التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: هل يمضمض من اللبن

          ░52▒ بَابٌ: هَلْ يُمَضْمِضُ مِنَ اللَّبَنِ؟
          211- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍوَقُتَيْبَةُ، قَالاَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ، وَقَالَ: (إِنَّ لَهُ دَسَمًا) تَابَعَهُ يُونُسُ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
          هذا الحَديثُ أخرجهُ البُخارِيُّ أيضًا في الأشرِبَةِ [خ¦5609] وأخرجهُ مسلمٌ أيضًا، ومتابعةُ يونُسَ أخرجَها مسلمٌ عن حَرْملَةَ عن ابنِ وهْبٍ حدَّثنا يونُسَ عن ابن شهابٍ به، وتابعَهُ أيضًا الأوزاعيُّ وعمْرُو بن الحارِثِ، وذَكَرَ ابنُ جَريرٍ الطَّبريُّ فيه اضطرابًا حيث رُوِيَ عن الزُّهريِّ عن ابن عبَّاسٍ وعنه عن عُبيدِ الله بحذْفِ ابنِ عبَّاسٍ، وذلك غيرُ قادحٍ.
          وفيه استحبابُ المضمضةِ مِن شُرْبِ اللَّبَنِ، ويلحقُ به غيرُه مِن المأكولِ والمشروبِ كما نصَّ عليه العلماءُ، لِئَلَّا تبقَى منه بقايا يبتلِعُها حالَ صلاتِه، ولِتَنْقَطِعَ لُزُوجَتُه ودَسَمُهُ ويتَطَهَّرَ فَمُهُ.
          واختلف العلماءُ في غَسْلِ اليَدِ قبْلَ الطَّعَامِ وبعْدَهُ، والأظهَرُ استحبابُهُ أَوَّلًا إلَّا أنْ يَتَيقَّنَ نظافةَ اليَدِ مِن الوَسَخِ والأنجاسِ، وبعْدَ الفَرَاغِ إلَّا ألَّا يبْقَى على اليَدِ أَثَرٌ للطَّعامِ بأنْ كان يابسًا أو لم يمسَّهُ بها، وقال مالكٌ: لا يُستحبُّ غَسْلُ اليَدِ للطَّعامِ إلَّا أنْ يكونَ على اليَدِ أَوَّلًا قَذَرٌ أو يبقَى عليها بعدَ الفراغِ رائِحَةٌ.
          قال المهلَّبُ: وقولُه: (إِنَّ لَهُ دَسَمًا) بيانُ العِلَّةِ الَّتي مِن أجْلِها أُمِرُوا بالوُضوءِ ممَّا مسَّتِ النَّارُ في أوَّلِ الإسلامِ، وذلكَ والله أعلمُ على ما كانوا عليه مِن قلَّةِ التَّنَظُّفِ في الجاهليَّةِ، فلمَّا تقرَّرتِ النَّظافةُ وشاعتْ في الإسلامِ نُسِخَ الوُضوءُ تيسيرًا على المؤمنينَ.
          وقال ابنُ جَريرٍ الطَّبريُّ في «تهذيبِه»: ليس في الخبَرِ إيجابُ المضمضَةِ ولا الوُضوءِ، إذْ كانت أفعالُهُ غيرَ لازمةٍ لأُمَّتِهِ العمَلُ بها إذا لم تكن بيانًا عن جُملَةِ فَرْضٍ في تنزيلِهِ. قلتُ: لكنْ في «سُنن أبي داود» مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ أيضًا مرفوعًا: ((مَضْمِضُوا مِنَ اللَّبَنِ فَإِنَّ لَهُ دَسَمًا)) وكذا مِن طريقَيْنِ آخَرَينِ. لكِنْ فيه مِن حديثِ أنَسٍ أنَّه ◙ ((شَرِبَ لَبَنًا فلم يُمضمِضْ ولم يتوضَّأْ وصَلَّى)) واستدلَّ به أبو حفْصٍ البغدادِيُّ على نَسْخِ المضمَضَة فيه.
          نعمْ، رُوِيَ عن أنسٍ أنَّه كان يمضمِضُ منه ثلاثًا، وكذا أبو مُوسى والحارِثُ الهَمْدَانيُّ، رواه ابنُ أبي شَيْبَةَ. وكان يَرَى الوُضوءَ منه أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ وأبو هُريرةَ قالا: لا وُضوءَ إلَّا مِن اللَّبَنِ. وعن ابنِ عونٍ: سألْتُ القاسِمَ عن المضمَضَةِ أو الوُضوءِ مِن اللَّبَنِ فقال: لا أعلَمُ به بأسًا. وَحُكِيَ أيضًا عن حُذيفةَ وغيرِه. وفي «سنن ابن ماجه» مِن طريقينِ: ((تَوَضَّؤوا من أَلْبَانِ الإِبلِ، وَلَا تَوَضَّؤوا مِنْ أَلْبَانِ الْغَنَمِ)) وإسنادُهُمَا فيه ضَعْفٌ.