التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل

          ░57▒ بَابُ: أَخْذِ صَدَقَةِ التَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ، وَهَلْ يُتْرَكُ الصَّبِيُّ فَيَمَسُّ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ؟
          1485- ذَكَرَ فيه حديثَ أبي هُريرةَ قَالَ: (كَانَ ◙ يُؤتَى بِالتَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ) الحديث وفيه: فَجَعَلَ الحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَلْعَبَانِ بِذَلِكَ التَّمْرِ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا تَمْرَةً فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلعم فَأَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ، فَقَالَ: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ).
          هذا الحديث أخرجهُ أيضًا قريبًا في بَابِ ما يُذكر مِنَ الصَّدَقَة للنَّبِي صلعم وآلِهِ بلفظِ: أخذَ الحسنُ بن عليٍّ تمرةً فقال: ((كِخْ كِخْ)) ليطرحَها ثُمَّ قال: ((أما شعرتَ أنَّا لا نأكل صدقةً؟)) [خ¦1491] وأخرجهُ مسلمٌ كذلكَ، وفي روايةٍ: ((أَمَا علمتَ أنَّا لا تحِلُّ لنا الصَّدقَةُ؟)) وله عندهما طريقٌ آخرُ غير هذا، ومِن حديثِ أنسٍ أيضًا، وله طُرقٌ أُخَر.
          والصّرامُ هو الجداد والقطافُ، ويُقال ذَلِكَ كلُّهُ بالفتْحِ والكسْرِ، وكأنَّ الفَعال بهما مطَّردان في كلِّ ما كان فيه / معنى وقْتِ الفعلِ، مشبَّهَان في معاقبتِهما بالأَوان، والمصدرُ مِن ذَلِكَ الصَّرْم والجَدُّ والقَطْف، وعبارةُ ابنِ سِيدَهْ: الصِّرامُ والصُّرامُ أوانُ إدراكِه، وأَصْرَمَ حان صِرامُهُ، والصُّرامةُ ما صُرِم مِنَ النَّخلِ، ونخْلٌ صَرِيمٌ مصرُومٌ.
          وفي «المغيث»: قد يكون الصِّرامُ النَّخل لأَنَّهُ يُصرَمُ أي يُجتنَى ثَمَرُهُ، ومِنهُ حديثُ ابنِ عبَّاسٍ: ((يُرسِلُ ابن رَوَاحة إلى يهودَ حين يُصْرِم النَّخْلُ)) بكسْرِ الرَّاءِ أي بَلَغَ وقتُ صِرامِهِ، والصِّرَامُ التَّمرُ بعينِه أيضًا لأَنَّهُ يُصرَم فسُمِّيَ بالمصدرِ، وفي «الجامع»: رُبَّمَا سمَّوُا النَّخلَ صِرامًا لأَنَّهُ يُصرَم ويُجتنَى ثَمَرُه.
          وقال الإسماعيليُّ: قولُ البُخاريِّ: (عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ) يريدُ بعدَ أن تصيرَ تمرًا لأَنَّهُ يُصرم النَّخلُ وهو رُطَبٌ، فَيُتْمِرُ في الْمِرْبَد، ولكنَّ ذَلِكَ لا يتطاولُ فَحَسُنَ أن يُنسَب إليه، كما قال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141] فمنْ رآه في الزَّكَاةِ فإِنَّمَا هو بعدَ أن يُداسَ ويُنقَّى.
          والكَوْمُ بفتْحِ الكافِ والكُومَةُ العُرمةُ، وهو هنا التَّمر المجتمعُ كالكُدْيَة.
          وقولُهُ: (أَخَذَ أَحَدُهُمَا تَمْرَةً) هو الحسنُ كَمَا علِمْتَه في روايةِ البُخاريِّ ومسلمٍ.
          وقولُه: (أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لَاَ يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ) وفي لفظٍ آخَرَ سَلَفَ: ((أنَّا لا نأكلُ الصَّدَقةَ)) قال الدَّاوديُّ: إمَّا أن يكونَ قالَهما أو رَوَى بعضُهم معنى الكلمةِ، وفيه دِلالةٌ واضحةٌ على تحريمِ الصَّدَقَةِ على آلِه صلعم، وبه قال أبو حنيفةَ والشَّافعيُّ، وللمالكيَّةِ في إعطائِهم مِن الصَّدَقَةِ أربعةُ أقوالٍ: الجوَازُ والمنعُ، ثالثُها: يُعطَونَ مِن التطوُّعِ دونَ الواجبِ، رابعُها: عكسُهُ لأنَّ المنَّةَ قد تقعُ فيها، والمنعُ أَوْلَاها كما قال ابنُ التِّينِ للحديثِ، وعندَنا لا يحرُم عليهم التَّطوُّعُ.
          وآلُهُ عندَنا بنو هاشمٍ وبنو المطَّلِبِ، وقالت المالكيَّةُ: بنو هاشمٍ آلٌ وما فوقَ غالبٍ ليسَ بآلٍ وفيما بينهما قولان، وعندَ أبي حنيفة أنَّ آلَه بنو هاشمٍ خاصَّةً لأنَّه استثنَى بني أبي لَهَبٍ، وقال أصبغ: هم عشيرتُه الأقربون الَّذِين ناداهم حين أنزل اللهُ تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] وهم آلُ عبدِ المطَّلِبِ وهاشمٍ وعبدِ مَنافٍ وقُصيٍّ وغالبٍ، قال: وقيل قريشٌ كلُّها.
          قال ابنُ حَبيب: لا يَدخلُ في آلِه مَن كان فوقَ بني هاشمٍ مِن بني عبدِ مَناف أو بني قُصيٍّ أو غيرِهم، وكذا فسَّرَ ابنُ الماجِشُون ومطرِّف، وحكاهُ الطَّحَاويُّ عن أبي حَنيفةَ.
          قال ابنُ التِّين: والأظهرُ ما قالَهُ ابنُ القاسم أنَّهم بنو هاشمٍ خاصَّة لأنَّ الأوَّل إذا وقع على الأقاربِ إِنَّمَا يتناول الأدْنَيْن، فعلى هذا يأخُذُها مِن آلِ العَشِيرةِ مَن عدا عليًّا، وعلى قولِ أصبغَ لا يأخذُها الخلفاءُ الثَّلاثةُ الأُوَلُ ولا عبدُ الرَّحمنِ ولا سعدُ بن أبي وقَّاصٍ ولا طلحةُ ولا الزُّبيرُ ولا سعيدٌ، ويأخذُها أبو عُبيدةَ لأَنَّهُ يجتمع معه في فِهْر وهو أبو غالبٍ فيجتمع معه فيه وفي عليٍّ، ويحتمل أن يذكرَ بعضَ مَن لا يحلُّ له وسكتَ عن بعضٍ لِعِلْمِ السَّامعِ أنَّ آلَه لا يأخذونها.
          واختُلِفَ فيمن عداهما، وذَكَرَ عبدُ الرَّزَّاقِ عن الثَّوريِّ عن يزيد بن حبَّان التَّيميِّ قال: سمعتُ زيدَ بن أرقمَ وقيل له: مَن آلُ محمَّدٍ الَّذِين لا تحلُّ لهم الصَّدقةُ؟ قال: آلُ عليٍّ وآلُ عَقيلٍ وآلُ جعفرٍ وآلُ العبَّاس.
          فرعٌ: الأصحُّ عندَنا إلحاقُ مَواليهِم بهم، وبه قال الكوفيُّون والثَّوريُّ، وعند المالكيَّة قولان لابنِ القاسم وأصبغ، قال أصبغ: احتججتُ على ابنِ القاسم بالحديثِ: ((مولى القومِ منهم)) فقال: قد جاء حديثٌ آخَرُ: ((ابنُ أختِ القومِ منهم)) فكذلك حديثُ المولى، وإِنَّمَا نُفسِّرُ: ((مولى القومِ منهم)) في الحُرمةِ والبِرِّ كَمَا في حديث: ((أنتَ ومالُكَ لأبيك)) أي في البِرِّ لا في القضاء واللُّزُوم، ونقلَ ابنُ بطَّالٍ عن مالكٍ والشَّافعيِّ وابنِ القاسم الحِلَّ، وما حكاه عن الشَّافعيِّ غريبٌ.
          فرعٌ: أمَّا سيِّدُنا رسولُ الله صلعم فصَدَقَةُ الفرضِ والتَّطوُّعِ حرامٌ عليه لشَرَفِه فإنَّهَا أوساخُ النَّاس، قال المهلَّبُ: ولأَنَّهَا مَنزلةُ ذُلٍّ والأنبياءُ منزَّهُونَ عن الذُّلِّ والخضوعِ والافتقارِ لغيرِ الله تعالى، وقد فَرضَ اللهُ عليه وعلى الأنبياءِ قبْلَهُ ألَّا يطلبوا على شيءٍ مِن الرِّسالةِ أجرًا قال تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الأنعام:90] فلو أخذها لكانت كالأُجرةِ، وكذلك لو أخذها آلُهُ لأَنَّهُ كالواصل إليهِ، وأيضًا فلو حلَّت له لقالوا: إِنَّمَا دعانا إلى ذَلِكَ، وادَّعى القَرَافيُّ في «ذَخيرتِه» فيه الإجماعَ، وقال ابنُ قُدامة: إِنَّهُ الظَّاهر لأَنَّ اجتنابَها كان مِنْ دلائلِ نبوَّتِه كَمَا في حديثِ سلمان الصَّحيحِ: ((يأكلُ الهديَّةَ ولا يأكلُ الصَّدقةَ)) وهو عامٌّ، وعن أحمد حِلُّ التَّطوُّعِ له.
          ويجوزُ أن يُرادَ بالآلِ هنا نفْسُه كما جاء في الحديثِ: ((لقد أُوتي مِزمارًا من مزاميرِ آلِ داود)) يريدُ داودَ، ونَقلَ الطَّحاويُّ عن أبي يوسفَ ومحمَّدٍ أنَّ التَّطوُّعَ يَحْرُمُ على بني هاشمٍ أيضًا، وكَرِهَ أصبغُ لهم فيما بينهم وبينَ الله تعالى أن يأخذوا مِن التَّطوُّع.
          واختَلف في ذَلِكَ قولُ أبي حَنيفةَ فرُوِي عنه مثلُ هذا القولِ ورُوِي عنه أَنَّ الفرضَ والتَّطوُّعَ حلالٌ لبني هاشمٍ، وذَكَرَ الطَّبريُّ عن أبي يوسف أَنَّهُ يحلُّ لبني هاشمٍ الصَّدَقةُ مِن بعضِهم لبعضٍ ولا يحلُّ لهم مِن غيرِهم، وعن أبي حنيفة أَنَّ الصَّدقةَ إِنَّمَا كانت محرَّمَةً عليهم مِن أَجْلِ ما جعلَ اللهُ لهم مِن الخُمْسِ مِن سهمِ ذي القُربى، فَلَمَّا انقطع ذَلِكَ عنهم رَجَعَ إلى غيرِهم بموتِه صلعم حلَّ لهم بذلك ما كان حرُمَ عليهم.
          وقال ابنُ العربيِّ: الكتبُ طافحةٌ بتحريمِها عليهم، وقيل: إنَّما حُرِّمَا عليه صلعم لأَنَّهُ كان له الخُمسُ والصَّفِيُّ مِنَ المغنم، وأهلُ بيته دونَه في الشَّرَفِ فلهم خُمس الخُمس وحدَهُ، فحُرِمُوا أحدَ نوعَيها وهو الفرضُ دون التَّطوُّعِ.
          وقال ابنُ بطَّالٍ: حُرِّمت الصَّدقةُ عليه وعلى آلِه بنصِّ القرآنِ، قال تعالى: {قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] فلو حلَّت له الصَّدقةُ / وَجَدَ القومُ السَّبيلَ إلى أن يقولوا: إِنَّمَا يدعو إلى ما يدعونا إليه ليأخذَ أموالَنا ويعطيَها أهلَ بيتِه.
          وقال الطَّبريُّ في مقالةِ أبي يوسُفَ السَّالفة: لا القياسَ أصابُوا ولا الخبرَ اتَّبعُوا، وذلك أنَّ كلَّ صدقةٍ وزكاةٍ أوساخُ النَّاسِ وغُسالةُ ذنوبِ مَن أُخِذتْ منهُ هاشميًّا أو مطَّلبيًّا، ولم يفرِّق الله وَرَسُولُه بينَ شيءٍ منها بافتراقِ حالِ المأخوذِ ذَلِكَ منهُ. قال: وصاحبُهم أشدُّ قولًا منهم لِأَنَّهُ لزِمَ ظاهرَ التَّنزيلِ، وهو {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}الآية[التوبة:60] وأنكرَ الأخبارَ الواردةَ بتحريمِها على بني هاشمٍ، فلا ظاهرَ التَّنزيلِ لزموا ولا بالخبرِ قالوا.
          فرعٌ: عند الحنفيَّةِ والمالكيَّةِ يجوزُ أن يكونَ العاملُ غنيًّا لا هاشميًّا وهو الأصحُّ عند الشَّافعيَّةِ، لحديثِ أبي رافعٍ في السُّننِ وصحَّحَهُ التِّرمِذيُّ.
          فائدةٌ: الآلُ له معنيان: القرابةُ والأهلُ، وأولادُ العمِّ، وقال مالِكٌ لعبدِ الملك بن صالح: آلُهُ أُمَّتُه، ولابنِ دِحْيَة: الأزواجُ والذُّرِّيَّةُ والأَتباعُ وكلُّ تقيٍّ، واختلف أهلُ اللُّغةِ في الآلِ والأهلِ فقالوا: الآلُ يقع على ذاتِ الشَّيءِ وعلى ما ينضافُ إليه بخلافِ الأهلِ.
          فائدةٌ: قال بعضُ أهلِ العلم: السُّنَّةُ أَخْذُ صدقةِ التَّمْرِ عند جَدادِه لقولِه تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141] فإنْ أخرجها عند محلِّهَا فسُرقتْ أو سَقطتْ فقال مالكٌ وأبو حنيفةَ: يُجزئُ عنه، وهو قولُ الحسن، وقال الزُّهريُّ والثَّوريُّ وأحمدُ: هو ضامنٌ لها حتَّى يضعَها مواضعَها، وقال الشَّافعيُّ: إنْ كان بقي له مِن مالِه ما فيه زَكَاةٌ زَكَّاهُ.
          حُجَّةُ الأوَّلِ أنَّ إخراجَها موكولٌ إليه وهو مؤتمنٌ على إخراجِها، وإذا أخرجها مِنْ مالِه وجُعلتْ في يدِه جُعلَتْ كَيَدِ السَّاعي وقد اتَّفقنا أنَّ يدَ السَّاعي يدُ أمانةٍ، فإذا قبَضَها ولم يفرِّطْ في دفْعِها وتَلِفَتْ بغيرِ صُنْعِهِ فلا ضمان، فكذا ربُّ المالِ لأَنَّ الزَّكَاةَ ليست متعلِّقةً بذمَّتِه بل في مالِه.
          وأمَّا إذا أخَّر إخراجَها حتَّى هَلكتْ فقال مالكٌ وأبو حنيفةَ والشَّافعيُّ: إذا أمكنَ الأداءُ بعد حلولِ الحولِ وفرَّطَ حتَّى هلكَ المالُ فعليه الضَّمَانُ.
          خاتمةٌ في فوائدِه: فيه مِن الفقهِ دَفْعُ الصَّدقاتِ إلى السُّلطان.
          وفيه أنَّ المسجدَ قد يُنتفعُ به في أَمْرِ جماعةِ المسلمين في غيرِ الصَّلاةِ، ألا ترى أَنَّهُ صلعم جَمَعَ فيه الصَّدَقاتِ وجعلَهُ مَخْرَفًا لها، وكذلك أَمَرَ أن يُوضَع فيه مالُ البحرينِ وأن يُباتَ عليه حَتَّى قسمَهُ فيه، وكذلك كان يقعد فيه للوفودِ والحُكمِ بين النَّاس، ومثلُ ذَلكَ ممَّا هو أبينُ لَعِبُ الحبشة بالحِرابِ وتعلُّمُ المثاقفَةِ، وكلُّ ذَلِكَ إذا كان شاملًا لجماعةِ المسلمين وأمَّا إذا كان العمل لخاصَّةِ النَّاسِ فيُكرَهُ، مِثْل الخياطة والخِرَازة، وقد كَرِهَ قومٌ التَّأديبَ فيه لأَنَّهُ خاصٌّ ورخَّصَ فيه آخرون لِمَا يُرجى مِن نَفْعِ تعلُّمِ القرآنِ فيه.
          وفيه جوازُ دخولِ الأطفال فيه واللَّعبِ فيه بغيرِ ما يُسقطُ حُرمتَه إذا كان الأطفالُ إذا نُهوا انتهَوا. وفيه أنَّه ينبغي أن يُجَنَّبَ الأطفالُ ما يتجنَّبُ الكبارُ مِنَ المحرَّمات. وفيه أنَّ الأطفالَ إذا نُهوا عن الشَّيءِ يجبُ أن يُعرَّفُوا لأيِّ شيءٍ يُنْهَوا عنه ليَكبُروا على العلمِ ليأتيَ عليهم وقتُ التَّكليفِ وهم على علمٍ مِن الشَّريعةِ.
          وفيه _كما قال الطَّبريُّ_ الدَّليلُ على أنَّ لأولياءِ الصِّغارِ المعاتبة، وتجنُّبهم التَّقدُّمَ على ما يجب على البالغينَ الانزجارُ عنه، والحول بينهم وبين ما حرَّم الله على عبادِهِ فِعلَه، وذلك أَنَّهُ صلعم استخرجَ التَّمرةَ مِن الصَّدَقةِ مِن فِي الحسنِ وهو طفلٌ لا تلزمه الفرائضُ ولم تَجْرِ عليه الأقلام، ولا شكَّ لو أنَّه أَكَلَ جميعَ تَمْرِ الصَّدَقةِ لم تلزَمْهُ تَبِعَةٌ عندَ الله، وإنْ لَزِمَ مالَه غُرْمُهُ مِن ضمانِ ذَلِكَ، ولكنْ مِن أَجْلِ أَنَّهُ كان ممَّا حَرُمَ على أهلِ التَّكليفِ مِن أهلِ بيتِه فبانَ بذلكَ أنَّ الواجبَ على وليِّ الطِّفلِ والمعتوهِ إنْ رآه يتناولُ خمرًا يشربها أو لحمَ خنزيرٍ يأكلُهُ أو مالًا لغيرِه ليتلفَه أنْ يمنعَه مِنْ فعلِه ويحولَ بينه وبين ذَلِكَ.
          وفيه الدَّلِيلُ الواضحُ على صحَّةِ قولِ القائل: إنَّ على وليِّ الصَّغيرةِ المتوفَّى عنها زوجُها أن يجنِّبَها الطِّيبَ والزِّينةَ والمبيتَ عن المسكنِ الذي يسكنُه والنِّكاحَ وجميعَ ما يجبُ على البوالِغِ المعتدَّاتِ اجتنابُه، وخطأِ قولِ مَن قال: ليس ذَلِكَ على الصَّغيرةِ، اعتلالًا منهم بأَنَّها غيرُ متعبَّدَةٍ بشيءٍ مِن الفرائضِ؛ لأَنَّ الحسنَ كان لا تلزمُه الفرائضُ فلم يكنْ لإخراجِ التَّمرةِ مِن فِيهِ معنًى إلَّا مِن أَجْلِ ما كانَ على النَّبِيِّ صلعم مِن مَنْعِه ما على المكلَّفين منه مِن أَجْلِ أَنَّهُ وليُّهُ.