التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب غسل المني وفركه وغسل ما يصيب من المرأة

          ░64▒ بَابُ غَسْلِ المَنِيِّ وَفَرْكِهِ، وَغَسْلِ مَا يُصِيبُ مِنَ الْمَرْأَةِ.
          229- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (كُنْتُ أَغْسِلُ الجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلعم، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ، وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ).
          230- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ. وحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ ♦ عَنِ الْمَنِيِّ، يُصِيبُ الثَّوْبَ؟ قَالَتْ: (كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلعم، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ، وَأَثَرُ الغَسْلِ فِي ثَوْبِهِ بُقَعُ الْمَاءِ).
          ░65▒ بَابٌ إِذَا غَسَلَ الجَنَابَةَ أَوْ غَيْرَهَا فَلَمْ يَذْهَبْ أَثَرُهُ.
          231- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ فِي الثَّوْبِ تُصِيبُهُ الجَنَابَةُ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ.
          232- ثُمَّ ساقَهُ أيضًا مِن حديثِ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلعم، ثُمَّ أَرَاهُ / فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا) بنحْوِه.
          والكلامُ عليه مِن أوجُهٍ:
          أحدُها: هذا الحديثُ مُتَّفقٌ على صِحَّتِهِ، أخرجَهُ مع البُخاريِّ مسلمٌ والأربعة.ُ
          ثانِيها: اختُلِفَ في يزيدَ هذا الرَّاوي عن عمْرٍو، هل هو يزيدُ بنُ هارونَ أو يزيدُ بن زُرَيعٍ؟ فقال أبو مسعودٍ الدِّمَشْقِيُّ: يُقال هو ابنُ هارونَ لا ابنُ زُرَيع وهُمَا جميعًا قد رويَاه، وأقرَّهُ الحافظُ شَرَفُ الدِّينِ الدِّمياطِيُّ، ورواهُ الإسماعيليُّ مِن طريقِ جماعةٍ عن يزيدَ بن هارونَ، وكذا رواهُ أبو نُعَيمٍ وأبو نصْرٍ السِّجْزيُّ في «فوائدِه» وقال: خرَّجه البُخاريُّ مِن حديثِه، والحديثُ محفوظٌ لابنِ هارونَ، وكذا ساقَهُ الجَيَّانيُّ مِن حديثِه أيضًا.
          وقال الحافظُ جمالُ الدِّينِ الْمِزِّيُّ: الصَّحيحُ أنَّه يزيدُ بن زُرَيع فإنَّ قُتيبَةَ مشهورٌ بالرِّوايةِ عن ابن زُرَيع دونَ يزيد بن هارون. قلتُ: وكذا نَسَبَهُ ابن السَّكَن فقال: يزيدُ يعني ابنَ زُرَيع، وأشار إليه الكَلَاباذِيُّ.
          ثالثُها: لم يَذكُرِ البُخاريُّ الفَرْكَ في طريقٍ مِن هذه الطُرُقِ مع أنَّه ترجَمَ له، وقد أخرجَهُ مسلمٌ مِن حديثِ الأسودِ وهمَّام عن عائشةَ: ((كنتُ أَفْركُهُ مِن ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلعم)) قال أبو عمرَ: وحديثُ همَّام والأسود في الفَرْكِ أثبَتُ مِن جهةِ الإسنادِ.
          رابعُها: إتيانُ البُخاريِّ بتصريحِ التَّحديثِ مِن عائشةَ لسليمانَ وكذا هو في «صحيح مسلمٍ» فيه رَدٌّ على ما قالَه أحمدُ والبزَّار: إنَّما رُوِيَ الغَسْلُ عن عائشةَ مِن وجهٍ واحدٍ رواهُ عنه عمرُو بنُ ميمونٍ عن سليمانَ ولم يسمَعْ مِن عائشةَ، قال البزَّارُ: فلا يكون معارِضًا للأحاديثِ الَّتي فيها الفَرْكُ. قلتُ: قد رُوِيَ عنها الفَرْك في حالةٍ والغَسْلُ في أُخرى، فَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ و«صحيحِ أبي عَوانَةَ» مِن حديثِ عَمْرة عنها: ((كنتُ أَفْرُكُ المنيَّ مِن ثوبِه إذا كان يابِسًا، وأغسِلُهُ إذا كان رَطْبًا)).
          خامسُها: ترجَمَ البُخاريُّ أيضًا لغَسْلِ ما يُصيبُ مِن المرأةِ، ووجْهُ استنباطِه مِمَّا ذَكَرَهُ أنَّ منيَّه صلعم إنَّما كان مِن جِماعٍ لأنَّ الاحتلامَ مُمْتَنِعٌ في حقِّه، وإذا كان مِن جِماعٍ فلا بُدَّ أن يكونَ قد خالطَ الذَّكَرُ الَّذي خَرَجَ منه المنيُّ شيئًا مِن رُطوبةِ فَرْجِ المرأةِ، وكذا مرادُهُ بقولِه: (أَوْ غَيْرَهَا) في التَّرجَمَةِ الثَّانيةِ رُطوبةُ فَرْجِ المرأةِ.
          سادسُها: قولُه في التَّرجمَةِ: (فَلَمْ يَذْهَبْ أَثَرُهُ) ظاهرُ إيرادِهِ أنَّ المرادَ أَثَرُ المنِيِّ، ولهذا أورَدَ عَقِبَه الحديثَ أنَّ عائشةَ كانتْ تَغْسِلُ مِن ثوبِ رسولِ الله (ثُمَّ أُرَاهُ فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا) ورجَّحَهُ ابنُ بطَّالٍ إذْ قال: قولُه: (وَأَثَرُ الغَسْلِ) يحتملُ أنْ يكونَ معناهُ بَلَلُ الماءِ الَّذي غُسِلَ به الثَّوبُ والضَّميرُ راجعٌ فيه إلى أثَرِ الماءِ، فكأنَّه قالَ: وأَثَرُ الغَسْلِ بالماءِ بُقَعُ الماءِ فيه، يعني لا بُقَعُ الجنابَةِ. ويحتمل أن يكونَ معناهُ: وأَثَرُ الغَسْلِ يعني أثرَ الجَنابَةِ الَّتي غُسِلَتْ بالماءِ فيه بُقَعُ الماءِ الَّذي غُسلَتْ به الجنابةُ، والضَّميرُ فيه راجعٌ إلى أَثَرِ الجنابةِ لا إلى أَثَرِ الماء، وكِلا الوجهين جائزٌ.
          لكنْ قولُه في الحديثِ الآخَرِ أنها (كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صلعم، ثُمَّ أَرَاهُ فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا) يدُلُّ أنَّ تلكَ البُقَعَ كانتْ بُقَعَ المنيِّ وطَبْعَهُ لا محالة؛ لأنَّ العربَ أبدًا تَرُدُّ الضَّميرَ إلى أقربِ مذكورٍ وضميرُ المنيِّ في الحديثِ الآخَرِ أقرَبُ مِن ضميرِ الغَسْلِ.
          سابعُها: المرادُ بالجَنابةِ هُنا: المنيُّ مِن بابِ تسمِيَةِ الشَّيءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ، فإنَّ وجودَهُ سَبَبٌ لِبُعْدِهِ عن الصَّلاةِ ونحوِها.
          ثامنُها: في فوائِدِه:
          الأُولَى: ذَهَبَ الأكثرونَ مِن أهلِ العلْمِ إلى طهارةِ مَنيِّ الآدميِّ، وهو الأصحُّ عن الشَّافِعِيِّ وأحمدَ، وخالَفَ مالكٌ وأبو حنيفةَ فقالا بنجاسَتِهِ. قال مالكٌ: ويُغسَلُ رَطْبًا ويابِسًا، وقال أبو حنيفةَ: يُفرَكُ يابِسًا ويكفي في تطهيرِه. وسواءٌ في الخلافِ الرَّجُلُ والمرأَةُ وأغْرَبَ مَن نجَّسَهُ منها دونَه. والفَرْكُ دالٌّ على الطَّهارةِ إذْ لو كان نَجِسًا لم يَكْتَفِ به، وفَرَكَهُ تَنَزُّهًا وكذا الغَسْلُ. هذا حظُّ الحَدِيثِيِّ مِن المسألةِ وأمَّا الجَدَليُّ فمحلُّ الخَوٍضِ معه كُتُبُ الخلافيَّاتِ.
          الثَّانيةُ: خدمةُ المرأةِ لزوجِها في غَسْلِ ثيابِه وشِبْهِهِ خُصُوصًا إذا كانَ مِن أَمْرٍ يتعلَّقُ بها، وهُوَ مِن حُسْنِ العِشْرَةِ وجميلِ الصُّحبةِ.
          الثَّالثَةُ: نقْلُ أحوالِ الْمُقْتَدَى به وإنْ كان يُسْتَحْيَا مِن ذِكْرِها عادةً للاقتدَاءِ.
          الرَّابعَةُ: طهارةُ رُطوبةِ الفَرْجِ وقد سَلَفَ.
          الخامسةُ: أنَّ الأثَرَ الباقي بعدَ الغَسْلِ لا يَضُرُّ، وقدْ قاسَ البُخاريُّ سائرَ النَّجاساتِ على الجَنَابةِ.
          السَّادسةُ: الصَّلاةُ في الثَّوبِ الَّذي يُجامِعُ فيه والخروجُ به إلى المسجِدِ وقَبْلَ جفافِه.