الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب قول الله عز وجل: {وهل أتاك حديث موسى. إذ رأى نارًا}

          ░22▒ (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ ╡): بإضافةِ ((باب)) إلى ((قول))، وسقطَ لفظُ: <باب> لأبي ذرٍّ وكريمةَ، ({إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} [طه:10]): هكذا وقعَ في بعضِ الأصُولِ، وعليها ((شرح القسطلانيِّ))، ووقعَ في كثيرٍ من الأصُولِ: <باب قول اللهِ ╡: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى. إِذْ رَأَى نَارًا...} إلى قوله: {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه:9-12]>
          وعليها شرح صاحبا ((الفتح)) و((العمدة))، وهذه الآياتُ في أوائلِ طه فقوله: {وَهَلْ أَتَاكَ} أي: وقد جاءك، أتْبعَ تمهيد نبوَّته بقصَّة موسى ليتأسَّى به في تحمُّل أعباء النُّبوَّة وتبليغِ الرسالةِ والصَّبر على مقَاساةِ الشَّدائد، فإنَّ هذه السُّورة من أوائلِ ما نزلَ، {إِذْ} ظرفٌ لـــ{حَدِيثُ} أو {أَتَاكَ} بمعنى: حين، وقيل: مفعولٌ لـ((اذكر)) محذوفاً.
          قال البيضَاويُّ: قيل: إنَّه استأذنَ شُعيباً عليهما السَّلام في الخروجِ إلى أمِّه، فخرجَ إلى أهله، فلمَّا وافى وادِي طوَى، وفيه الطُّور وُلِد له ابنٌ في ليلةٍ شاتيةٍ مظلمةٍ مثلجة، وكانت ليلة جمعةٍ، وقد ضلَّ الطريقَ وتفرَّقت ماشيتُه، إذ رأى من جانبِ الطُّور، وزاد العينيُّ: بعد مثلجة: فحادَ موسى عن الطَّريق، وقدح النَّار فلم تُور القدحة شيئاً، فبينما هو يزاولُه ذلك أبصرَ ناراً من بعيدٍ عن يسارِ الطَّريق.
          ({فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا}): أي: أقيموا مكانَكم، وقرأ حمزةُ: ▬لِأَهْلِهُ امْكُثُوا↨ هنا وفي القصص بضمِّ الهاء في الوصل والباقون بكسرها ((إِلَى قَوْلِهِ)): متعلِّقٌ بمحذوفٍ نحو: اقرأ {بِالْوَادِ}: متعلِّقٌ بمحذوف خبر {إِنَّكَ} قبله في الآية {الْمُقَدَّسِ}: أي: المطَهَّر {طُوًى}: بضمِّ الطَّاء عطف بيانٍ للوادي، وصرفه ابن عامرٍ والكوفيُّون بتأويل المكان، وقيل: هو من الطيِّ مصدرٌ لـ{نُودِيَ} أو {الْمُقَدَّسِ}؛ أي: نوديَ ندائَين أو قدِّس مرَّتين.
          ({آنَسْتُ}: أَبْصَرْتُ): يريد تفسيرَ: {آنَسْتُ} بالمدِّ بـ((أبصرت)) ({لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا}): أي: من النَّار ({بِقَبَسٍ}): أي: بشعلةٍ من النَّار أو بجمرةٍ، الآية (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ☻ المُقَدَّسُ: المُبَارَكُ): فسَّر المقدَّس بالمباركِ (طُوًى: اسْمُ الْوَادِي).
          قال في ((الفتح)): هكذا وقع هذا التَّفسير وما بعده في رواية أبي ذرٍّ عن المستمليِّ والكُشميهنيِّ خاصَّة، قال: ولم يذكرهُ جميعُ رواة البخاريِّ هنا، وإنَّما ذكروا بعضه في تفسير طه، انتهى، ونتكلَّم عليه هنا تبعاً ((للفتح)) فنقولُ: قوله: ((قال ابن عبَّاسٍ)) المذكور وصلَهُ ابنُ أبي حاتمٍ عن ابن عبَّاسٍ.
          ({سِيرَتَهَا}): أي: في قوله تعالى: {سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا} [طه:21]؛ أي: (حَالَتَهَا): أي: الأُولى وهي فعلة من السَّير تُجوِّز بها للطَّريقة والحالة.
          (وَ{النُّهَى}): أي: في قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} [طه:54]؛ أي: (التُّقَى): و{النُّهى}: جمع نهية.
          ({بِمَلْكِنَا}): أي: في قوله تعالى: {مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} [طه:87]؛ أي: (بِأَمْرِنَا): وفتح نافعٌ وعاصمٌ ميم {مَلكنا} وضمَّها حمزة والكسائيُّ.
          ({هَوَى}): في قوله تعالى: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه:81]؛ أي: (شَقِيَ): وقيل: تردَّى، وقيل: هلكَ، وقيل: وقعَ في الهاوِيَة، وكلُّها سببُ الشَّقاء (فَارِغًا): أي: في قولهِ ╡: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} [القصص:10]؛ أي: من كلِّ شيءٍ من أمر الدُّنيا (إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى): أي: فلم يخلُ قلبُها منه.
          ({رِدْءًا}) أي: في قولهِ تعالى: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} [القصص:34] (مُعِينًا كَيْ يُصَدِّقَنِي): أي: فرعونُ بأن يلخِّص بلسَانهِ الفصيحَ وجوهَ الدَّلائلِ، ويجيب عن الشُّبهات، ويجادل به الكفَّار، وليس المرادُ أن يقول هارون: صدقْتَ، وقال السُّدِّي: التَّقدير: كما يصدِّقنِي (وَيُقَالُ): أي في تفسيرِ {ردءاً}.
          (مُغِيثًا): / بالغينِ المعجمةِ والمثلَّثة من الإغاثة (أَوْ مُعِينًا): بالعينِ المهملةِ والنُّون من الإعانةِ (▬يَبْطُشُ↨ وَ{يَبطِشَ}): بضمِّ الطاءِ وكسرهَا لغتان في قولهِ تعالى: {فَلَمَّا أَرَادَ أَن يَبطِشَ} [القصص:19] لكنَّ الكسر هو قراءة الجمهور.
          ({يَأْتَمِرُونَ}): أي: في قوله تعالى: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ} [القصص:20]؛ أي: (يَتَشَاوَرُونَ): وإنَّما سُمِّي التشاورُ ائتماراً؛ لأن كلًّا من المتشَاورين يأمرُ الآخرَ ويأتمر (وَالْجِذْوَةُ): أي: في قوله تعالى: {أَو جَذوَةٍ مِّنَ النَّارِ} [القصص:29] وهي: (قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ مِنَ الخَشَبِ ولَيْسَ لهَا): والذي في الفرعِ وأصلهِ: <فيها> (لَهَبٌ): قال ابنُ مقاتلٍ:
بَاتَتْ حَوَاطِبُ لَيْلَى يَلْتَمِسْنَ لَهَا                      جَزْلَ الجِذَاءِ غَيْرَ خَوَّارٍ وَلَا دَعِرِ
          الخوار: الذي يتقصَّف، والدَّعر: الذي فيه لهبٌ، وقيل: الذي في رأسهِ نارٌ، قال في ((اللُّباب)): وهو المشهور، قال السلمي:
حَمَى حُبُّ هَذِي النَّارِ حُبَّ خَلِيلَتِي                     وَحُبَّ الْغَوَانِي فَهُوَ دُونَ الْحَبَائِبِ
وَبُدِّلْتُ بعدَ المِسْك وَالبَانِ شِقْوَةً                     دُخَان الجذَا في رأْسِ أَشْمَطَ شَاحِبِ
          وقد ورد ما يقتضِي وجودَ اللَّهبِ فيه، قال:
وَأَلْقَى عَلَى قَبسٍ مِن النَّارِ جُذْوَةً                     شَدِيداً عَلَيْهَا حَمْيُهَا والتِهَابُهَا
          وقيل: الجذوةُ: العودُ الغليظُ سواءٌ كان في رأسه نارٌ أو لم يكنْ، وليسَ المراد هنا إلَّا ما في رأسهِ نارٌ.
          ({سَنَشُدُّ} [القصص:35]): أي: سنُعينكَ ونقوِّيك (كُلَّمَا عَزَّزْتَ شَيْئًا): بعين مهملةٍ وزايَين معجمتَين الأولى مشدَّدةٌ والأخرَى سَاكِنةٌ (فَقَدْ جَعَلْتَ لَهُ عَضُدًا): أي: يعضده (وَقَالَ غَيْرُهُ): أي: غير ابن عبَّاسٍ (كُلَّمَا لَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ أَوْ وفِيهِ تَمْتَمَةٌ): يعني: أو نطقَ بحرف وفيه تمتمةٌ بفوقيَّتين وميمَين؛ أي: تردَّد في النُّطق بالتَّاء المثنَّاة الفوقية (أَوْ فَأْفَأَةٌ): بالفائين والهمزتَين: تردَّد في النطق بالفاء.
          وقوله: (فَهِيَ عُقْدَةٌ): أشارَ به إلى تفسير: {وَٱحلُل عُقدَةً مِّن لِّسَانِي. يَفقَهُوا قَولِي} [طه:27-28] في أوائل طه، قال البيضاويُّ: فإنَّما يحصل التَّبليغ من البليغِ، وكأنَّ في لسانهِ رُتَّة من جمرةٍ أدخلها فاهُ، وذلك أنَّ فرعون حمله يوماً فأخذَ لحيَته ونتفَها، فغضبَ وأمر بقتلهِ، فقالت آسيةُ: إنَّه صبيٌّ لا يُفرِّق بين الجمرِ والياقوتِ، فأُحضِرا بين يدَيهِ فأخذَ الجمرةَ ووضَعَها في فيهِ، واختُلِف في زوالِ العُقدَة كلِّها، فمَن قال به تمسَّكَ بقوله: {قَالَ قَد أُوتِيتَ سُؤلَكَ يَٰمُوسَىٰ} [طه:36]، ومَن لم يقلْ احتجَّ بقوله: {هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} [القصص:34] وقوله: {وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:52]، وأجاب عن الأوَّل: بأنَّه لم يسأل حلَّ عقدةِ لسَانه مطلقاً، بل عقدةً تمنعُ الإفهامَ، وكذلك نكَّرها وجعلَ {يَفْقَهُوا} جواب الأمرِ، ومن لسانه: يحتمل أن يكونَ صفة {عُقْدَةً}، وأن يكون صلة {احْلُلْ}، انتهى.
          وقال في ((الفتح)) و((العمدة)): روى الطبرانِيُّ من طريق السُّدِّي قال: لمَّا تحرَّك موسى أخذَتهُ آسية امرأة فرعون ترقصه، ثمَّ ناولته لفرعون، فأخذَ موسى بلحيتِهِ فنتفَها، فاستدعَى فرعونُ الذبَّاحينَ، فقالَتْ آسية: إنَّه صبيٌّ لا يعقلُ فوضعَتْ له جمراً وياقُوتاً، وقالَتْ: إن أخذَ الياقوتَ فاذبحْهُ، وإن أخذَ الجمرَ فاعرفْ أنَّه لا يعقل، فجاءَ جبريلُ فطرحَ في يدِه جمرةً فطرحَها في فيهِ، فاحترقَ لسَانهُ، فصارَتْ في لسَانه عقدةٌ من يومئذٍ.
          ({أَزْرِي}): أي: في قوله: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [طه:31]؛ أي: (ظَهْرِي): قاله أبو عبيدةَ ({فَيُسْحِتَكُمْ} [طه:61]): أي: بعذابٍ، معناه: (فَيُهْلِكَكُمْ): ويستأصِلكُم، قال في ((الفتح)): تقول: سحَتَه وأسْحَته بمعنًى، وسحَتَه أكثر، قال: والخِطابُ للسَّحَرة، ويقال: إنَّ اسم رؤسائهم: عادور وسانور وخطخط والمصفى، انتهى.
          ({المُثْلَى}): أي: في قوله تعالى في طه: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} [طه:63] (تَأْنِيثُ الأَمْثَلِ، يَقُولُ: بِدِينِكُمْ) أي: المستقيمِ الذي أنتم عليه، وقال ابنُ عبَّاسٍ: بسراة قومِكُم وأشرافهِم، وقيل: أهل طريقتِكُم المثلى، وهم بنو إسرائيل.
          (يُقَالُ: خُذِ المُثْلَى): أي: منها للأنثيين (خُذِ الأَمْثَلَ): / منهما إذا كان ذكراً، والمراد بـ{المثلى}: الفُضْلى ({ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} [طه:64]): قال أبو عُبيدة: صفوفاً، قال: وله معنًى آخر (يُقَالُ: هَلْ أَتَيْتَ الصَّفَّ اليَوْمَ؛ يَعْنِي: المُصَلَّى الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ): بفتحِ اللَّام المشدَّدةِ فيهما؛ أي: ائتوا المكانَ الموعودَ، وقال غيرُه؛ أي: مصطَفِّين؛ لأنَّه أهيَب في صدورِ الرَّائيين، قيل: كانوا سبعين ألفاً، مع كلِّ واحدٍ منهم حبلٌ وعصًى، وأقبلوا عليه إقبالةً واحدةً.
          ({فَأَوْجَسَ} [طه:20]): أي: في نفسِهِ خيفةً؛ أي: (أَضْمَرَ خَوْفًا): أي: من مفَاجأتهِ على ما هو مُقتضى الجِبلَّة البشريَّة، أو خاف على النَّاس أن يفتتنوا بسحرهِم فلا يتَّبعونَه (فَذَهَبَتِ الوَاوُ مِنْ {خِيفَةً} لِكَسْر الخَاءِ): أي: فصارتْ ياءً، قاله أبو عُبيدة، وعبارةُ الصرفيِّين أن يقال: أصل {خِيفَةً} خوفة فقُلِبت الواو ياءً؛ لسكونها وانكسَار ما قبلها.
          ({فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71]: عَلَى جُذُوعِ): قال الرَّضيُّ في هنا، وفي قول الشَّاعر:
بَطَلٌ كَأَنَّ ثِيَابَهُ فِي سَرْحَةٍ
          بمعنى على، والأولى أنَّها بمعناها؛ لتمكُّن المصلوبِ في الجذعِ كتمكُّنِ المظروفِ في الظَّرف، وهو أوَّل من صُلب.
          ({خَطْبُكَ}): أي: في قوله تعالى: {فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ} [طه:95]؛ أي: (مَا بَالُكَ): أي: ما شأنكَ، ({مِسَاسَ}): في قوله تعالى: {فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ} [طه:97] (مَصْدَرُ مَاسَّهُ): أي: بتشديد السِّين (مِسَاسًا): والمعنى: أنَّ السَّامريَّ عُوقِبَ على إضلاله بني إسرائيل باتِّخاذِهِ العجلَ والدُّعاء إلى عبادته في الدُّنيا بالنَّفي، وبأن لا يمسَّ أحداً ولا يمسَّه أحدٌ، فإن مسَّه أحدٌ أصابتهما الحمَّى معاً لوقتهما.
          ({لَنَنْسِفَنَّهُ} [طه:97]: لَنُذْرِيَنَّهُ): أي: رماداً بعد التَّحريقِ بالنَّار (الضَّحَاءُ): بفتح الضَّاد المعجمة والمدِّ في قوله تعالى: {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه:119] هو (الحَرُّ): وهذا في قصَّة آدم، ذكره المؤلِّف استطراداً ({قُصِّيهِ}): بضمِّ القافِ في قوله تعالى في سورة القصص: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص:11]؛ أي: (اتَّبِعِي أَثَرَهُ): حتَّى تعلمِي خبره (وَقَدْ يَكُونُ أَنْ يقصَّ الكَلاَمَ): أي: أو أنَّ القصَّ من قصِّ الكلامِ كما في قوله: ({نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} [يوسف:3]): والقاصُّ: هو الذي يتتبَّع الآثارَ ويأتي بالخبرِ على وجههِ.
          ({عَنْ جُنُبٍ} [القصص:11] عَنْ بُعْدٍ): وهو صفةُ المحذوف؛ أي: مكانٍ بعيدٍ (وَعَنْ جَنَابَةٍ وَعَنِ اجْتِنَابٍ وَاحِدٌ): أي: في المعنى، وقال أبو عَمرو بن العلاء؛ أي: شوقٍ، وهي لغة جُذام، يقولون: جنبتُ إليه؛ أي: اشتقتُ.
          (قَالَ مُجَاهِدٌ): فيما وصلهُ الفِريابيُّ في قولهِ تعالى: ({عَلَى قَدَرٍ} [طه:40]): أي: معناه (مَوْعِدٌ): أكلِّمك فيه وأستنبئكَ غير متقدِّمٍ وقته المعيَّنَ ولا مستأخِر.
          ({لاَ تَنِيَا} [طه:42]: لاَ تَضْعُفَا): وهذا وصلهُ الفِريابيُّ عن مجاهدٍ أيضاً، وعن ابن عبَّاس: لا تبطئا، وفي ((اليونينيَّة)) وفرعها: <{لَا تَنِيَا}> وأسقطَ <لا تضعفا> وكتبَ بعد {لَا تَنِيَا}: صح، وزاد في بعض النُّسخ بعد قوله: ((لا تضعفا)) ({مَكَانًا سُوًى} [طه:58] مَنْصَفٌ بَيْنَهُمْ): بفتح الميم وسكون النُّون وفتح الصَّاد وكسرها مخفَّفةً، وفي أخرى: <منصَّف> بتشديد الصَّاد مفتوحة.
          ({يَبَسًا}): في قوله تعالى: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} [طه:77]؛ أي: (يابساً): مصدرٌ وصف به ({مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} [طه:87] الْحُلِيِّ الَّذِي اسْتَعَارُوا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ): حين همُّوا بالخروجِ من مصرَ باسم العرس، وقيل: استعَاروا لعيدٍ كان لهم، ثمَّ لم يردُّوه عند الخروجِ مخافةَ أن يعلمُوا به.
          (فَقَذَفْتُهَا): أي: فقذفْتُ بها؛ أي: المأخوذ من قولهِ تعالى: {فَقَذَفْنَاهَا} [طه:87]، قاله شيخُ الإسلامِ؛ أي: (أَلْقَيْتُهَا) أي: في النَّار، وفي ((اليونينيَّة)): <فقذفتُها: ألقيتُها>، فأسقطَ ((فقذفت بها)) وهي ثابتةٌ في فرعهِ، ({أَلْقَى}): في قوله تعالى: {أَلْقَى السَّامِرِيُّ} [طه:87]؛ أي: (صَنَعَ): وصله الفِريابيُّ أيضاً ({فَنَسِيَ} [طه:88]) أي: (مُوسَى هُمْ): / أي: السَّامريُّ وأتباعه (يَقُولُونَهُ): أي: (أَخْطَأَ): أي: موسى (الرَّبَّ): أي: الذي هو العجلُ أن يطلبَهُ هنا، وذهبَ يطلبُه عند الطُّور.
          ({أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} [طه:89] فِي العِجْلِ): أي: أنَّه لا يرجعُ إليهم كلاماً، ولا يردُّ عليهم جواباً، وهذا التَّفسيرُ من قولهِ تعالى: {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} [طه:10] إلى هنا ثابتٌ في رواية المستمليِّ والكشميهنيِّ، ومن قوله: ((فذهبت الواو من {خِيفَةً}...)) إلى آخره مكتوبٌ ثابتٌ في حاشية الفرعِ وأصله، والأوَّل في أصله، ولم يذكرهُ جميعُ رواة البخاريِّ هنا، نعَم ذكروا بعضه في تفسيرِ سورة طهِ.
          وقال الكرمانيُّ في أثناء هذا التَّفسير: وذكر هذا في هذا الكتابِ العظيمِ الشَّأنِ اشتغالٌ بما لا يعنيهِ، فيه ما فيه، فقد نبَّه في ((الفتح)) على أنَّ المصنِّف لمحَ بهذه التَّفاسير بما جرَى لموسى عليه السَّلام في خروجهِ إلى مدين، ثمَّ في رجوعِهِ إلى مصر، ثمَّ في أخباره مع فرعون، ثمَّ في غرقِ فرعونَ، ثمَّ في ذهابهِ إلى الطُّورِ، ثمَّ في عبادةِ بني إسرائيل العجل، قال: وكأنَّه لم يكنْ عنده في ذلك من المرفوعاتِ ما هو على شرطِهِ، انتهى.
          وهذه المفرداتُ كلُّها في سورةِ طه إلَّا قوله: (({قُصِّيهِ}...)) إلى قولهِ: ((من جنابة)) فإنَّها في القَصصِ.