التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء

          ░17▒ بَابُ حَمْلِ العَنَزَةِ مَعَ المَاءِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ.
          152- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ الله صلعم يَدْخُلُ الخَلاَءَ، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلاَمٌ إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً، يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ. تَابَعَهُ النَّضْرُ وَشَاذَانُ، عَنْ شُعْبَةَ.
          هذا الحديث سلف الكلام عليه قريبًا سندًا ومتنًا.
          و(مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) سَلَفَ في الإيمانِ ولقَبَهُ بُنْدَارٌ لأنَّه كانَ مُكثِرًا مِن الحديثِ، والبُنْدَارُ مَن يكونُ مُكثِرًا مِن شيءٍ يشتريه منه مَن هو دونه ثُمَّ يبيعُه، قاله أبو سعدٍ السَّمعانِيُّ. و(مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) هو غُنْدَرٌ وقد سَلَفَ.
          و(النَّضْرُ) هو ابنُ شُمَيلِ بن خَرَشَة أبو الحسن المازنيُّ البصريُّ الحافظُ اللُّغويُّ عالمُ أهلِ مَرْوٍ وقاضِيها، كانَ أوَّلَ مَن أظهرَ السُّنَّة بمرْوٍ وبخراسانَ، ألَّف كُتُبًا لم يُسبَقَ إليها، رَوَى عن شُعبة وغيرِه وعنه محمودُ بنُ غيلان وغيرُه. ماتَ آخِرَ سنةِ ثلاثٍ أو أربعٍ ومئتينِ عن نَيِّفٍ وثمانينَ سنة.
          و(شَاذَانُ) لقَبُ الأسودِ بن عامرٍ الشَّاميِّ البَغداديِّ أبو عبدِ الرَّحمن، رَوَى عن شُعبةَ وخَلْقٍ وعنهُ الدَّارِميُّ وخَلْقٌ، ماتَ سنةَ ثماني ومئتينِ، وقيل سنة سبعٍ.
          فائدةٌ: شَاذَانُ أيضًا لقبُ عبدِ العزيزِ بن عثمان بن جَبَلةَ الأزديِّ مولاهم المَرْوَزِيِّ، أخرجَ له البُخاريُّ والنَّسائيُّ وهو والدُ خَلَفِ بن شَاذَان.
          فائدةٌ ثانيةٌ: هذا الإسناد كلُّهم بصريُّون إلَّا شَاذانَ فبغداديٌّ.
          وقولُه: (تَابَعَهُ النَّضْرُ وَشَاذَانُ عَنْ شُعْبَةَ) يعني على لفظِ: (يَسْتَنْجِي بِهِ) وهذه المتابعةُ أخرجَها.
          والعَنَزَةُ _بفتْحِ العينِ والنُّونِ والزَّايِ_ عصًا في أسفلِها زُجٌّ، وهلْ هي قصيرةٌ أو طويلةٌ؟ فيه اضطرابٌ لأهْلِ اللُّغةِ، صحَّحَ الأوَّلَ القاضي عياضٌ، والثَّاني النَّوويُّ في «شرحه» وجَزَمَ القُرطُبيُّ في بابِ مَن قَدِم مِن سفر بأنَّها عصًا مثْلُ نصْفِ الرُّمحِ أو أكثرُ وفيها زُجٌّ، ونقلَهُ عن أبي عُبَيْدٍ. وفي «غريبِ ابنِ الجوزيِّ» أنَّها مِثْلُ الحَرْبَةِ. قال الثَّعالِبيُّ: فإنْ طالتْ شيئًا فهي النَّيزَكُ ومِطْرَدٌ، فإذا زادَ طولُها وفيها سِنانٌ عريضٌ فهي آلةٌ وحَرْبَةٌ. وقال ابنُ التِّينِ: العَنَزةُ أطوَلُ مِن العَصَا وأقصَرُ مِن الرُّمحِ، وفيه زُجٌّ كَزُجِّ الرُّمحِ، وعبارةُ الدَّاوُديِّ: العَنَزةُ العُكَّازُ أو الرُّمْحُ أو الحرْبَةُ أو نحوُها يكونُ في أسفلِها قرنٌ أو زُجٌّ.
          فائدةٌ: هذه العنَزَةٌ أهداها له النَّجاشيُّ ☺، وكان صلعم يستصحِبُها معه لِيُصلِّي إليها في الفضاءِ، قيل: ولِيَتَّقِي بها كيْدَ المنافقينَ واليهودِ فإنَّهم كانوا يرُومُونَ قتْلَهُ واغتيالَه بكلِّ حالةٍ، ومِن أجْلِ هذا اتَّخَذَ الأمراءُ المشْيَ أَمَامَهم بها.
          وذَكَرَ بعضُ شُرَّاح «المصابيح» أنَّ لها فوائد: دفْعُ العدُوِّ، واتِّقاءُ السَّبُع، ونبْشُ الأرضِ الصُّلبَةِ عندَ قضاءِ الحاجةِ خشيةَ الرَّشَاشِ، وتعليقُ الأمتعةِ بها، والتَّوكُّؤُ عليها، والسُّترةُ بها في الصَّلاةِ، وفيها مآربُ أُخرى، ويبعدُ أن يكونَ يُستَتَرُ بها في قضاءِ الحاجة وإن كان في تبويبِ البُخاريِّ ما قدْ يُوهِمُه، فإنَّ ضابِطَ السُّترةِ ما يستُرُ الأسافِلَ.