التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة

          ░64▒ بَابُ: صَلَاةِ الإِمَامِ وَدُعَائِهِ لِصَاحِبِ الصَّدَقَةِ.
          وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} إِلَى قَوْلِهِ {سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة 103].
          1497- ذَكَرَ فيه حديثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صلعم إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ، فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى).
          هذا الحديثُ ذَكَرَهُ في غزوةِ الحُدَيْبِيَةِ عن عمرٍو: سمعتُ ابنَ أبي أَوْفَى وكان مِن أصحابِ الشَّجَرةِ. ولأبي داودَ عن عمرِو بن مُرَّةَ عن عبدِ الله بن أبي أَوفَى قال: كان أَبِي مِن أصحابِ الشَّجرَةِ. وهما صحيحان، هو ووالدُه مِن أصحابِها، وأخرجه مسلمٌ أيضًا.
          وهذِهِ الآيةُ نزلَتْ _فيما قاله الضَّحَّاكُ_ في قومٍ تخلَّفُوا عن غزوةِ تَبوكَ منهم أبو لُبَابةَ فندموا وربَطُوا أنفُسَهم إلى سوارِي المسجدِ فقال ◙: ((لا أعذُرُهم)) فأنزلَ اللهُ تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ}الآية[التوبة:102] فأُتي النَّبِيُّ صلعم بأموالِهم فأبى أن يقبَلَها، فقال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}الآية[التوبة:103] ومعنى {صَلِّ عَلَيْهِمْ} ادعُ لهم إنَّ دعاءك سكونٌ وتثبيتٌ.
          فيه الأمرُ بالدُّعاءِ لصاحبِها، وأوجبَهُ أهلُ الظَّاهرِ عملًا بالأمْرِ وبفِعْلِ الشَّارعِ وخالفهم جميعُ العلماء وأَنَّهُ مستحبٌّ؛ لأَنَّها تقعُ الموقِعَ وإن لم يدْعُ له، ولم يأمُرْ به معاذًا ولو كان واجبًا لعلَّمَه ولَأَمَرَ به السُّعاةَ ولم يُنقَل، والمرادُ بأَنَّهَا سَكَنٌ بعد الموتِ، وهو خاصٌّ به لأَنَّ صلاتَه سكَنٌ لنا ولأَنَّ كلَّ حقٍّ للهِ أو لآدميٍّ استوفاه الإمامُ لا يجب عليه الدُّعاءُ لِمَن استوفاه منه كالحدودِ والكفَّاراتِ والدُّيونِ.
          وفيه الصَّلاةُ على غيرِ الأنبياءِ، وقد منعَه مالكٌ والحديثُ حُجَّةٌ عليه وكذا حديثُ «الموطَّأ»: ((اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد وعلى آل محمَّد)) لكن هذا مِن بابِ التَّبَعِ.
          وفيه أنَّه يُقالُ آلُ فلانٍ يريدُ فلانًا وآلَه، وذَكَرَ بعضُ أهل اللُّغة أَنَّهَا لا تُقالُ إِلَّا للرَّجلِ العظيمِ كآلِ أبي بكرٍ وعمرَ، وقال الشَّافعيُّ: الصَّلاةُ عليهم الدُّعاءُ لهم فيُستحبُّ للإمامِ إذا أَخَذَها أن يدعوَ لِمَن أَخَذَهَا منه، وأُحِبُّ أن يقول: أَجَرَكَ الله فيما أعطيتَ وجعلَهُ لك طُهورًا وباركَ لك فيما أبقيتَ، وللنَّسائيِّ مِن حديثِ وائلِ بنِ حُجْرٍ قال ◙ لِرَجُلٍ بَعَثَ بناقةٍ _يعني في الزَّكَاة_ فَذَكَرَ مِن حُسنِها: ((اللَّهمَّ باركْ فيه وفي آلِه)).