الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: ما كنت أرى أن أحدًا يفعل هذا غير اليهود

          3488- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا آدَمُ) أي: ابنُ أبي إياسٍ، قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي: ابنُ الحجَّاجِ، قال: (حَدَّثَنَا عَمْرُو) بفتحِ العين (ابْنُ مُرَّةَ) بضم الميم وتشديد الرَّاء فتاء تأنيث، قال: (سَمِعْتُ سَعِيدَ) بوزن: أميرٍ (ابْنَ الْمُسَيَّبِ) بتشديد التحتيَّةِ (قَالَ قَدِمَ) بكسرِ الدالِ (مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ☻) وأبو سفيانَ هو: صخرُ بنُ حربٍ الأمويُّ (الْمَدِينَةَ) أي: مدينةَ رسولِ اللهِ صلعم؛ لأنَّها علَمٌ بالغلَبةِ عليها (آخِرَ) بمدِّ الهمزةِ وكسرِ الخاءِ، ظرفٌ لـ((قدِمَ)) المتأخِّر (قَدْمَةٍ) بفتحِ القافِ وسكونِ الدالِ المهملةِ (قَدِمَهَا) بكسرِ الدالِ، والجملةُ صفةُ: ((قَدْمةٍ)) وكانت سنةَ إحدى وخمسين حينَ أراد معاويةُ زيارةَ رسولِ الله صلعم والحجَّ إلى بيتِ اللهِ الحرامِ (فَخَطَبَنَا) بفتحِاتٍ؛ أي: معاويةُ (فَأَخْرَجَ) أي: في أثناءِ الخُطبةِ (كُبَّةً) بضمِّ الكافِ وتشديدِ الموحَّدة فتاء تأنيث، وقال فيما مضى: ((قَصَّةً)) (مِنْ شَعَرٍ) بفتحِ العين وسكونها، لكن يُجمَعُ الأولُ على: أشعارٍ، كسبَبٍ وأسبابٍ، والثاني على: شُعُورٍ؛ كفَلْس وفُلُوسٍ، قاله في ((المصباح)).
          قال ابنُ الأثير: الكُبَّةُ: الجماعةُ من الناسِ وغيرِهم، وقال في ((المصباح)): الكُبَّةُ من الغَزلِ، والجمعُ: كُبَبٌ، مثلُ: غُرفةٍ وغُرفٍ، وكبَبْتُ الغَزْلَ _من باب: قتلَ_: جعلتُهُ كُبَّةً، والكَبَّةُ _بالفتح_: الجماعةُ من الناس.
          (فَقَالَ) أي: معاويةُ (مَا كُنْتُ أُرَى) بضم الهمزةِ ويجوز فتحُها؛ أي: أظنُّ (أَنَّ أَحَداً يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ الْيَهُودِ) بنصبِ: ((غيرَ)) نعتِ: ((أحداً))، ولو رُفعَ على أن يكونَ تابعاً لعاملِ: ((يفعَلُ)) لم يمتنِعْ، فافهم.
          (وَإِنَّ) بكسرِ الهمزةِ، والجملةُ حاليةٌ مقترنةٌ بالواو للأكثرِ، وسقطت لأبي ذرٍّ (النَّبِيَّ صلعم سَمَّاهُ الزُّورَ) بضمِّ الزاي (يَعْنِي: الْوِصَالَ) بكسرِ الواو؛ أي: الوصلَ (فِي الشَّعَرِ) سمَّى النَّبيُّ وصلَ الشعرِ زُوراً _بضم الزاي_؛ أي: كذِباً وتزيُّفاً في الباطلِ، فلا شكَّ أنَّ وصلَ الشعرِ من ذلك، قالَه في ((المنحةِ)).
          ووصلُ الشعرِ منهيٌّ عنه، سواءٌ كان بشعرٍ أو غيرِه، لكن المتبادَرُ منه بالشعرِ، وهو الذي تفعلُه النساءُ ليوهِمْنَ أنَّ شعرَهنَّ طويلٌ أو كثيرٌ.
          وسبقَ هذا الحديثُ في هذا البابِ من وجهٍ آخرَ.
          (تَابَعَهُ) أي: تابعَ آدمَ (غُنْدَرٌ) بضمِّ الغينِ المعجمةِ وفتحِ الدَّال المهملةِ بينهمَا نون ساكنةٌ، لقبُ محمد بنِ جعفرٍ راوي هذا الحديثِ (عَنْ شُعْبَةَ) أي: ابنِ الحجَّاجِ، وقد وصَلَ هذه المتابعةَ مسلمٌ والنسائيُّ من طريقِه، وأخرجَه / أحمدُ وابنُ أبي شيبةَ عن غُندَرٍ أيضاً، وزاد مسلمٌ: ((وجاءَ رجلٌ بعَصًا على رأسِها خِرقةٌ، قال معاويةُ: ألَا وهذا الزُّورُ، قال قَتادةُ: يعني ما تكثِّرُ النِّساءُ به أشعارَهنَّ من الخِرَقِ)).
          وهذا آخرُ كتابِ أحاديثِ الأنبياءِ عليهم الصلاةُ والسلامُ، ومنه بابُ ما ذُكرَ عن بني إسرائيلَ، وقد اشتمَلَ _كما في ((الفتح))_ على مِائتَي حديثٍ وتسعةٍ، المكرَّرُ منها فيه وفيما مضى مِائةٌ وسبعةٌ وعشرون حديثاً، والخالصُ اثنان وثمانون، والمعلَّقُ منها ثلاثون، وباقيها موصولٌ، وقد وافقَه على تخريجِها مسلمٌ سِوى حديثِ عائشةَ: ((الأرواحُ جنودٌ مجنَّدةٌ))، وحديثِ: ((قال رجلٌ: رأيتُ السدَّ))، وهذان معلَّقانِ، وحديثِ أبي هريرةِ بلقاءِ إبراهيمَ أباه، وحديثِ ابنِ عبَّاسٍ في قصةِ زمزَمَ وبناءِ البيتِ بطُولِه، وحديثِه في تعويذِ الحسَنِ والحسينِ، وحديثِ سَبْرةَ بنِ معبَدٍ، وحديثِ أبي الشُّموسِ، وحديثِ أبي ذرٍّ، وهذه الثلاثةُ معلَّقاتٌ، وحديثِ أمُّ رُومانَ في قصَّةِ الإفكِ، وحديثِ أبي هريرةَ: ((إنَّما سُميَ الخضِرُ))، وحديثِ ابنِ مسعودَ في يونُسَ، وحديثِ أبي هريرةَ: ((خُففَ على داودَ القرآنُ))، وحديثِ عمرَ: ((لا تُطرُوني))، وحديثِ عائشةَ في كراهيةِ الاتِّكاءِ على الخاصِرةِ، وحديثِ عبدِ الله بنِ عَمرٍو: ((بلِّغُوا عني))، وحديثِ أبي هريرةَ: ((إنَّ اليهودَ لا يصبِغُون))، وحديثِ عائشةَ في الطَّاعونِ، وحديثِ أبي مسعودٍ في الحياءِ.
          قال: وفيه من الآثارِ عن الصَّحابةِ فمَن بعدَهم ستةٌ وثمانون أثراً، انتهى.