التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا تصدق على غني وهو لا يعلم

          ░14▒ بَابٌ إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ.
          1421- ذَكَرَ فيه حديثَ أبي هُريرةَ في الصَّدقةِ على السَّارِقِ والزَّانيةِ والغنيِّ بِطُولِهِ.
          وقد أخرجَهُ مسلمٌ بزيادةِ: ((فقيل له: أمَّا صدقَتُكَ فقد قُبِلَتْ)) وهو ظاهرٌ في الحضِّ على الاغتباطِ بالصَّدَقاتِ، وكان هذا الرَّجُلُ فيمَنْ كان قبلَنا فجازاهُ بها وقَبِلَ ذلك منه كما سلفَ، نبَّهَ عليه ابنُ التِّينِ، قالَ: وقولُهُ: (فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ) يحتملُ أن يكونَ أخبرهُ بذلك نبيٌّ أو أُخبِرَ في نومٍ، قلتُ: قد جاء مصرَّحًا بالثَّاني ففي «مستخرج أبي نُعيمٍ»: ((فأُتِي في منامِه فقِيلَ له: إِنَّ اللهَ ╡ قد قَبِلَ صَدَقَتكَ)) وجزمَ به المهلَّبُ فقال: يعني أَنَّهُ أُرِيَ في المنامِ والرُّؤيا حقٌّ.
          وقولُه: (فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عن سَرِقَتِهِ) لعلَّ مِن اللهِ تعالى على معنى القطْعِ والحِتْمِ، ودَلَّ ذلكَ أنَّ صدقةَ الرَّجُلِ على السَّارِقِ والزَّانيةِ والغنيِّ قد يقبلُها اللهُ تعالى، وقد صرَّح به كما سلفَ لا سيَّما إذا كانتْ سببًا إلى ما يُرضي الرَّبَّ تعالى فلا شكَّ في فضلِها وقَبولِها.
          وقولهُ: (فَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَائِهَا) قال ابنُ التِّين: رُوِّيناه بالمدِّ وعندَ أبي ذرٍّ بالقصرِ وهي لغةُ أهلِ الحجازِ، والمدُّ لأهلِ نجدٍ.
          واختلف العلماءُ في الَّذِي يعطي الفقيرَ مِنَ الزَّكَاةِ على ظاهرِ فقْرِهِ ثُمَّ يتبيَّنُ غِناهُ، فقال الحسنُ البصريُّ: إِنَّهَا تُجزِئُهُ، وهو قولُ أبي حنيفةَ ومحمَّدٍ وقبلَهما إبراهيم، قالوا: لأنَّهُ قد اجتهدَ وأعطَى فقيرًا عندَه وليسَ عليه غيرُ الاجتهادِ، وأيضًا فإنَّ الصَّدقةَ إذا خرجتْ مِن مالِ المتصدِّقِ على نيَّةِ الصَّدَقَةِ أنَّها جازئةٌ عنه حيثُ وقعتْ ممَّن بَسَطَ إليها يدًا إذا كان مُسلمًا بهذا الحديثِ.
          وقال أبو يوسُفَ والثَّوريُّ والحسنُ بنُ حيٍّ والشَّافعيُّ: لا يُجزئهُ لأَنَّهُ لم يضع الصَّدقةَ موضِعَها وقد أخطأَ في اجتهادِه، كما لو نَسِيَ الماءَ في رَحْلِه وتيمَّمَ لصلاةٍ لم تجزئه صلاتُه. واختلف قولُ ابنِ القاسم: هل تجزئه أم لا؟ قال ابنُ القصَّار: وقولُ مالكٍ يدلُّ على هذا لأَنَّهُ نصَّ في كفَّارةِ اليمينِ: إنْ أطعمَ الأغنياءَ فإنَّه لا يُجزِئهُ وإنْ كان قد اجتهدَ فالزَّكاةُ أَولى، فأمَّا الصَّدقةُ على السَّارِقِ والزَّانيةِ فَإِنَّ العلماءَ مُتَّفقونَ أنَّهَما إذا كانا فقيرينِ فهما ممَّن تجوزُ له الزَّكَاةُ.
          وفيه وجوبُ الاعتبارِ، والمنافسةُ في الخيرِ كما سلفَ، وزعم بعضُهم أنَّ هذا كان في صدقةِ التَّطوُّعِ.
          وقولُه: (تصُدِّقَ) رُوِيَ بِضَمِّ التَّاءِ وفتْحِها.