الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث حذيفة: إن رجلًا حضره الموت لما أيس من الحياة

          3479- بالسند قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) بتشديدِ الدَّال الأولى المفتوحةِ؛ أي: ابنُ مسَرهدٍ، قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) بفتحِ العينِ المهملةِ؛ أي: الوضَّاحُ اليشكُريُّ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ) بكسرِ اللاَّم (ابْنِ عُمَيْرٍ) مصغَّراً؛ أي: اللَّخميِّ، ويقالُ له: الفَرَسيُّ _بفتحِ الفاءِ والرَّاء وبالسِّين المهملة_، نسبةً إلى فَرَسٍ له سابقٍ.
          (عَنْ رِبْعِيِّ) بكسرِ الرَّاء وسكون الموحَّدة (ابْنِ حِرَاشٍ) بكسرِ الحاءِ المهملةِ وتخفيفِ الرَّاء فألف فشين معجمةٌ (قَالَ) أي: رِبعيٌّ (قَالَ عُقْبَةُ) بالقافِ؛ أي: ابنُ عَمرٍو، أبو مسعودٍ الأنصاريُّ البدريُّ الصَّحابيُّ، وليس هو عقبةَ بنَ عبدِ الغافرِ المارِّ، كما قد يُتوهَّمُ (لِحُذَيْفَةَ) أي: ابنِ اليمَانِ ☻ (أَلَا) للعرضِ والتَّحضِيض،ِ وهو _بفتحِ الهمزةِ وتخفيفِ اللام_ (تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ صلعم قَالَ) أي: حذيفةُ لعقبةَ (سَمِعْتُهُ) / أي: النبيَّ صلعم (يَقُولُ: إِنَّ رَجُلاً) لم يُسمَّ، لكنَّه من بني إسرائيلَ، كان نبَّاشاً للقبورِ لَيسرِقُ الأكفَانَ (حَضَرَهُ الْمَوْتُ) أي: أسبَابُه القريبةُ؛ لقولهِ: (لَمَّا) بتشديدِ الميمِ (أَيِسَ) بفتحِ الهمزةِ وكسرِ التَّحتيَّة، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: <يئسَ> بتقديمِ التَّحتيَّة المفتوحةش على الهمزةِ المكسورةِ (مِنَ الْحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ) ولأبي ذرٍّ في ((اليونينيَّة)) وفرعِهَا: <إلى أهلِهِ> (إِذَا مُتُّ) ولأبي ذرٍّ: <ماتَ> (فَاجْمَعُوا) بهمزةِ الوصلِ، ولأبي ذرٍّ عن الحمويِّ والمستمليِّ: <فاجعلُوا> (لِي حَطَباً كَثِيراً) بالمثلَّثة (ثُمَّ أَوْرُوا) بفتحِ الهمزةِ وسكونِ الواو؛ أي: اقدَحُوا وأشعِلُوا (نَاراً) أي: واطرحُوني فيها (حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ) بسكونِ الفوقيَّة (لَحْمِي، وَخَلَصَتْ) أي: وصلَتْ (إلى عَظْمِي) أي: وأحرقَتْه (فَخُذُوهَا) بالتَّأنيثِ؛ أي: عظَامِي المحروقةَ (فَاطْحَنُوهَا، فَذَرُّونِي) بفتحِ الذَّال المعجمةِ وتشديد الرَّاء في الفرعِ وأصلِهِ وغيرها، وضبطَه في ((الفتح)) بضمِّ المعجمَةِ؛ أي: ففرِّقُوني، وفي بعضِ الأصُولِ: <فاذرُوني> بهمزةِ وصْلٍ.
          (فِي الْيَمِّ) بتشديدِ الميمِ؛ أي: في البحرِ (فِي يَوْمٍ حَارٍّ أَوْ رَاحٍ) بالشكِّ من الرَّاوي؛ أي: كثيرِ الريحِ، وقوله: ((حارٍّ)) بالحاءِ المهملةِ وتشديدِ الرَّاء في الفرعِ، وقال في ((الفتح)): بتخفيفِ الرَّاء، انتهى. وهو بمعنَى المشدَّدِ، كما سيأتي.
          وقال القسطلانيُّ: وللمستمليِّ والحمويِّ: <في يومٍ حازٍّ> بالحاءِ والزاي؛ أي: بحرِّه وبردِه، وقال البرمَاويُّ كالزركشيِّ: بالزاي المشدَّدة؛ أي: يحزُّ بحرِّه أو بردِه، كذا للمِروَزيِّ والأَصيليِّ وأبي ذرٍّ، وعند أبي الهيثمِ: <حارٍ> بالرَّاء، وأشار بعضُهم إلى تفسيرِه بالمشدَّد؛ أي: لشدَّة ريحِهِ، قال: وفي بعضِ الرواياتِ: <حانٍّ> بالنونِ المشدَّدة في آخرِه؛ أي: حانٍّ ريحُه، قال ابنُ فارسٍ: الحنونُ: رِيحٌ تحِنُّ كحنينِ الإبلِ، انتهى.
          (فَجَمَعَهُ اللَّهُ) في هذا اختصَارٌ يدلُّ عليه غيرُه، وكذا السِّياقُ؛ أي: فلمَّا ماتَ فعلُوا به ذلك (فَقَالَ) أي: اللهُ (لِمَ فَعَلْتَ) بفتحِ الفوقيَّة؛ أي: هذه الوصيَّةَ (قَالَ: خَشْيَتُكَ) قال الكرمانيُّ: ((خشيَتُك)) مبتدأٌ محذوفُ الخبرِ، أو بالعكسِ، وفي بعضِهَا: بالنَّصبِ بنزعِ الخافضِ، وزادَ البرماويُّ: وفي بعضِها: بلفظِ الفعلِ، وفي بعضِها: بالكسرِ، قال الزَّركشيُّ: وكأنَّه بتقديرِ: ((مِن)) كما ثبتَ في روايةٍ، انتهى. وهي روايةُ الكشميهنيِّ.
          (فَغُفِرَ لَهُ) ببناء: ((غُفرَ)) للمفعولِ، وفي بعضِ الأصُولِ: <فغَفرَ له> بالبناء للفاعلِ (قَالَ عُقْبَةُ) بسكونِ القافِ؛ أي: ابنُ عَمرٍو البدريُّ (وَأَنَا سَمِعْتُهُ) أي: النَّبيَّ صلعم (يَقُولُ) أي: مثلَ ما قال حذيفةُ، وقال القسطلانيُّ كالكرمانيِّ: ((وأنا سمعتُه)) أي: حذيفةَ، ((يقولُ)) أي: ما قالَ رسولُ الله صلعم، انتهى. ولعلَّ ما قلناه أَولى، وعليه يدلُّ كلامُ العينيِّ، فتأمل.
          وبالسند قال:
          (حَدَّثَنَا مُوسَى) أي: ابنُ إسماعيلَ التَّبوذَكيُّ، ولأبي ذرٍّ عن الكشميهنيِّ: <حدثَنا مسدَّدٌ> بدلَ: ((موسى)) قال الحافظُ أبو ذَرٍّ: هو موسَى لموافقتِهِ للأكثرِ، وبذلك جزمَ أبو نُعيمٍ في ((مستخرَجِه))، قال: وهو الظاهرُ؛ لأنَّ المصنِّفَ ساقَ الحديثَ عن مسدَّدٍ، ولم يبيِّنْ أنَّ موسى خالفَه إلا في لفظةٍ فيه، وهي قولُه: ((في يومٍ راحٍ)).
          قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) أي: الوضَّاحُ، قالَ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ) أي: ابنُ عُميرٍ (وَقَالَ) أي: عبدُ الملكِ (فِي يَوْمٍ رَاحٍ) أي: بدلَ قولِه في روايةِ مسدَّدٍ السَّابقةِ: ((في يومٍ حارٍّ))، وسقطَ: <حدثنا موسى...> إلخ، لغيرِ الحمويِّ.