الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب قول الله تعالى: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين}

          ░19▒ (بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى): أي: في سورةِ يوسفَ ({لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ}): أي: في قصَّتهِم ({آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف:7]): أي: لِمَن سألَ عن قصَّتِهِم أو عبرةٌ للمُعتبرين، فإنَّها تشتملُ على رؤيا يوسفَ وما حقَّقَ الله منها، وعلى صبرهِ عن قضَاء الشَّهوة وعلى الرِّق والسِّجن، وما آل إليه أمرُه من المُلكِ، وعلى حزن يعقوبَ وصبره وما آلَ إليه أمرُه من الوصُولِ إلى المرادِ، ووصفها اللهُ تعالى بأنَّها أحسنُ القصَصِ؛ إذ ليس في القصصِ غيرها مثل ما فيها من العِبَر والحِكَم، معَ اشتمَالها على ذكْرِ الأنبياءِ والصَّالحين والعُلماءِ وسِيَر الملوكِ والمماليك والتُّجَّار والنِّساءِ وحِيَلهنَّ ومكرهنَّ، والتَّوحيد وتعبير الرُّؤيا والسِّياسةِ والمعاشرة وتدبير المعاشِ، وجملٍ من الفوائد التي تصلح للدِّين والدُّنيا، وذكْرِ الحبيب والمحبوب وسِيَرهما وحسن التَّجاوزِ عنهم بعد الالتقَاء وغير ذلك، قال خالدُ بنُ معدان: سورة يوسُف وسورة مريم يتفكَّه بهمَا أهل الجنَّة في الجنَّة، وقال ابنُ عطاءٍ: لا يسمعُ بسورة يوسفَ محزونٌ إلَّا انشرحَ إليها، وقال في ((الفتح)): وقد قصَّ الله قصَّة يوسف مطوَّلة في سورةٍ لم يذكرْ فيها عظةً لغيره، انتهى.
          تنبيه: يوسفُ بنُ يعقوبَ بنِ إسحاق بنِ إبراهيمَ، ونسبُ إبراهيم تقدَّم في الكلامِ عليه، وفي يوسف ستُّ لغاتٍ: تثليثُ السِّينِ مع الهمزة السَّاكنةِ وإبدالها واواً، وقد اختلفُوا فيه هل هو أعجَميٌّ أو عربيٌّ؟ والأكثرونَ أنَّه أعجمِيٌّ، فيكون منعه من الصَّرفِ للعلميَّة والعجمةِ، وقيل: إنَّه عربيٌّ، فيكون منعُه للعلميَّة ووزنِ الفعلِ، وعليه فهو مأخوذٌ من الأسفِ أو الأسيفِ، وهو العبدُ، وقد اجتمعا فيه عليه السَّلام، فلهذا سُمِّي بهذا الاسم، وهو مذكورٌ في القرآن في سبعةٍ وعشرينَ موضعاً.
          وقال البغويُّ: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ} أي: في خبرهِ وخبرِ إخوتهِ، وأسماؤهُم: روبيل _وهو أكبرهُم / وشمعون ولاوي ويهوذا وريالون ويشجر، وأمُّهم ليا بنتُ أيان، وهي ابنةُ خالة يعقوبَ، ووُلِدَ له من سريَّتين له اسم إحداهما زلفة والأخرى بلهمة أربعة أولادٍ دان ويفتالى وجاد وأشرثم، توفِّيت ليا فتزوَّج يعقوب أختها راحيل فولدَتْ له يوسف، وقيل: جمعَ بينهما، ولم يكن الجمعُ حينئذٍ محرماً، وبنيامين وكان بنو يعقوب اثني عشرَ رجلاً.
          وقوله: {آيَاتٌ} قرأ ابنُ كثيرٍ: ▬آية↨ على التَّوحيد؛ أي: عظةً وعبرة، وقال الزَّمخشريُّ: وقرئ: ▬لآية↨ وفي بعض المصاحف: ▬عبرة↨ وقيل: عجب، وقرأَ الآخرون: {آيَاتٌ} على الجمعِ.
          وقوله: {لِلسَّائِلِينَ}: وذلك أنَّ اليهودَ سألوا رسُولَ الله صلعم عن قصَّة يوسف، وقيل: سألُوه عن سببِ انتقالِ ولَد يعقوبَ من كنعان إلى مصرَ، فذكرَ لهم قصَّة يوسفَ فوجدُوها موافِقةً لِما في التَّوراة، فعجبُوا منه، فهذا معنى قوله: {آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ}؛ أي: دلالةً على نبوَّة رسولِ الله صلعم، وقيل: آيات للسَّائلينَ ولمن لم يسألْ لقوله: سواءٌ للسَّائلين، وقيل: معناه عبرةٌ للمُعتبِرين، ووقعَ في بعضِ أسمائهم اختلافٌ فذكرَ البيضَاويُّ: دينة ودان، ووقعَ في ((الفتح)): دانى بألفٍ بعد النُّون، وأبدلَ ريالون بدايلون، وأبدلَ يشجر بأيشاجور، وأبدلَ أشر بأشير، وزادَ كاد، وضبط شَمعون _بالشِّين المعجمة_،وضبطَ تفتالى _بفاءٍ وفوقيَّة_،وقال في أولادِ يعقوب: هم الأسباطُ، وقد اختُلِفَ فيهم فقيل: كانوا أنبياءَ، ويقال: لم يكنْ فيهم نبيٌّ، وإنَّما المرادُ بالأسباط قبائلُ من بني إسرائيل، فقد كان فيهم من الأنبياءِ عددٌ كثيرٌ، انتهى.