الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: {وإن إلياس لمن المرسلين. إذ قال لقومه ألا تتقون}

          ░4▒ (باب) بالتَّنوين ({وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات:123]) هذِه الآياتُ العشرةُ تتعلَّقُ بإلياسَ عليه الصَّلاة والسَّلام.
          قال في ((الفتح)): سقطَ لفظُ: <باب> في روايةِ أبي ذرٍّ، قال: وكأنَّ المصنِّفَ ترجَّحَ عنده كونُ إدريسَ ليسَ من أجدادِ نوحٍ فلهذا ذكرهُ بعدهُ، انتهى.
          قال البيضاويُّ: هو إلياسُ بن ياسين سِبْطُ هارونَ أخي موسى عليهم الصَّلاة والسَّلام بُعِثَ بعدَهُ، وقيل: إدريس؛ لأنَّهُ قرئ: ▬وإن إدريس↨ ▬وإدراس↨ مكانَهُ، وفي حرف أُبيٍّ ▬وإن إلياسين↨ انتهى.
          وإلياس: بالهمزةِ المكسُورةِ قطعاً ووصلاً، وقال في ((الكشاف)): وقرئ على: ▬إلياسين↨ ▬وإدريسين↨ ▬وأدراسين↨ ▬وأدرسين↨ على أنَّها لغاتٌ في ((إلياس)) و((إدريس)) قال: ولعلَّ لزيادةِ الياء والنونِ في السِّريانيَّةِ معنًى، وقرئ على: ▬إلياسين↨ بالوَصلِ على أنَّهُ جمعٌ يرادُ به: إلياسَ وقومَهُ، بخلافهِ مع قطعِ الهمزةِ فإنَّهُ ليس بجمعٍ، وإلا لعرِّفَ بالألف واللام، قال: وأمَّا مَن قرأَ على: {إل ياسين} فعلى أنَّ ياسين أبِي إلياسَ، أضيفَ إليه ((إل)) انتهى فاعرفهُ.
          ويأتي الكلامُ آخرَ هذا البابِ على القَولِ بأنَّ إلياسَ هو إدريسُ بأبسطَ.
          وقال العينيُّ: إلياسُ بنُ يسبى بنِ فنحاصَ بن العيزارِ بنِ هارونَ بنِ عِمرانَ، قاله ابنُ إسحاقَ، وعن ابن عبَّاسٍ: إلياسُ بنُ ياسين بنِ العيزارِ بنِ هارونَ، وبه قال مقاتلٌ.
          قال: وحكى الثَّعلبيُّ عن ابن مسعُودٍ: أن إلياسَ هو إدريسُ كما أن يعقُوبَ هو إسرائيلُ، قال عكرمةُ: وكذا في مصحفِ ابنِ مسعودٍ: ▬وإن إدريس لمن المرسلين↨ وقيلَ: هو نبيٌّ من أنبياءِ بني إسرائيلَ.
          وعن ابنِ عبَّاسٍ: هو عمُّ اليسَع، وقال آخرونَ: بعثَهُ الله إلى بني إسرائيلَ بعد مهلِكِ حزقيل، وقال وهبُ بن منبِّه: إنَّ اللهَ لما قبضَ حزقيلَ، وعَظُمَ في بني إسرائيلَ الأحداثُ، ونَسُوا ما كان من عهدِ اللهِ إليهم حتى نصَبُوا الأوثانَ وعبَدُوها، فبعثَ اللهُ إليهم إلياسَ رسولاً، وكان إلياسُ مع مَلِكٍ من ملوكِ بني إسرائيل اسمهُ: أجاب وله امرأةٌ اسمها: إِزبيل، / وكان بنو إسرائيلَ قد اتَّخذُوا صنماً يقالُ له: بعل، وقال ابنُ إسحاقَ: سمعتُ بعضَ أهل العلمِ يقولُ: ما كان بعلٌ إلَّا امرأةٌ يعبدونها من دونِ الله تعالى فجعلَ إلياسُ يدعوهُم إلى الله تعالى وهم لا يسمعونَ منه شيئاً إلَّا ما كان من ذلك الملِكِ، ثم إنَّهُ قال يوماً لإلياسَ: واللهِ ما تدعو إليه إلَّا باطلاً، واللهِ ما أدري فلاناً وفلاناً _فعدَّدَ ملوكاً مثلَهُ من ملوكِ بني إسرائيلَ متفرِّقُون بالشَّام يُعبدون بها_ إلَّا على مثلَ ما نحن عليهِ يأكلونَ ويشربونَ ما ينقُصُ دنيَاهُم، فيزعمُونَ أنَّ إلياسَ استرجَعَ ثمَّ رفضَهُ وخرجَ عنه وفعلَ ذلك الملِكُ ما فعلَ أصحابُهُ من عبَادةِ الأوثانِ، فقال إلياسُ: اللهمَّ إنَّ بني إسرائيلَ قد أبَوا إلَّا الكفرَ فذكرَ أنَّهُ أوحيَ إليه أنَّا جعلنا أمرَ أرزاقِهِم بيدِكَ حتَّى تكون أنتَ الذي تأذَنُ لهم في ذلكَ، فقال إلياسُ: اللهمَّ أمسكْ عنهم المطرَ فحُبِسَ عنهم ثلاثَ سنين حتى هلكَتِ المواشِي والهوامُ والشَّجرُ، ولمَّا دعا عليهم استخفَى خوفاً على نفسِهِ منهم فكان: حيث ما كانَ يوضعُ له رزقٌ، وكانوا إذا وجَدُوا ريحَ الخبزِ في مكانٍ قالوا لقد دخلَهُ إلياس فيطلبونَهُ ويلقَى أهلُ ذلك المنزلِ منهم شرًّا، ثم إنَّ إلياسَ استأذنَ ربَّهُ في الدُّعاء لهم فأذِنَ له فجاءَهَم فقال: إن كنتُم تحبُّونَ أن تعرِفوا أنَّ ما أدعوكُم إليه هو الحقُّ وأنَّكم على باطلٍ، فأخرجُوا ما تعبدُون واجأَرُوا إليهم، فإن استجَابُوا لكم فالأمرُ كما تقولون، وإن لم يستجيبُوا لكم علمتُم أنَّكُم على باطلٍ، قالوا: أنصفتَ فخرجوا بأوثانِهِم فدعُوها فلم تَستجِبْ لهم فعرفُوا ما هُم عليهِ من الضَّلالَةِ، ثمَّ سألوا إلياسَ الدُّعاءَ فدعا ربَّهُ فمُطِرُوا لساعتِهِم فحسنَتْ بلادُهم ثمَّ لم يرجِعُوا، وأقامُوا على أخبثِ ما كانوا عليه، فدعا اللهَ أن يقبضَهُ فكساهُ الرِّيشَ وألبسَهُ النُّورَ، وقطعَ عنه لذَّةَ المطعمِ والمشرب فكان إنسيًّا ملكيًّا أرضيًّا سماويًّا يطيرُ مع الملائكةِ.
          قال: وذكر الحاكمُ عن أنسٍ مصحَّحاً: أنَّهُ اجتمعَ برسولِ اللهِ صلعم في بعضِ الأسفارِ لكن خالفَهُ ابنُ الجوزيِّ، انتهى.
          وأقول: ذكر البغويُّ القصَّةَ مطوَّلةً جدًّا، وذكرَ أن إلياسَ لمَّا رأى من قومِهِ ما رأى وأنَّهُ آيسٌ من إيمانهم دعا ربَّهُ ╡ أن يريحَهُ منهم، فقيلَ له _فيما يزعمونَ_ انظر يومَ كذا وكذا فاخرجْ فيه إلى موضعِ كذا، فما جاءَكَ من شيءٍ فاركبْهُ ولا تهبْهُ، فخرجَ إلياسُ ومعه اليسعُ حتى إذا كان بالموضعِ الذي أُمِرَ إليه أقبلَ فرسٌ من نارٍ، وقيل: لونُهُ كلَونِ النَّارِ حتى وقفَ بين يديهِ فوثبَ عليه إلياسُ فانطلقَ به الفرسُ فناداهُ اليسعُ: يا إلياسُ ما تأمرُنِي؟ فقذفَ إليه إلياسُ بكسائِهِ من الجوِّ الأعلى فكان ذلك علامةً على استخلافِهِ إيَّاهُ على بني إسرائيلَ فكان ذلك آخرَ العهدِ به، ورفعَ اللهُ إلياسَ من بين أظهرِهِم، وقطعَ عنه لذَّةَ المطعمِ والمشربِ وكساهُ الرِّيشَ، فكان إنسيًّا ملكيًّا أرضيًّا سماويًّا، وسلَّطَ اللهُ على أجبِّ الملِكِ وقومِهِ عدوًّا لهم فقصدَهُم من حيثُ لم يشعرُوا به فقتلَ أجبُّ وامرأتُهُ إزبيلَ في بستانٍ فلم تزل جيفتاهُمَا ملقاتين في ذلك البستانِ حتى بَلِيَتْ لحومُهُما ورَمَّتْ عظامُهُما ونبَّأ اللهُ اليسعَ وبعثَهُ إلى بني إسرائيلَ فآمنت به وعظَّمُوه وبقيَ حكمُ اللهِ قائمٌ فيهم إلى أن فارقَهُم اليسعُ، انتهى فاعرفهُ.
          وقال العينيُّ في ((تاريخه)) نقلاً / عن النُّويريِّ في ((تاريخه)): بعث اللهُ إلياسَ بن سباسبَا بن العيزارِ بن هارونَ إلى قومِهِ، والأصحُّ أنَّهُ من بني إسرائيلَ، وبين إلياسَ وإدريسَ زمانٌ طويلٌ.
          قال: وقال ابنُ إسحاقَ: بعثَ اللهُ بين موسى وعيسى عليهما السَّلام ألفَ نبيٍّ من بني إسرائيلَ سِوَى ما أَرسل من غيرِهِم، ولم يكن بينهم فترةٌ، وكلُّهُم يدعونَ إلى أحكامِ التَّوراةِ وبنو إسرائيلَ يومئذٍ متفرِّقُون في الشَّامِ وكانَ يوشعُ قسَّم الشامَ بينهم لما نزلَ سِبْطٌ منهم بأرضِ بعلَبَكْ ونواحيها وإلياسُ فيهم، وكان لهم ملِكٌ يقال له: بك، وله صنمٌ يقال له: بعلُ، طولُهُ عشرون ذراعاً وله أربعةُ أوجُهٍ في عيونِها اليواقيتُ، وكان الصَّنَمُ من ذهبٍ مرصَّعاً بالدرِّ والجواهِرِ، فنسبَ إليه فقيل: بعلَبَك، وقال ابنُ عبَّاسٍ: كان إلياسُ ابن عمِّ اليسع، وقيل: عمُّهُ، وقال العزيزيُّ: إلياسُ ابن عمِّ العيزارِ بن هارونَ.
          قال: وفي ((تاريخ ابن كثير)) كان إرسالُهُ إلى أهل بعلَبَك، وكان لهم صنمٌ يُسمَّى: بعل، وقيل: كانت امرأةٌ تسمَّى بعلبكَّ، والأوَّلُ أصحُّ إذ قالَ أي: إلياس لقومِهِ: {ألا تتقون} أي: اللهَ وتدَعُون عبادَتَكم غيرَهُ.
          ({أَتَدْعُونَ}) بسكونِ الدال؛ أي: أتعبدونَ ({بَعْلاً}) وقال البغويُّ: هو اسمُ صنمٍ لهم كانوا يعبدونَهُ، ولذلك سمِّيَتْ مدينتُهُم بعلَبَك.
          قال العينيُّ: كان بعلٌ من ذهبٍ طوله عشرونَ ذراعاً وله أربعةُ أوجهٍ فتنوا به وعظَّمُوه، وله أربعمائة سادِنٍ جعلوهم أنبياءَ، فكان إبليسُ يدخلُ جوفَهُ ويتكلَّمُ بشريعةِ الضَّلالةِ، والسدنةُ يحفظونَها ويعلِّمُونَها النَّاسَ.
          وقال البيضاويُّ: أتعبدونَهُ أو تطلبونَ الخيرَ منه، وهو اسم صنمٍ كان لأهلِ بك من الشَّامِ، وهو البلدُ الذي يقالُ له الآن: بعلَبَك، وقيل: البعلُ الرَّبُّ، بلغةِ اليمنِ، والمعنى: أتدعونَ بعض البعولِ.
          ({وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ}) أي: وتتركونَ عبادتَهُ، قال: وقد أشارَ فيه إلى المقتضِي للإنكارِ والمعنى بالهمزةِ، ثم صرَّحَ به بقولِهِ: ({اللَّهُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ}) أي: فهو المستحقُّ للعبَادةِ وحدَهُ لا شريكَ له، وقرأ حمزةُ والكَسائيُّ ويعقوبُ وحفصُ بالنَّصبِ على البدلِ، انتهى.
          أي: من {أَحْسَنَ} الواقعِ مفعول: {تَذَرُونَ} ويجوزُ أن يكون عطفَ بيانٍ، وقرأ الباقونَ بالرَّفعِ على الاستئنافِ.
          ({فَكَذَّبُوهُ}) أي: فكذَّبَ إلياسَ قومُهُ ({فَإِنَّهُمْ}) أي: قومُهُ ({لَمُحْضَرُونَ}) أي: للعذَابِ بالنَّارِ يومَ الحسابِ، وقال البيضَاويُّ: أي في العذابِ وإنَّما أطلقَهُ اكتفاءً بالقَرِينةِ، أو لأنَّ الإحضَارَ المطلقَ مخصوصٌ بالشَّرِّ عُرفاً.
          ({إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}) أي: الموحِّدين من قومِهِ وهو مستثنى من الواوِ في: {فكذَّبُوه} استثناءً متَّصلاً، وليس مستثنى من: المحضرين؛ لفسَادِ المعنى، إذ يلزمُ عليه حينئذٍ أن يكونوا مُندَرِجين فيمن كذَّبَ لكنَّهم لم يُحضرُوا لكونهم عبادَ الله المخلَصينَ، وهو ظاهرُ الفسَادِ، ولا يجوز أن يكون مستثنًى منه استثناءً منقطعاً لفسادِ نظمِ الكلامِ، فافهم.
          ({وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ}) مفعولُ: {تَرَكْنَا} محذوفٌ نحو: ثناءً جميلاً، ويدلُّ عليه قولُهُ: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُذْكَرُ بِخَيْرٍ) ببناء: ((يُذكَر)) للمفعولِ أي: يذكرُهُ الكثيرونَ من النَّاسِ بالخيرِ، ويحتملُ أن المفعولَ: ({سَلاَمٌ عَلَى آلِ يَاسِينَ}) بتقدير مضَافٍ؛ أي: قول هذا اللَّفظِ، فقولُهُ: {وتَرَكْنَا} أي: أبقينا بدليلِ تعديتِهِ بـعَلى فتدبَّر.
          ووقعَ في رواية / أبي ذرٍّ بعد قولِهِ: {أَلَا تَتَّقُونَ} <إلى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ}> وإسقاط: <{أَتَدْعُونَ بَعْلاً}> إلى آخر قولِهِ: <{الْمُخْلَصِينَ}>.
          و{آلِ يَاسِينَ} بفتح الهمزة ومدِّها، وبكسر اللام وفصلِها عن ياسينَ فهُما كلمتان أضافوا: ((آل)) بمعنى: أهل إلى: {يَاسِينَ} وعليه: ياسينُ أبو إلياسَ، وهذه قراءةُ نافعٍ وابن عامرَ ويعقوب، وقرأَ الباقون: ▬على إلياسين↨ بكسر الهمزة وسكون اللَّام على أنَّهُ كلمةٌ واحدةٌ جمعٌ لـ((إلياس)) باعتبار إرادةِ أتباعِهِ كالمهالبةِ في المهلَّب وأتباعِهِ، وقيل: هو مفردٌ وأنَّهُ لغةٌ في إلياس.
          وقال في ((الفتح)): إلياس بهمزة قطعٍ وهو اسم عِبرانيٌّ، وأما قولُهُ: ▬سلام على إلياسين↨ فقرأه الأكثرُ بصورة الاسمِ المذكورِ وزيادة النُّونِ في آخرِهِ، وقرأَهُ أهلِ المدينة: ▬آل ياسين↨ بفصلِ: {آل} من {ياسين} وكان بعضهم يتأوَّلُ أنَّ المراد: سلامٌ على آل محمَّد، وهو بعيدٌ، انتهى.
          وقال البيضاويُّ: على قراءة الإضافةِ فيكونُ: {ياسين} أي: {آل ياسين} وقيل: محمَّدٌ عليه السَّلام أو القُرآن أو غيرُهُ من كتبِ الله تعالى، قال: والكلُّ لا يناسبُ نظمَ سائرِ القصصِ ولا قولَهُ: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} [الصافات:131-132] إذ الظَّاهرُ أن الضَّمير لـ{إلياس}.
          وقال العينيُّ: وعن بعضِهِم أنَّهُ قرئ: ▬الياس↨ بترك الهمزةِ من ألف {إلياس} وتجعلُ الألف واللَّام داخلتين على ياس للتَّعريفِ وأنَّ اسمَه: ياس، ثمَّ دخلت الألف واللام، انتهى فتأمَّله.
          وقولُهُ: ({إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ}) تعليلٌ لكونِهِ يذكر بخيرٍ، وقولُهُ: ({إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}) علةٌ لقولِهِ: {نَجْزِي المُحْسِنِينَ})) وقال القسطلَّانيُّ: علةٌ لكونِهِ محسناً، ويذكرُ بالبناء للمفعول، مرَّضَهُ لضعفِهِ، ومثلُ هذا كما قال الكرمانيُّ يسمَّى بالتَّعليقِ التَّمريضِي.
          (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ) أي: عبدِ الله ☺ (وَابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ (أَنَّ إِلْيَاسَ هُوَ إِدْرِيسُ).
          قال في ((الفتح)): أمَّا قولُ ابنُ مسعود فوصلَهُ عبدُ بن حميد، وابنُ أبي حاتمٍ بإسناد حسنٍ عنه قال: إلياسُ هو إدريسُ، ويعقوبُ هو إسرائيلُ، وأمَّا قول ابنِ عبَّاسٍ: فوصلَهُ جويبرُ في ((تفسيرِهِ)) عن الضَّحَّاك عنه، وإسنادُهُ ضعيفٌ ولهذا لم يجزمْ به البخاريُّ، وقد أخذَ أبو بكر ابن العربيِّ من هذا أنَّ إدريسَ لم يكن جَدًّا لنوحٍ وإنما هو من بني إسرائيلَ؛ لأنَّ إلياسَ قد وردَ أنَّهُ من بني إسرائيلَ، واستدلَّ على ذلك بقولِهِ عليه السَّلام للنَّبيِّ صلعم: ((مرحَباً بالنَّبيِّ الصَّالحِ والأخِ الصَّالحِ)) ولو كانَ من أجدادِهِ لقالَ له كما قال لهُ آدمُ وإبراهيمُ: ((والابنُ الصَّالحُ)).
          وهو استدلالٌ جيِّدٌ إلَّا أنه قد يجابُ عنه بأنَّهُ قال ذلك على سبيلِ التَّواضعِ والتَّلطُّفِ، فليس ذلك نصًّا فيما زعمَ، انتهى.
          وقال القسطلَّانيُّ: والصَّحِيحُ أنَّ إلياسَ غير إدريسَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال في سورةِ الأنعامِ: {وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ} [الأنعام:84] إلى أن قال: {وإلياس} فدلَّ على أنَّهُ من ذريَّة نوحٍ، وإدريس جدُّ أبي نوحٍ كما يأتي قريباً.
          ومثله في ((المنحة)) وزادَ: وقد أجمعُوا على أنَّ إدريسَ كان جدًّا لنوحٍ فكيف يقالُ: إنَّ إلياسَ هو إدريسُ؟ وقد يجابُ بأنَّهُ جدٌّ كما دلَّ عليه كلامُ ابن إسحاقَ وِفاقاً للإجماعِ، ويؤول كلامُ ابن مسعودٍ وابن عبَّاسٍ / بأنَّ إدريسَ الذي هو جدُّ نوحٍ يسمَّى أيضاً: بإلياسَ، وهو غير إلياسَ الذي من ذرِّيَّةِ نوحٍ عليه السَّلام.