الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به

          3485- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا بِشْرُ) بكسرِ الموحدة وسكونِ الشِّين المعجمةِ (ابْنُ مُحَمَّدٍ) أي: السختِيانيُّ، وكنيتُه: أبو محمد، وهو من أفرادِ البخاريِّ، قال: (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ) بتصغيرِ: عبدٍ على ما في ((اليونينيَّةِ)) والفرعِ، لكنَّه أصلحَ فيه بـ<عبد> مكبَّراً، وهو الموجودُ في الأصُولِ، وعليه الشرَّاحُ، والمرادُ به: عبدُ الله بنُ المبارَكِ المروَزيُّ الإمامُ المشهورُ.
          قال: (أَخْبَرَنَا يُونُسُ) أي: ابنُ يزيدَ الأيليُّ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) أي: محمَّد بنِ مسلمِ بنِ شهابٍ، قال: (أَخْبَرَنِي) بالإفرادِ (سَالِمٌ) أي: ابنُ عبدِ الله (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ) أي: والدَ سالمٍ، وهو: عبدُ اللهِ بنُ عمرَ بنِ الخطَّاب ♥ (حَدَّثَهُ) أي: حدَّثَ ابنُ عمرَ ولدَه سالِماً (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: بَيْنَمَا) بالميمِ الكافَّةِ لـ((بين)) عن الإضافةِ إلى المفردِ (رَجُلٌ) مبتدأٌ، وسوَّغَ الابتداءَ به وقوعُه بعد: ((بينَما))، كما ذكَرْنا ذلك فيما زدناه في ((مسوِّغاتِ الابتداءِ بالنكِرةِ)) لابنِ مكتومٍ النحويِّ وشرَحْناها بقولِنا: كذا ما يلي: لو، ما، وبينا، وبينما، كما قاله في ((الهُمعِ))، فاعرِفْه وانظر.
          أو لعل الخبرَ محذوفٌ نحوُ: موجودٌ أو حاضرٌ، وقال العينيُّ: ((بينَما)) ظرفٌ مضافٌ إلى جملةٍ، فيحتاجُ إلى جوابٍ، وهو قولُه: ((خُسفَ به))، انتهى، فتأمله.
          والرجلُ هو قارونُ على ما قال شيخُ الإسلامِ، وهو من بني إسرائيلَ، فتحصُلُ المطابقةُ.
          قال القسطلانيُّ: وذكرَ أبو بكرٍ الكَلاباذيُّ في ((معاني الأخبار)) أنَّه قارونُ، وكذا هو في ((صِحاحِ الجوهَريِّ))، انتهى / .
          وقال الكُفيريُّ: قيل: يحتمِلُ أنَّ الرجلَ من هذه الأمَّةِ، فأخبرَ النَّبيُّ صلعم بأنَّه سيقَعُ، ويحتمِلُ أن يكونَ إخباراً عمَّنْ كان قبل هذه الأمةِ، وهو الصحيحُ، ولذلك أدخلَه البخاريُّ في هذا البابِ، انتهى.
          وسيأتي إن شاء اللهُ لذلك مزيدُ بيانٍ في كتابِ اللباسِ، والله أعلم.
          (يَجُرُّ) بضم الجيم وتشديد الرَّاء؛ صفةُ: ((رجلٌ))؛ أي: يَسحَبُ (إِزَارَهُ) بكسرِ الهمزةِ وبالرَّاء، ويُجمعُ على: أُزُرٍ _بضمتين_، وهو: ما يُجعلُ على أسفلِ البدنِ، مقابلُ: الرداءِ (مِنَ الْخُيَلاَءِ) بضم الخاء المعجمة وفتح التحتيَّةِ فلام فألف ممدودة، وهو: تكبُّرُ الشخصِ وإعجابُه بنفسِه لتخيُّلِه مزيَّةً فيها (خُسِفَ بِهِ) بالخاء المعجمة، مبنيٌّ للمفعولِ؛ أي: ذُهبَ به وأُنزلَ في بطنِ الأرضِ، وجملةُ: (فهو يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) معطوفةٌ بالفاء على: ((خُسفَ به)) عطفَ مسَبَّبٍ على سببٍ في الجملةِ، و((يَتجَلْجَلُ)) بفتحِ التحتية والجيمين بينهما لام ساكنة وآخره لام أيضاً؛ أي: ينزِلُ في الأرضِ مضطرِباً متدافِعاً من شِقٍّ إلى آخرَ.
          قال في ((القاموس)): التَّجلجُلُ: السَّوخُ في الأرضِ والتحرُّكُ والتَّضعضُعُ، والجَلجَلةُ: التحرُّكُ وشدَّةُ الصوتِ، وصوتُ الرعدِ، والوعيدُ، انتهى.
          وقال ابنُ دريدٍ: كلُّ شيءٍ خلطْتَ بعضَه ببعضٍ فقد جلجلتَه.
          وقال البرماويُّ كالزركشيِّ: وقيل: بالخاءِ المعجمةِ، وهو بعيدٌ إلا أن يكونَ من قولِهم: خلَّلتُ العظمَ؛ إذا أخذتَ ما عليه من اللَّحمِ، أو من التَّخلُّلِ والتداخُلِ خلالَ الأرضِ، قال عياضٌ: وروَيناهُ في غيرِ ((الصحيحَينِ)) بحاءين مهملتَين.
          والحديثُ أخرجَه المصنفُ في اللباسِ، وكذا النسائيُّ في الزينةِ، وأبو عَوانةَ في ((صحيحِه)).
          (تَابَعَهُ) أي: تابعَ يونُسَ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ) أي: ابنِ مسافرٍ الفَهميُّ المِصريُّ، مولى الليثِ بنِ سعدٍ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) أي: ابنِ شهابٍ بهذا الإسنادِ، وهذه المتابعةُ وصلَها المصنفُ في اللباسِ، وكذا الذُّهليُّ في ((الزُّهريات)).