التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {والعاملين عليها}

          ░67▒ بَابُ: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة:60] وَمُحَاسَبَةِ المُصَدِّقِينَ مَعَ الإِمَامِ.
          1500- ذَكَرَ فيه حديثَ أَبِي حُميدٍ السَّاعديِّ: (اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ صلعم رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى: ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ).
          هذا الحديثُ سَلَفَ طرفٌ منه في الجمعةِ في بابِ أمَّا بعدُ [خ¦925] وأنَّ البُخاريَّ كرَّرهُ في مواضعَ [خ¦2597] [خ¦6636] [خ¦6979]
          و(ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ) / بضمِّ اللَّام، ويُقال فيه ابنُ الأُتْبِيَّةِ أيضًا، واسمُه _فيما ذَكَرَهُ أبو منصورٍ الباوَرْدِيُّ في كتابِه_ عبدُ الله، وقال ابن دُريدٍ: بنو لُتْبٍ بطنٌ مِن الأَزْدِ، واللُّتْبُ الاشتدادُ وهو اللُّصوقُ أيضًا.
          إذا تقرَّرَ ذَلِكَ فالعلماءُ متَّفقونَ على أنَّ العاملَ عليها هم السُّعاةُ المتولُّونَ لِقَبْضِ الصَّدَقةِ، وأَنَّهُم لا يستحقُّون على قبْضِها جزءًا منها معلومًا سُبْعًا أو ثُمنًا، وإِنَّمَا له أجرةُ عملِه على حسبِ اجتهادِ الإمامِ، ودلَّت الآيةُ على أنَّ لِمَنْ شُغلِ بشيءٍ مِن أعمالِ المسلمين أَخْذَ الرِّزقِ على عملِه ذَلِكَ كالوُلاةِ والقضاةِ وشبههم، وسيأتي قولُ مَن كَرِهَ ذَلِكَ مِن السَّلَفِ في بابِ رِزْقِ الحُكَّامِ إن شاء الله [خ¦7163] [خ¦7164].
          وفيه مِن الفقهِ جوازُ محاسبةِ المؤتَمنِ وأَنَّ المحاسبةَ تُصحِّحُ أمانتَه، وهو أصلُ فعلِ عمرَ في مقاسمةِ العُمَّال، وإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمَّا رأى ما قالُوه مِن كثْرَةِ الأرباح وعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِن أَجْلِ سلطانِهم وسلطانُهم إِنَّما كان بالمسلمين، فرأى مقاسمةَ أموالِهم نَظَرًا لهم واقتداءً بقولِه ◙: ((أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَيَرَى أيُهْدَى لَهُ شَيءٌ أَمْ لَا؟!)) ومعناهُ أَنَّه لولا الإمارةُ لم يُهدَ إليه شيءٌ، وهذا اجتهادٌ مِنْ عمرَ، وإِنَّمَا أَخَذَ منهم ما أَخَذَ لبيتِ مالِ المسلمين لا لنفْسِه.
          وفيه أيضًا أَنَّ العالِم إذا رأى متأوِّلًا أخطأَ في تأويلِه خطأً يعُمُّ النَّاسَ ضررُه أنْ يُعلِمَ النَّاسَ كافَّةً بموضِعِ خطئِه ويعرِّفَهم بالحُجَّةِ القاطعةِ لتأويلِه، كما فعلَ الشَّارعُ بابْنِ اللُّتْبِيَّةِ في خُطبتِه النَّاس كما أسلفناه في الجمعةِ. وتوبيخُ المخطئِ. وتقديمُ الأَدْوَنِ إلى الإمارةِ والأمانةِ والعملِ وثَمَّ مَن هو أعلى منه وأفقرُ لأَنَّهُ ◙ قدَّمَ ابنَ اللُّتبِيَّةِ وثَمَّ مِن صحابتِه مَن هو أفضلُ منه.