الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث أبرص وأعمى وأقرع في بنى إسرائيل

          ░51▒ (حَدِيثُ أَبْرَصَ، وَأَعْمَى، وَأَقْرَعَ) كذا في بعضِ الأصُولِ، وعليها شرحُ القسطلانيِّ، وفي بعضِ الأصُولِ: توسيطُ: ((أقرعَ)) وفي بعضٍ آخرَ بتقديمِ: ((أقرعَ))، والأمرُ في ذلك سهلٌ، لكن الأنسبُ بالحديثِ توسيطُ: الأقرعِ، وفي بعضِ النُّسخِ: <بابُ حديثِ أبرَصَ وأقرعَ وأعمَى>، وعلى كلٍّ فهذه ترجمةٌ لحديثِهِم في أثناءِ باب ما ذُكرَ عن بني إسرائيلَ.
          وقوله: (فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ) سقطَ لأبي ذرٍّ، وهو حالٌ من الثَّلاثةِ أو صفةٌ لهم، وكأنَّ ذكرَه لدفعِ توهُّمِ أنَّهُم ليسُوا من بني إسرائيلَ، وإلَّا فالترجمةُ السَّابقةُ فيما ذُكرَ عن بني إسرائيلَ.
          تنبيه: ((أبرَص)) بفتحِ الهمزةِ والراء بينهما موحدةٌ ساكنة وآخره صادٌ مهملةٌ، وهو: الذي ابْيَضَّ ظاهرُ بدنِهِ لفسَادِ مِزاجِهِ، ففي ((القاموس)): البَرَصُ _محركةً_: بَياضٌ يظهرُ في ظاهرِ البَدنِ لفسَادِ مِزاجٍ، بَرِص كفرِح، فهو أبرصُ، وأبرصَه اللهُ، والذي ابْيضَّ من الدابةِ من أثرِ العضِّ، انتهى / .
          وهو عيبٌ يثبُتُ به الِخيارُ في فسخِ النِّكاحِ لأحدِ الزَّوجَين.
          ((وأقرع)) بفتح الهمزة والرَّاء بينهما قاف ساكنةٌ وآخره عينٌ مهملة، وهو: الذي لا شعرَ برأسِه لفسادِ مَنبتِه، قال في ((المصباح)): القَرَعُ _بفتحتين_: الصلَعُ، وهو مصدرُ: قرِعَ الرأسُ _من باب تعِبَ_؛ إذا لم يبقَ عليه شعرٌ.
          وقال الجوهريُّ: إذا ذهبَ شعرُه من آفةٍ، ورجلٌ أقرَعُ، والقومُ قُرْعٌ _من بابِ: أحمرَ_، وقُرعانٌ في الجمعِ أيضاً، واسمُ ذلك الموضِعِ: القَرَعَةُ _بالتحريك_، وهو عيبٌ؛ لأنَّهُ يحدُثُ من فسادٍ في العضوِ، انتهى.
          ولعلَّه أراد بكونِه عيباً أنَّه نقصٌ، وإلَّا فلا يثبُتُ به الخِيارُ لأحدِ الزوجين.
          ((وأعمى)) وهو ممنوعٌ من الصرفِ كسابقَيه، وهو الذي لا يَرى بواحدةٍ من عينَيه، وماضيه من بابِ: فرِحَ، قال في ((المصباح)): عَمِيَ عمًى: فقدَ بصرَه، فهو أعمًى، والمرأةُ: عَمْياءُ، والجمعُ: عُمْيٌ _من بابِ: أحمرَ_، وعُمْيانٌ أيضاً، ويُعدَّى بالهمزةِ فيقالُ: أعمَيتُه، ولا يقعُ العمى إلا على العينَينِ جميعاً، ويُستعارُ العمى للقَلبِ كنايةً عن الضلالةِ، والعلاقةُ عدمُ الاهتِداءِ، فهو عَمٍ، وأعمى القلبِ، وعَمِيَ الخبرُ: خَفِيَ، ويُعدَّى بالتضعيفِ، فيُقالُ: عمَّيتُه، والعَماءُ مثلُ: السَّحابِ وزناً ومعنًى، قال أبو زيدٍ: هو شِبهُ الدُّخانِ يركَبُ رؤوسَ الجبالِ، انتهى.
          ولا يثبتُ به خِيارٌ كسابقِه، فافهم.