التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب

          بَابٌ
          1420- ذَكَرَ فيه حديثَ مسروقٍ عن عائشةَ: أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلعم _أو أزواجَ النَّبِيِّ صلعم_ قُلْنَ لِلنَّبِيَّ صلعم: أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟ قال: (أَطَوَلُكُنَّ يَدًا) فَأَخَذُوا قَصَبَةٌ يَذْرَعُونَهَا، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا، فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَ طُولَ يَدِهَا بِالصَّدَقَةِ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بَهِ، وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ.
          الشَّرح: كذا هو ثابتٌ في كلِّ النُّسخِ (بَابٌ) بغيرِ ترجمةٍ، وكذا هو في الشُّروحِ، وهو داخلٌ في البابِ الأوَّل، وزعم ابنُ أبي أحدَ عشر أَنَّهُ ذَكَرَهُ في بابِ فضل زينبَ وسَودة، والمشهورُ أنَّ أسرَعَهُنَّ لحوقًا بهِ زينبُ بنتُ جحشٍ، وكانتْ كثيرةَ الصَّدَقَة.
          قال محمَّدُ بن عمرَ: هذا الحديثُ وَهَلٌ في سَودةَ وَإِنَّمَا هو في زينبَ، وهي كانتْ أَوَّلَ نسائِه لُحوقًا به وتُوفِّيتْ في خلافةِ عمرَ، وبقيتْ سودةُ إلى شوَّالٍ سنةَ أربعٍ وخمسينَ بالمدينةِ في خلافةِ معاويةَ، وهو الثَّبت عندنا، وقد رواه مسلمٌ على الصَّوَابِ مِن حديثِ طلحةَ بنِ يَحيى بنِ طلحةَ عن عائشةَ بنتِ طلحةَ عن عائشةَ خالتِها وذَكَرَتْ أنَّهَا زينبُ بنتُ جحشٍ.
          وسببُ طولِ يَدِها أَنَّهَا كانتْ تعملُ وتتصدَّقُ، وقال ابنُ بطَّالٍ: سَقَطَ مِن الحديثِ ذِكْرُ زينبَ لأَنَّهُ لا خلافَ بينَ أهلِ الأثَرِ والسِّيَرِ أَنَّ زينبَ أَوَّلُ مَن ماتَ مِن زوجاتِه، قال عبدُ الرَّحمَنِ بنُ أَبْزَى: صلَّيتُ مع عمرَ على زينبَ بنتِ جحشٍ أمِّ المؤمنين، قلتُ: فهو إذنْ غلطٌ مِن بعضِ الرُّواةِ، والعجَبُ أَنَّ البُخاريَّ لم يُنبِّهْ عليه ولا مَن بَعْدَه، حَتَّى أنَّ بعضَهم فسَّرهُ بأنَّ لحوقَ سودةَ مِن أعلامِ النُّبوَّةِ، ويجوزُ أن يكون خطابُه لِمَن كان حاضرًا عندَه إذْ ذاكَ مِن الزَّوجاتِ وأنَّ سودةَ وعائشةَ كانتا ثَمَّ دونَ زينبَ.
          وفيه الإنعامُ والإفضالُ، وأَنَّ الحُكْمَ للمعاني لا للألفاظِ / بخلافِ قولِ أهلِ الظَّاهِر؛ أَلَا ترى أنَّ أزواجَهُ سبَقَ إليهنَّ أَنَّهُ أرادَ طُولَ اليدِ الَّتي هي الجارحةُ، فلمَّا لم تُتَوفَّ سودةُ الَّتي كانتْ أطولَهنَّ يدَ الجارحةِ وتوفِّيتْ زينبُ قَبْلَهُنَّ علِمْنَ أَنَّهُ لم يُرِدْ طولَ العُضوِ وَإِنَّمَا أراد بذلكَ كَثْرَةَ الصَّدقةِ لأَنَّ زَيْنَبَ هي الَّتي كانت تحبُّ الصَّدقةَ.
          واليدُ ها هُنا يدُها للعطاءِ، وهو مِن مجازِ الكلامِ ومِثْلُهُ قولُ اليهودِ: {يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64].