التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب وضع الماء عند الخلاء

          ░10▒ بَابُ وَضْعِ المَاءِ عِنْدَ الخَلاَءِ.
          143- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلعم دَخَلَ الخَلاَءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا قَالَ: (مَنْ وَضَعَ هَذَا؟) فَأُخْبِرَ، فَقَالَ: (اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ).
          الكلامُ عليه مِن أوجُهٍ:
          أحدُها: في التَّعريفِ برجالِه:
          وقد سَلَفَ التَّعريفُ بابنِ عبَّاسٍ، وهذا مِن الأحاديثِ الَّتي صرَّح فيها بالسَّماعِ مِن رسولِ الله صلعم. و(عُبَيْدِ اللهِ) بن أبي يزيد مكِّيٌّ مِن الموالي تابعيٌّ رَوَى عن ابنِ عبَّاسٍ وجماعةٍ، وعنه شُعبةُ وجماعةٌ، ماتَ سنةَ ستٍّ وعشرينَ ومئة عن سِتٍّ وثمانينَ سنةً. و(وَرْقَاءُ) هو ابنُ عمرَ اليَشْكُرِيُّ أبو عمرٍو، رَوَى عن عُبيدِ الله هذا وغيرِه وعنه الفِريابيُّ ويَحيى بنُ آدمَ، صدوقٌ صالحٌ وليسَ في الكُتُبِ السِّتَّةِ ورقاءُ غيرُه، وكذا ليسَ في السِّتَّةِ عُبيدُ الله بنُ أبي يزيد غيرُ الأوَّلِ، نعمْ في النَّسائيِّ عُبيدُ الله بنُ يزيد الطَّائفِيُّ عنِ ابنِ عبَّاسٍ أيضًا، وعنه سعيدُ بن السَّائبِ وغيرُه، وُثِّقَ.
          وأمَّا (هَاشِمُ بْنُ القَاسِمِ) فهو أبو النَّضْرِ _ولقبُه قَيْصَر_ الحافظُ الثِّقَةُ، رَوَى عن عِكرِمَةَ وغيرِه، وعنه أحمدُ والحارثُ بنُ أبي أسامةَ، وهو صاحبُ سُنَّةٍ يفتَخِرُ به أهلُ بغداد، ماتَ سنةَ سبعٍ ومئتين عن ثلاثٍ وسبعينَ سنةً، وليس في السِّتَّةِ هاشمُ بن القاسم سواهُ، وفي ابنِ ماجه وحدَهُ هاشِمُ بن القاسِمِ الحرَّانيُّ شيخُه، ولا ثالث فيها سواهُما. و(عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ) هو المسنَدِيُّ، سلَفَ في باب أمور الإيمان.
          فائدةٌ: هذا الإسنادُ كلُّه على شرْطِ السِّتَّةِ خَلا شيخِ البخاريِّ فإنَّه مِن رجالِه ورجالِ التِّرمِذِيِّ فقطْ.
          الوجهُ الثَّاني: (الخَلاَءَ) ممدودٌ كما سلَفَ في البابِ قَبْلَهُ. والوَضُوءُ بفتْحِ الواوِ كما سَلَفَ أوَّلَ الوُضوءِ.
          الثَّالثُ: في فوائدِه:
          الأُولى: جوازُ الاستنجاءِ بالماءِ فإنَّ مِن المعلومِ أنَّ وضْعَ الماءِ عندَ الخَلاءِ إنَّما هو للاستنجاءِ به عندَ الحدَث، وهو رادٌّ على مَن أنكَرَ الاستنجاءَ به وقال: إنَّما ذلكَ وُضوءُ النِّساءِ، وقال: إنَّما كانوا يتمسَّحُونَ بالحِجارَةِ. ونَقَلَ ابنُ التِّينِ في «شرحه» عن مالكٍ أنَّه صلعم لم يستنْجِ عُمْرَهُ بالماءِ، وهو عجيبٌ منه.
          وقد عَقَد البُخاريُّ قريبًا بابًا للاستنجاءِ به، وذَكَرَ فيه أنَّه صلعم استنجَى به، وسنوضِّحُ الكلامَ عليه هناك إن شاء الله تعالى، وفي «صحيحِ ابنِ حِبَّان» مِن حديثِ عائشةَ ♦ قالتْ: ((ما رأيتُ رسولَ الله صلعم خَرجَ مِن غائطٍ قَطُّ إلَّا مَسَّ ماءً)).
          وفي «جامِعِ الترمذيِّ» مِن حديثِها أيضًا أنَّها قالت: ((مُرْنَ أزواجكنَّ أن يغتسلوا إثرَ الغَائطِ والبَولِ، فإنَّه صلعم كان يفعلُهُ)) ثُمَّ قال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وفي «صحيحِ ابنِ حِبَّان» أيضًا مِن حديثِ أبي هُريرة ☺: ((أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَضَى حَاجَتَهُ، ثمَّ اسْتَنْجَى مِن تَوْرٍ)).
          وفي «كتاب ابن بطَّال» أنَّ مالكًا رَوَى في «موطَّئه» عن عمرَ: أنَّه كانَ يَتَوَضَّأُ بالماءِ وُضوءًا لِمَا تحتَ إزارِه. قال مالكٌ: يريدُ الاستنجاءَ بالماءِ.
          الثَّانيةُ: خِدمةُ العالِم ومراعاتُه حتَّى حالَ دخولِه الخَلاءَ والتقرُّبُ بخِدْمتِه.
          الثَّالثةُ: الدُّعاءُ مكافأةً لمن منه إحسانٌ أو معروفٌ فإنَّه صلعم سُرَّ بابن عبَّاس بتنبُّهِه إلى ذلكَ. وقال الدَّاودِيُّ: فيه دِلالةٌ على أنَّه ربَّما لا يستنجِي عندما يأتي الخَلاء لئلَّا يكونَ ذلكَ سُنَّةً لأنَّه لمْ يأمُرْ بوضْعِ الماءِ، قد اتَّبَعَهُ عمرُ بالماءِ فقال: ((لو اسْتَنْجَيْتُ كلَّمَا أَتَيْتُ الخَلَاءَ لَكَانَ سُنَّةً)) وفيمَا ذكرَهُ نَظَرٌ، وما استشهدَ به حديثٌ ضعيفٌ.