الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: أن رجلًا كان قبلكم رغسه الله مالًا فقال لبنيه لما حضر

          3478- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا أبو الْوَلِيدِ) مكبراً، وهو: هشامُ بنُ عبدِ الملكِ، قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) بفتحِ العينِ المهملةِ والواو الخفيفة، وهو: الوضَّاحُ اليشكُريُّ (عَنْ قَتَادَةَ) أي: ابنِ دِعامةَ (عَنْ عُقْبَةَ) بسكون القاف (ابْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ) بكسرِ الفاء، كنيتُه: أبو نهارٍ، ضدُّ: ليلٍ، الأزْديُّ الكوفيُّ، وقال في ((الفتح)): بصريٌّ، فليُتأمَّلْ. ليس له في البخاريِّ إلَّا هذا الحديثُ، وحديثٌ آخرُ سبقَ في الوكالةِ.
          (عَنْ أبي سَعِيدٍ) أي: الخُدريِّ (☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم أَنَّ رَجُلاً) لم يُسمَّ (كَانَ قَبْلَكُمْ) أي: في بني إسرائيلَ، وبه تحصُلُ المطابقةُ (رَغَسَهُ اللَّهُ مَالاً) ((رغَسَه)) بفتحِ الرَّاء والغينِ المعجمةِ والسِّين المهملة _من باب: متَعَ_؛ أي: أعطاهُ مالاً ونمَّاه، وقيل: أكثَرَ له وباركَ فيه، من: الرَّغْسِ _بسكون الغين وتفتح_: النعمةِ، والجمعُ: الأرغاسُ، والخيرُ والبركةُ والنماءُ، ورجلٌ مرغُوسٌ: كثيرُ المالِ، وأرغَسَه اللهُ مالاً: أكثرَ له وباركَ فيه، وقيل: رَغْسُ كلِّ شيءٍ: أصلُه، فكأنَّه جعلَ له أصلاً من المالِ، وفي روايةٍ لمسلمٍ: ((راشَه)) بألف قبل الشين المعجمة، من: الرِّيشِ والرِّياشِ؛ وهو: المالُ.
          قال البرماويُّ: / ويقعُ في البخاريِّ: ((راسَه)) بسين مهملة، قال الخطَّابيُّ: وهو غلَطٌ، فإن كان محفوظاً فهو _بالشين المعجمة_، انتهى. وتبِعَ ابنُ التِّينِ الخطَّابيَّ.
          وقال في ((الفتح)): ويحتمِلُ في توجيهِ روايةِ مسلمٍ أن يُقالَ: معنى: ((راسَه)): جعلَه رأساً، فيكونُ رأَّسَه _بتشديد الهمزة_، وقولُه: ((مالاً)) أي: بسببِ المالِ، انتهى، فاعرفه.
          (فَقَالَ) أي: الرجلُ المرغوسُ (لِبَنِيهِ) أي: لأولادِهِ (لَمَّا) بتشديدِ الميمِ (حُضِرَ) بالحاءِ المهملةِ والضَّاد المعجمةِ الخفيفةِ، مبنيٌّ للمفعولِ؛ أي: حضرَه الموتُ (أيُّ أَبٍ) بتشديدِ: ((أيُّ)) الاستفهاميَّةِ مبتدأً، وجملةُ: (كُنْتُ لَكُمْ) خبرُها (قَالُوا) أي: بنُوه (خَيْرَ أَبٍ) بنصبِ: ((خيرَ)) خبرِ: ((كنتَ)) محذوفةٍ هي واسمُها (قَالَ) أي: لبنيهِ (فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ) بفتحِ الميم (خَيْراً قَطُّ) بالقافِ والطاء؛ أي: فيما مضى من عمُري (فَإِذَا مُتُّ) بضم الميم وكسرها وتشديد الفوقيَّة (فَأَحْرِقُونِي) بقطع الهمزة ويجوزُ وصلُها، ففي ((القاموس)): حرقَه بالنار يحرِقُه، وأحرقَه وحرَّقَه بمعنًى.
          (ثُمَّ اسْحَقُونِي) بوصلِ الهمزةِ (ثُمَّ ذَرُّونِي) بفتحِ الذالِ المعجمةِ وتشديد الرَّاء، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: <ثم اذرُوني> بهمزةِ وصلٍ وسكونِ الذالِ المعجمةِ، وقال في ((الفتح)): <ثم ذَرُوني> بفتحِ أوَّله والتخفيف؛ أي: اتركوني، قال: وفي روايةِ الكُشميهنيِّ: <ثمَّ أذرُوني> بهمزة أوَّله مفتوحة من قولِه: أذرَتِ الريحُ الشَّيءَ: إذا فرَّقَته بهبوبِها وطيَّرَتْه، انتهى ملخصاً.
          (فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ) أي: شديدِ الرِّيحِ (فَفَعَلُوا) فيه حذفٌ؛ أي: فمات، ففعلُوا به ما أوصَاهُم به (فَجَمَعَهُ) بتخفيفِ الميمِ (اللَّهُ ╡) في حديثِ سلمانٍ الفارسيِّ عند أبي عَوانةَ: ((فقالَ اللهُ له: كُنْ، فكانَ في أسرعِ من طرْفِ العينِ)) (فَقَالَ) أي: اللهُ تعالى له (مَا حَمَلَكَ) بتخفيف الميم، زاد في الروايةِ الآتيةِ: ((على ما صنعتَ)) (قَالَ) ولأبوي ذرٍّ والوقتِ: <فقال> (مَخَافَتُكَ) بالرفع، فاعلُ: حملني مقدَّراً، فهو مصدرٌ ميميٌّ؛ أي: خوفُك (فَتَلَقَّاهُ) بتشديد القاف؛ أي: اللهُ تعالى (بِرَحْمَتِهِ) بباء التعدية، ولأبي ذرٍّ عن الكشميهنيِّ: <فتلافاه> بألف بعدَ اللامِ وبالفَاء بدل القافِ <رحمتَه> بالنصبِ على المفعوليةِ، كذا في القسطلانيِّ، ولعلَّه أرادَ النصبَ بإسقاطِ الموحَّدةِ، وإلا فحقُّه الرفعُ على الفاعليةِ، وقد يشيرُ إليه قولُ السَّفاقسيِّ: <فتلفَّاه> بالفاءِ، ولا أعلمُ له وجهاً إلا أن يكونَ أصلُه: فتلفَّفَه رحمتُه؛ أي: غشيَتْه، فاجتمعَ ثلاثُ فاءاتٍ، فأُبدلتِ الأخيرةُ ألفاً، كقوله تعالى: {دَسَّاهَا} [الشمس:10]، انتهى.
          واعترضه في ((الفتح)) فقال: ولا يخفى تكلُّفُه، قال: والذي يظهرُ أنَّه من الثلاثيِّ، والقولُ فيه كالقولِ في التلقِّي، انتهى، فتأمله.
          ░3478 م▒ (وَقَالَ مُعَاذٌ) بالذالِ المعجمة؛ أي: العنبَريُّ ممَّا وصلَهُ مسلمٌ عن عبيدِ اللهِ بنِ معاذٍ عن أبيهِ (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي: ابنُ الحجَّاجِ (عَنْ قَتَادَةَ) أي: ابنِ دِعامةَ (سَمِعْتُ) ولأبي ذرٍّ: <سمِعَ> (عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ) أي: المارَّ آنفاً (سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم) أي: نحوَه، كما في نسخةٍ، وأفادَ المصنِّفُ بإيرادِ هذه الطريقةِ المعلَّقةِ سماعَ قتادةَ من عقبةَ، وأنَّ عنعَنةَ المصنِّفِ مأمُونةُ التَّدليسِ.