الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب قول الله تعالى: {إنا أرسلنا نوحًا إلى قومه}

          ░3م▒ (بابُ قَوْلِ اللَّهِ) وفي بعضِ الأصُولِ: <باب قوله> (تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [نوح:1] إلى آخِرِ السُّورَةِ).
          قال القسطلَّانيُّ: سقط هذا البابُ لأبي ذرٍّ وابنِ عساكرَ، وقال العينيُّ: هذه التَّرجمةُ وقعَتْ هكذا بعد قولِهِ: ((باب قولِ اللهِ ╡: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} [هود:25])) وهي روايةُ الأكثرينَ، قال: ولم يقَعْ في روايةِ أبي ذرٍّ إلَّا: <باب قول الله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ}> انتهى.
          ووقعَ في بعضِ الأصولِ تقديم: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} / على تفسيرِ المفردَاتِ، ثم ذكرَ بعد ذلك: ((باب قول الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا}... إلخ)) وعلى هذه شرْحُنا، والنُّسخُ هنا فيها اختلافٌ كثيرٌ لا يختلفُ به أصلُ المرادِ.
          فنقول: سورةُ نوحٍ اثنان وعشرونَ آيةً ومئتان وأربعٌ وعشرون كلمة، وتسعمئةٍ وتسعونَ حرفاً، كذا في العينيِّ، لكن وقع في ((تفسيرِ البيضاويِّ)): وآيها تسعٌ أو ثمانيةٌ وعشرونَ آية، انتهى فتأمَّله.
          وهذه السُّورةُ مكيَّةٌ ولم يذكرِ البخاريُّ البسملةَ أوَّلَ السورةِ، ولعلَّهُ لا يراها آيةً منها، فتدبَّر.
          وقولُهُ: {أَنْ أَنْذِرْ} {أن} مصدريَّةٌ والجار مقدَّرٌ قبلها، قال البيضاويُّ: أي: بأن أنذِرْ؛ أي: بالإنذارِ أو بأن قلنا لَهُ أنذر، قال: ويجوزُ أن تكونَ {أَنْ} مفسرةً لتضمُّنِ الإرسالِ معنى القولِ، وقرئَ بغير {أَنْ} على إرَادةِ القولِ، انتهى.
          والمعنى: إنَّا أرسلنا نوحاً إلى قومِهِ لينذرَهُم بالعذابِ الأليمِ إن لم يؤمنوا، والعذَابُ الأليمُ في الدُّنيا هو الطُّوفانُ وفي الآخرةِ جهنَّمُ، أجارنا الله منها ومن كلِّ عذابٍ.
          وسقطَ لأبي ذرٍّ من قولِهِ: <{أَنْ أَنْذِرْ}> إلى آخرِ قولِهِ: <{أَلِيمٌ}> قالَهُ القسطلَّانيُّ، وانظرهُ مع قولِهِ: أوَّل البابِ، وسقطَ هذا البابُ لأبي ذرٍّ وابنِ عساكرَ، ولعلَّهُ أرادَ في روايةٍ عنه، أو السَّاقط عندَهُ التَّرجمةُ فقط، فتأمَّله.
          ولم يتكلَّمِ الشُّرَّاحُ على بقيَّةِ السُّورةِ واقتفينَا أثرَهُم؛ لأنَّ أصلَ المقصُودِ يحصلُ بأوَّلِها، والكلامُ عليها مبسُوطٌ في التَّفاسيرِ، فليُراجَع منها.