الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش

          3467- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ) بوزن: أميرٍ (ابْنُ تَلِيدٍ) بفتح الفوقية وكسر اللام فتحتية فدال مهملة، معروفٌ، وهو: جدُّ / سعيدٍ؛ إذ هو ابنُ عيسى المصريُّ، قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ) بسكون الهاء، هو: عبدُ الله المصريُّ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد، (جَريرٌ) بفتح الجيم (ابْنُ حَازِمٍ) بحاء مهملة وزاي؛ أي: البصريُّ (عَنْ أَيُّوبَ) أي: السختِيانيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ) بكسر السين المهملة، اسمُ أبيه الأنصاريِّ موالاةً، واسمُ أمِّه: صفيَّةُ، مولاةٌ لأبي بكرٍ الصدِّيقِ ☺ (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ ☺ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ) وفي أكثرِ الأصولِ: <النبيُّ> (صلعم: بَيْنَمَا) بالميم (كَلْبٌ يُطِيفُ) بضم التحتية أوله وكسر الطاء المهملة فتحتية ساكنة، من: أطافَ المزيدِ، ولو كان من: طافَ المجرَّدِ لَقيلَ: يطوفُ _بالواو_.
          قال في ((الفتح)): يقالُ: أطَفتُ بالشَّيءِ: إذا أدمْتَ المرورَ حولَه، انتهى.
          وفيه أنَّه لا يُشترطُ في الطَّوافِ الإدامةُ.
          قال في ((القاموس)): طافَ حولَ الكعبةِ وبها طَوفاً وطَوافاً وطَوَفاناً.
          وقال في ((العمدة)): وأطافَ يُطيفُ، بمعنى: طافَ يطوفُ طَوْفاً؛ وهو: الدورانُ حولَ الشيءِ، انتهى.
          ورأيتُه في بعضِ الأصولِ مضبوطاً بفتح الياء على أنَّه من: أطافَ به: ألَمَّ، ففي ((المصباح)): طافَ الخيالُ طَيفاً _من باب: باع_: ألَمَّ وأتى.
          وقال ابنُ فارسٍ في بابِ الواوِ: الطَّيفُ والطَّائفُ: ما أَطافَ بالإنسانِ من الجنِّ والإنسِ والخيالِ، وقال في باب الياء: الطَّيفُ تقدَّمَ، فالطَّيفُ: أصلُه الواوُ، فقُلبت ياءً تخفيفاً، أو الياءُ لغةٌ فيه، انتهى ملخَّصاً، فتأمل.
          (بِرَكِيَّةٍ) بفتحِ الراء وكسرِ الكافِ وتشديدِ التحتيَّة فتاء تأنيثٍ، وهي: البئرُ مطويَّةً أو لا، وقيل: الرَّكيَّةُ خاصَّةٌ بغيرِ المطويَّةِ، فإذا طُوِيَتْ فهي الطَّوِيُّ، ولا يقالُ لها: بئرٌ حتى تُطوى، وغيرُ المطويَّةِ يقالُ لها: جُبٌّ وقَليبٌ، فاعرِفْه.
          وجملةُ: (كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ) صفةٌ ثانيةٌ لـ((كلبٌ))، أو حالٌ منه، أو مستأنَفةٌ، فـ((كاد)) من أفعالِ المقاربةِ، فـ((العطشُ)) اسمُها مؤخَّرٌ، وجملةُ: ((يقتُلُه)) خبرُها مقدَّمٌ، ويجوزُ جعلُ اسمِها ضميرَ الشأنِ، و((العطَشُ)) فاعلُ: ((يقتُلُه))، أو اسمُها: ضميرُ: ((العطَشُ))، وعليهما فجملةُ: ((يقتُلُه)) خبرُها، فافهم.
          وجملةُ: (إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ) جوابُ: ((بينما))، و((بغِيٌّ)) بفتح الموحَّدة وكسرِ الغين المعجمةِ وتشديدِ التحتيَّة، وأصلُها: بَغُوْيٌ؛ كضَرُوبٍ، فقُلبتِ الواو ياءً، وأُدغمتِ الياءُ في الياءِ على القاعدةِ في مثلِهِ، وهي: الزانيةُ، وتطلَقُ على الأمَةِ مطلقاً، ويستوي فيها المذكَّرُ والمؤنَّثُ؛ كقولِه تعالى: {وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً} [مريم:20].
          (مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) بفتح الموحَّدة، جمعُ: بَغِيٍّ (فَنَزَعَتْ) بفتحات (مُوقَهَا) بضم الميم وسكون الواو وبالقاف؛ أي: خُفَّها، وبه فسَّرَه في ((الفتح))، واعترضَه العينيُّ فقال: قلتُ: لا، بل الموقُ هو الذي يُلبَسُ فوق الخُفِّ، ويقالُ له: الجُرموقُ، انتهى.
          وأقول: اعتمدَ على قولِ الجوهريِّ: هو _أي: الجرموق_ ما يُلبسُ فوق الخُفِّ، فارسيٌّ معرَّبٌ، لكن قال في ((المصباح)): المُوقُ: الخفُّ، معرَّبٌ، والجمعُ: أمواقٌ، مثلُ: قُفلٍ وأقْفالٍ، ومُؤْقُ العينِ _بهمزة ساكنة ويجوز تخفيفها_: مقدَّمُها، والماقُ: لغةٌ فيه، وقيل: المؤقُ: مؤخَّرُ العينِ، والماقُ _بالألف_: مقدَّمُها.
          وقال الأزهريُّ: أجمعَ أهلُ اللُّغةِ أنَّ المُوقَ والماقَ حرفُ العينِ الذي يلي الأنفَ، وأنَّ الذي يَلي الصُّدغَ يقالُ له: اللُّحاظُ، والمآقي لغةٌ فيه، قال ابنُ القطَّاعِ: ماءٌ في العينِ، فَعْلي، وقد غلَطَ فيه جماعةٌ من العلماءِ، فقالوا: هو مَفعَلٌ، وليس كذلك، بل الياءُ في آخرِه للإلحاقِ.
          قال الجوهريُّ: وليس بمَفعلٍ؛ لأنَّ الميمَ أصليَّةٌ زيدَتْ في آخرِه للإلحاقِ، ولمَّا كان: فِعلى _بالكسر_ نادراً لا أختَ له أُلحِقَ بمَفعلٍ، ولهذا جُمعَ على مآقٍ على التوهُّمِ، وجمعُ المُوقِ: أمْآقٌ _بسكون الميم_، ويجوزُ / القلبُ فيُقالُ: آمَاقٌ، مثلُ: أبْآرٍ وآبَارٍ، انتهى.
          (فَسَقَتْهُ) أي: الكلبَ، وفيه حذفٌ؛ أي: فملأَتْ مُوقَها من البئرِ، فسقَتْه (فَغُفِرَ لَهَا) ببناءِ: ((غُفرَ)) للمجهول (بِهِ) أي: بسَقيِ الكلبِ، وسقطَ لفظُ: ((به)) للحمويِّ والمستمليِّ.
          وتقدَّمَ الكلامُ على هذا الحديثِ في كتابِ الشُّربِ، وكذا في الطهارةِ، ومرَّ فيهما أنَّ الذي سقاه في خُفِّهِ رجلٌ، فيحتمِلُ تعدُّدَ القضيةِ.
          ومطابقتُه للترجمة ظاهرةٌ، وفيه أنَّ في سَقيِ كلِّ حيوانٍ أجراً، لكن بشرطِ أن لا يكونَ مأموراً بقتلِه؛ كالحيَّةِ والكلبِ العقورِ.