الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: بينا امرأة ترضع ابنها إذ مر بها راكب وهي ترضعه

          3466- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ) أي: الحكَمُ بنُ نافعٍ، قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) أي: ابنُ أبي حمزةَ، قال: (حدثنا أَبُو الزِّنَادِ) بكسر الزاي وتخفيف النون؛ أي: عبدُ الله بنُ ذَكوانَ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أي: ابنِ هُرمزَ الشهيرِ بالأعرجِ، ووقعَ في بعضِ الأصولِ بدلَه: <عن الأعرجِ> (حَدَّثَهُ أنَّه سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ☺ أنَّه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلعم يَقُولُ: بَيْنَمَا) بميمٍ في كثيرٍ من الأصولِ، وقال القسطلانيُّ: بغيرِ ميمٍ (امْرَأَةٌ) لم تُسَمَّ، وهي مبتدأٌ، وجملةُ: (تُرْضِعُ ابْنَهَا) خبرُه، و((تُرْضِعُ)) بضم الفوقية وسكون الراء، ويجوزُ فتحُها وتشديد الضَّاد المعجمة (إِذْ مَرَّ بِهَا) بالمرأةِ (رَاكِبٌ) زاد في بابِ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم:16]: ذو شارةٍ لكنه لم يُسمَّ.
          وجملةُ: (وَهْيَ تُرْضِعُهُ) حاليةٌ (فَقَالَتِ) أي: المرضِعةُ ابنَها (اللَّهُمَّ لاَ تُمِتِ) بضم الفوقية أوله وسكون الثانية (ابْنِي حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ هَذَا) أي: الراكبِ في حُسنِ الهيئةِ أو في كبَرِ السنِّ (فَقَالَ) أي: ابنُها (اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ) أي: مثلَ هذا الراكبِ (ثُمَّ رَجَعَ) أي: الطفلُ (فِي الثَّدْيِ) أي: يرضِعُه.
          (وَمُرَّ) بتشديد الراء، مبنيٌّ للمفعولِ (بِامْرَأَةٍ) لم تُسمَّ (تُجَرَّرُ) بتشديد الراء الأولى، مبنيٌّ للمجهولِ؛ أي: تُسحبُ، وفي بعضِ النُّسخِ: <تُجرُّ> براء واحدة مشددة، وعلى الروايتَين فهو مبنيٌّ للمجهولِ (وَيُلْعَبُ بِهَا) بسكون اللام، مبنيٌّ للمفعولِ، ولعله من عطفِ التفسيرِ، زاد أحمدُ من روايةِ وهبِ بنِ جَريرٍ: ((وتُضربُ)) (فَقَالَتِ) أي: أمُّ الطفلِ التي مُرَّ بها، وهي السابقةُ، وسقطَ: <فقالت...> إلخ، لأبي ذرٍّ.
          (اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا) أي: مثلَ المرأةِ التي تُجرَّرُ، و((لا)) دعائيةٌ فيه وفي سابقَيه (فَقَالَ) أي: الطفلُ (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا) زاد في بابِ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم:16]: ((فقالت: لِمَ ذلك؟)) (فَقَالَ) أي: الطفلُ (أَمَّا الرَّاكِبُ فَإنَّه كَافِرٌ) وقال في البابِ السابقِ: ((الراكبُ جبَّارٌ من الجبابِرةِ)) (وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإنَّهمْ) أي: الناسَ (يَقُولُونَ لَهَا تَزْنِي) مضارعُ الغائبةِ، واللامُ بمعنى: عن، وإلَّا لَقيلَ: تزنينَ _بإثبات نون الرَّفع في الآخر_، إلَّا أن يُجعلَ على لغةِ مَن يحذِفُ نونَ الأفعالِ الخمسةِ لغيرِ ناصبٍ ولا جازمٍ، فتأمل.
          وقد يدلُّ لهذا قولُه في البابِ السَّابقِ: ((زنَيتِ)) بالخطابِ، ثم رأيتُ الدمامينيَّ قال في ((المصابيح)): يحتمِلُ أن تكونَ اللامُ فيه بمعنى: عن، كما قال ابنُ الحاجبِ في قولِه تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف:11]، ويحتمِلُ أن تُجعلَ لامُ التبليغِ كما قيلَ به في الآيةِ ردًّا على ابنِ الحاجبِ، والتفتَ عن الخطابِ إلى الغَيبةِ فقال: {سَبَقُونَا}، وكذا في الحديثِ التفتَ عن الخطابِ، فلم يقُلْ: تزنِينَ، بل قال: ((تزني)) بالغَيبةِ؛ أي: هي تزني، انتهى، فالحمدُ لله على الموافقةِ.
          (وَتَقُولُ: حَسْبِيَ اللَّهُ، وَيَقُولُونَ: تَسْرِقُ) يجري فيه نظيرُ ما مرَّ في: ((تزني))، فافهم.
          (وَتَقُولُ حَسْبِيَ اللَّهُ) وقال في البابِ السابقِ: ((يقولون: سَرَقَت، زنيَتْ، ولم تفعَلْ))، وقولُه هنا: ((حسبيَ اللهُ)) مبتدأٌ وخبرٌ على الترتيبِ، أو على التقديمِ والتأخيرِ، فافهم.
          ومطابقةُ الحديثِ للترجمةِ من حيثُ أنَّ هذا كان في بني إسرائيلَ.