبي حنيفةَ.
          قال: وقالت طائفةٌ: ليس فيما دونَ الثَّلاثينَ مِنَ البقَرِ شيءٌ فإذا بلغتْها ففيها بقرةٌ مُسِنَّةٌ، فإذا زادتْ واحدةً ففيها بقرةٌ وجزءٌ مِن أربعينَ جُزءًا مِن بقرةٍ، وهكذا في كلِّ واحدٍ يزيدُ فيها جزءًا آخَرَ مِن أربعينَ جزءًا مِن بقرةٍ، هكذا إلى السِّتِّينَ، فإذا بلغتْها ففيها تبيعانِ، ثُمَّ لا شيءَ فيها إلَّا في كلِّ عَشْرٍ زائدٍ كما ذكرْنا.
          قال: وقيل المشهورُ عن أبي حنيفةَ ليسَ في أقلَّ مِن ثلاثين مِن البقرِ صدقةٌ، فإذا بلغتْها سائمةً وحالَ عليها الحولُ ففيها تبيعٌ أو تبيعةٌ وهي الَّتي طعنَت في الثَّالثةِ، فإذا زادتْ على الأربعينَ ففي الزِّيادةِ بقَدْرِ ذَلِكَ إلى السِّتينَ عندَ أبي حنيفةَ، ففي الواحدةِ الزائدةِ / رُبْعُ عُشْرِ الْمُسِنَّةِ، وفي الثِّنتينِ نصفُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ.
          وقال أبو يوسُفَ ومحمَّدٌ: لا شيءَ في الزِّيَادةِ حتَّى تبلغَ ستِّين فيكون فيها تَبيعان أو تَبيعَتَانِ، وهي روايةٌ عن أبي حنيفةَ، وفي سبعينَ مُسِنَّةٌ وتبيعٌ، وفي ثمانينَ مُسِنَّتان، وفي تسعينَ ثلاثةُ أتبِعَةٍ، وفي المئةِ تبيعَتان ومُسِنَّة، على هذا تغيُّرُ الفرْضِ في كلِّ عشرةٍ مِن تبيعٍ إلى مُسِنَّةٍ.
          وفي «مصنَّف ابن أبي شَيْبةَ» مِن حديثِ ابنِ أَرْطأَةَ عن حمَّادِ بنِ أبي سليمانَ عن إبراهيمَ قال: يُحاسَبُ صاحبُ البقَرِ بما فوقَ الفريضةِ، قال: وحدَّثَنا زيدُ بن حُبَابٍ عن معاويةَ بنِ صالحٍ عن العلاءِ بنِ الحارثِ عن مكحولٍ أَنَّهُ قال في صدقةِ البقرِ: ما زاد فبالحسابِ، ورَوَى ابنُ حزمٍ بإسنادٍ جيِّدٍ إلى الزُّهرِيِّ وقَتادةَ عن جابرِ بنِ عبدِ الله قال: في كلِّ خمسٍ مِن البَقَرِ شاةٌ كالإبلِ في عشرينَ أربعٌ.
          قال الزُّهريُّ: فرائضُ البقَرِ مِثْلُ فرائضِ الإبِلِ غيرَ أَنَّه لا أسنانَ فيها، قال: وبلغَنا أَنَّ قولَهم: قال النَّبِيُّ صلعم: ((في كُلِّ ثلاثينَ تَبيعٌ، وفي كلِّ أربعينَ بقرةٌ)) أنَّ ذَلِكَ كانَ تخفيفًا لأهلِ اليَمنِ، ثُمَّ كانَ هذا بعدَ ذَلِكَ. قال: وعن عِكرمةَ بن خالدٍ استُعمِلْتُ على صدقاتِ عَكٍّ، فلقيتُ أشياخًا ممَّن صَدَّقَ على عهدِ رسولِ الله صلعم، فاختلفوا فمنهم مَنْ قالَ: اجعلْها مثلَ صدقةِ الإبِلِ، ومنهم مَنْ قال: في ثلاثينَ تَبيعٌ، ومنهم مَنْ قال: في أربعينَ مُسِنَّةٌ. قُلْتُ: ورُوي عنهُ أنَّ رجلًا حدَّثَهُ عن مُصَدِّقِ أبي بكرٍ أَنَّهُ أخذ مِنْ كلِّ عشرِ بَقَرَاتٍ بقرةً.
          وروى ابنُ حزمٍ أيضًا مِنْ طريقِ أبي عُبيدٍ إلى عمرَ بن عبد الرَّحمن بن خَلْدة الأنصاريِّ أَنَّ صدقةَ البقرِ صدقةُ الإبلِ غيرَ أَنَّهُ لا أسنان، وعن مَعْمرٍ أعطاني سِماكُ بن الفَضلِ كتابًا مِن رسولِ الله صلعم إلى مالك بن كُفْلانِس والمصعَبَيْنِ، فقرأْتُه فإذا فيه: ((وفي البقَرِ مِثْلُ الإبلِ)). قال ابن حزمٍ: ما ذُكِرَ عن الزُّهريِّ مِن أَنَّهُ قال: هذا هو آخِرُ أمرِ رسُولِ الله صلعم، وأنَّ الأمرَ بالتَّبيعِ في الثَّلاثينَ نُسِخَ بهذا.
          واحتجُّوا بعمومِ الخبرِ: ((ما مِنْ صاحب بقرٍ)) الحديث. فهذا عمومٌ لكلِّ بقرٍ إِلَّا ما خصَّهُ نصٌّ أو إجماعٌ، ومَن عَمِلَ مثلَ قولِنا كان على يقينٍ بأنَّهُ قد أدَّى الفريضة، ومَنْ خالفَ لم يكنْ على يقينٍ مِن ذَلِكَ، فإِن احتجُّوا بالخبرِ الَّذِي فيه: ((في كلِّ ثلاثينَ تَبيعٌ وفي كلِّ أربعينَ مُسِنَّةٌ)) قلنا نحنُ بهذا، وليسَ فيه إسقاطُ الزَّكَاةِ عمَّا دونَ ذَلِكَ، ثُمَّ ساقَ بإسنادِه إلى عبدِ الرَّزَّاق عن ابن جُرَيجٍ عن عمرو بن دينارٍ قال: كان عمَّالُ ابنِ الزَّبَيرِ وطلحةَ بنِ عبدِ الله بن عوٍف يأخذونَ مِنْ كلِّ خمسينَ بقرةً بقرةً ومِنْ كلِّ مئةٍ بقرتين، فإذا كثُرت ففي كلِّ خمسين بقرةً بقرةٌ.
          ثُمَّ قال ابنُ حزم: وجدْنا الآثارَ الواردةَ فيه عن رسولِ الله صلعم منقطعةً، ولا يصحُّ في هذا مِنْ طريقِ إسنادِ الآحادِ ولا مِنْ طريقِ التَّواتُرِ شيءٌ ولا عن أحدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ شيءٌ لا يعارضُهُ غيرُهُ، ولم يبقَ إِلَّا ما رُوِّيناه مِن عملِ ابنِ الزُّبيرِ وطلحةَ ابنِ أخي عبدِ الرَّحمن بن عوفٍ بحضرةِ بقيَّةِ الصَّحَابةِ ولم ينكروه، ووجدْنا الإجماعِ المتيقَّنَ المقطوعَ به الَّذي لا خلافَ فيه وحَكَم به مِنَ الصَّحَابةِ ومَن بعدَهم أَنَّ في كلِّ خمسينَ بقرةٌ، وكلُّ ما دونَ ذَلِكَ فمختلَفٌ فيه ولا نصَّ في إيجابِه، فلم يَجُزِ القولُ به.
          وحكى ابنُ التِّينِ مقابِلَه أنَّ في خمسٍ وعشرينَ تبيعًا وفي أربعينَ مُسنَّةً، وعن شهرِ بن حَوْشَب: في عَشْرٍ شاةٌ، وفي عشرين شاتان، ثُمَّ نقلَ عن القاضي أبي محمَّدٍ بعْدَ أن حَكَى مقالةَ أبي قِلابة وسعيدٍ والزُّهريِّ أيضًا أَنَّ كلَّ هذا لا يُلتفتُ إليه، والأصلُ في البابِ الَّذي يجب أن يُصار إليه حديثُ مُعاذٍ: ((خُذ البقرَ مِنَ البقر)) وحديثُه في «الموطَّأ»: أَنَّ معاذًا أخذَ مِنْ ثلاثينَ بقرةً تبيعًا، ومِنْ أربعينَ مسنَّةً وأُتي بما دون ذَلِكَ فأبى أن يأخُذَ، وقال: ((لم أسمع مِنَ النَّبِيِّ صلعم فيه شيئًا حتَّى ألقاهُ فأَسْأَلَهُ)) فَتُوفِّيَ رسولُ الله صلعم قبلَ أن يَقْدَمَ معاذٌ.
          وفي حديث سليمانَ عن الزُّهريِّ عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرِو بن حزمٍ عن أبيهِ عن جدِّه مرفوعًا: ((وفي كلِّ ثلاثين باقورةً تبيعٌ أو جذَعةٌ، وفي كلِّ أربعينَ بقرةٌ)).
          وقد تكلَّف بعضُ النَّاسِ إيرادَ شبهةٍ لبعض ما تقدَّم مِن الأقاويلِ المختلفةِ فقالوا: يمكن أن يُحتجَّ لذلك بما رُوي في حديثِ عمرو بن حزمٍ أَنَّهُ صلعم ذَكَرَ صدقةَ الإبِلِ ثُمَّ عَطَفَ عليه فقال: ((وكذلك البقر)) وهذا غيرُ محفوظٍ في نقلٍ صحيحٍ، ورُوِّينا صدقةَ البقَرِ مفسَّرةً مِن طريقِ عمرو بن حزم ونحوه، ويحتمل ذَلِكَ _إنْ صحَّ_ أن يكون عطْفًا على وجوبِ الزَّكَاة دونَ صفتِها.
          قالوا: ولَمَّا كانت البقرُ كالإبلِ في أَنَّ الواحد يُجزئ في الأُضحِيَة عن سبعةٍ كانت كذلك في صفةِ الزَّكَاةِ، وهذا لا يَصِحُّ على أصلِ المالكيَّة لأَنَّهُم لا يُجيزون الاشتراكَ في الأضحيَةِ فبطَلَ قولُهم.
          فرع: التَّبيعُ عندَنا ما له سَنَةٌ، والمسِنَّةُ ما لها سنتانِ وفي ذَلِكَ خلافٌ عندَنا، والتَّبيعُ والجذَعُ عندَ المالكيَّةِ ما له سنتانِ، وقيل سنةٌ، والمسِنَّةُ ما لها ثلاثٌ، وقيل سنتانِ.
          فرع: لو أخرجَ تبيعةً أجزأتْ عندَنا بل هي أَولى للأنوثةِ، وانفرد أبو حنيفة فجوَّزَ الذَّكَرَ بدلَ المسِنَّةِ وإن كانتْ بقرُهُ إناثًا، ونقل ابنُ التِّينِ عن بعضِ أصحابِنا إن كانت البقرُ ذكورًا كلُّهَا أَخَذَ فيها مُسِنًّا ذكرًا، دليلُنا حديثُ معاذٍ السَّالفُ ((مُسِنَّة)) ولم يُفرِّقْ، وبيَّنَ في حديثِ عمرِو بن حزمٍ أَنَّ التَّبيعَ يجوزُ أن يكونَ ذكرًا أو أنثى على ما سَلَفَ، ولم يذكر ذَلِكَ في المُسِنَّة، ولأنَّ المأخوذَ في فرائضِ الماشيةِ الإناثُ إلَّا مِنْ ضرورةٍ اعتبارًا بالإبلِ والغنمِ.