التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسد

          ░25▒ بَابُ أَجْرِ الْخَادِمِ إِذَا تَصَدَّقَ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ.
          1437- 1438- سَلَفَ بما فيه وكذا البابُ بعدَهُ.
          ░27▒ بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآية [الليل:5] (اللهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا مَالًا خَلَفًا).
          1442- ذَكَرَ فيهِ حديثَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ _واسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، صدوقٌ_ عَنْ أَبِي الحُبَابِ _بِضَمِّ الحاءِ المهمَلَةِ_ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللهُمَ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).
          أمَّا الآيةُ فَقال ابنُ عبَّاسٍ فيما حكاهُ الطَّبَرِيُّ: أَعطَى ممَّا عندَهُ واتَّقَى ربَّهُ وصدَّقَ بالخَلَفِ مِن اللهِ تعالى. وقال قَتادة: أَعطَى حقَّ اللهِ واتَّقَى محارمَهُ الَّتي نهى عنها. وقال الضَّحَّاكُ: زكَّى واتَّقَى الله. وقيل: الحُسنَى لا إِله إِلَّا الله، قالهُ أَبُو عبدِ الرَّحْمنِ وعطاءٌ والضَّحَّاكُ وابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ. وَقال مجاهدٌ: بالجَنَّة. وقال قَتادةُ: صدَّقَ بموعودِ اللهِ على نفْسِه فعمِلَ بذلكَ الموعودِ الَّذِي وعَدَهُ.
          قال الطَّبَرِيُّ وغيرُهُ: والأشبَهُ والأَوْلى قولُ ابنُ عبَّاسٍ السَّالفُ قال: وَإِنَّمَا قلتُ ذلكَ لأَنَّهُ سياقُ الآيةِ. وذَكَرَ أَنَّ هذِهِ الآيةَ نزلَتْ في الصِّدِّيقِ كانَ اشترى نَسَمًا كانوا في أيدي المُشرِكِينَ فنزلتْ إلى آخِرِ السُّورَةِ، ورُوِي أَنَّهَا نَزَلَتْ في رجلٍ ابتاع نخلةً كانتْ على حائطِ أيتامٍ فكانَ يمنعُهم أَكْلَ ما يسقُطُ منها فابتاعَها رجلٌ منهُ وتصدَّقَ بها عليهمْ.
          وأَمَّا الحديثُ فهو موافقٌ لقولِه تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39] ولقولِه: ((ابنَ آدم أنفقْ أُنْفِقْ عليكَ)) وهذا يعمُّ الواجبَ والمندوبَ.
          والمُمْسِكُ يريدُ بهِ عنِ الواجباتِ دونَ المندوباتِ فَإِنَّهُ قَد لا يَستحقُّ هَذا الدُّعَاء، اللَّهمَّ إِلَّا أن يَغلِبَ عَلَيهِ البُخْلُ بها وإِنْ قلَّتْ فِي أنفُسِها كالحبَّةِ واللُّقْمَة ومَا شابهَهُما، فقدْ يتناولَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يكونُ كذلكَ لِغَلَبَةِ صِفَةِ البُخْلِ المذمومِ عليهِ، وقلَّمَا يكونُ ذلكَ إِلَّا ويبخَلُ بكثيرٍ مِنَ الواجباتِ إِذْ لا تطيبُ نفسُهُ بها.
          وفيهِ الحضُّ على الإنفاقِ في الواجباتِ كالنَّفقةِ على الأَهلِ وصِلةِ الرَّحِمِ، ويدخلُ فيهِ صَدَقةُ التَّطوُّعِ والفرضِ على ما أسلفناهُ، ومعلومٌ أنَّ دعاءَ الملائكةِ مجابٌ بدليلِ قولِه: ((مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).
          وقولُهُ تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:7] أَي للحالةِ اليُسرَى. وسمَّى العملَ بما يرضاهُ اللهُ تعالى منهُ في الدُّنيا ليوجِبَ بهِ الجَنَّةَ في الآخرة.
          وقولُهُ: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} فيُروَى يعني أَنَّهُ أَبُو سُفيان. وقولُهُ: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} أي كذَّبَ بالخَلَفِ، عن ابنِ عبَّاسٍ وَرُوِي عنهُ أيضًا: بِلا إله إلَّا الله كَمَا سَلَفَ، وقال قَتادةُ: كذَّبَ بموعودِ اللهِ تعالى أن ييسِّرهُ. {للعُسْرَى} أي للعملِ بالمعاصي.
          ودلَّتْ هَذِهِ الآية أَنَّ الرَّبَّ تعالى هو الموفِّق للأَعمالِ الحسنةِ والسَّيِّئةِ كما قال صلعم: ((اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرون لِعَمَلِ الشَّقَاءِ ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الآية [الليل:5-6])). وقال الضَّحَّاك: العُسْرَى: النَّارُ.
          فإن قلتَ: التَّيسيرُ إِنَّمَا يكون لليُسرَى، فكيف جاء للعُسرى؟ فالجوابُ: أَنَّهُ مثلُ قولِه: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيِمٍ} [آل عمران:21] أي أنَّ ذلك لهم يقومُ مقامَ البِشارةِ. وقال الفرَّاءُ: إذا اجتمعَ خيرٌ وشرٌّ فوقعَ للخيرِ تيسيرٌ جاز أَنْ يقع للشَّرِّ مِثْلُه.