التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الرجل يوضئ صاحبه

          ░35▒ بَابُ الرَّجُلِ يُوَضِّئُ صَاحِبَهُ.
          181- حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم لَمَّا أَفَاضَ مِنْ عَرَفةَ عَدَلَ إِلَى الشِّعْبِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، قَالَ أُسَامَة: فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله أَتُصَلِّي؟ قَالَ: (الْمُصَلَّى أَمَامَكَ).
          هذا الحديثُ سَلَفَ الكلامُ عليه في بابِ إسباغِ الوُضوءِ [خ¦139] واشتَهَرَ عن يَحيى بن سعيدٍ فرواهُ عنه يزيدٌ وحمَّادُ بن زيدٍ واللَّيثُ، ورواهُ عن يزيدٍ محمَّدُ بن سَلَامٍ وغيرُه.
          وقولُه: (فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ) هو موضِعُ التَّرجمةِ، وهو قولُ جماعةِ العلماءِ كما نقلَهُ عنهم ابنُ بطَّالٍ، وهو رَدٌّ لِمَا رُوِيَ عنِ ابنِ عمرَ وعليٍّ أنَّهما نَهَيا أن يُستقَى لهمَا الماءُ لوضوئِهما وقالا: نَكْرَهُ أنْ يَشْرَكَنَا في الوُضوء أحدٌ، ورَوَيَا ذلك عن رسولِ الله صلعم. ورُوِيَ عن ابنِ عمَرَ: ما أُبَالي أعانَنِي رَجُلٌ على طُهُوري أو على رُكوعِي وسُجُودِي.
          قال الطَّبريُّ: وقد صحَّ عن ابن عمرَ أنَّ ابنَ عبَّاسٍ صبَّ على يَدَيْ عمرَ الوَضوءَ بطريقِ مَكَّةَ، حينَ سألَهُ عن المرأتَينِ اللَّتينِ تظاهرَتَا على رسولِ الله صلعم. وثبتَ عن ابن عمرَ خلافُ ما ذُكِرَ عنه: رَوَى شعبةُ عن أبي بشير عن مجاهدٍ أنَّه كان يسكُبُ على ابنِ عمرَ الماءَ ويغسِلُ / رِجلَيْهِ، وهذا أصحُّ مِمَّا خالَفَهُ عنِ ابنِ عمرَ لأنَّ راوِيهِ أيفَعُ وهو مجهولٌ.
          والحديثُ عن عليٍّ لا يصحُّ لأنَّ رَاوِيَه النَّضْرُ بنُ منصورٍ عن أبي الجَنُوبِ عن عَلِيٍّ، وهما غيرُ حُجَّةٍ في الدِّين فلا يُعتدُّ بنقلِهِما، ولو صحَّ ذلك عن عمرَ لم يكن بالَّذي يُبيحُ لابن عَبَّاسٍ صَبَّ الماءِ على يدَيْهِ للوُضوءِ إذْ ذاك أقربُ للمعونةِ مِن استقاءِ الماءِ له، ومحالٌ أن يمنَعَ عمرُ استقاءَ الماءِ له ويُبيحَ صَبَّ الماءِ عليه للوُضوءِ مع سماعِه مِن رسول الله صلعم الكراهِيَةَ لذلك.
          ومِمَّن كان يستعينُ على وضوئِه بغيرِه مِن السَّلَفِ: قال الحسَنُ: رأيتُ عثمانَ أميرَ المؤمنينَ يُصَبُّ عليه مِن إبريقٍ، وفَعَلَهُ عبدُ الرحمن بنُ أَبْزَى والضَّحَّاكُ بن مُزَاحمٍ، وقال أبو الضُّحَى: لا بأسَ للمريضِ أنْ تُوَضِّئَهُ الحائضُ.
          قال غيرُه: واستدَلَّ البُخاري مِن صَبِّ الماءِ عليه عندَ الوُضوءِ أنَّه يجوزُ للرَّجُلِ أن يوضِّئَهُ غيرُه؛ لأنَّه لَمَّا لَزِمَ المتوضِّئَ اغترافُ الماءِ مِن الإناءِ لأعضائِه وجاز له أنْ يكفِيَه ذلكَ غيرُه بدليلِ صَبِّ أسامةَ الماءَ على الشَّارعِ لوضوئِه، والاغترافُ بعضُ عَمَلِ الوُضوءِ، فكذلكَ يجوزُ سائرُ الوُضوءِ، وهذا مِن بابِ القُرُباتِ الَّتي يجوزُ أن يعمَلَها الرَّجُلُ عن غيرِه بخلافِ الصلاة. ولَمَّا أجمعُوا على أنَّه جائِزٌ للمريضِ الاستعانةُ في الوُضوءِ والتَّيمُّمِ إذا لم يستطِعْ، ولا يجوز أن يُصلَّى عنه إذا لم يستطِعْ دلَّ على أنَّ حُكْمَ الوُضوءِ بخلافِ حُكْمِ الصَّلاةِ.
          قلتُ: وأصْرَحُ في الدِّلالةِ مِن حديثِ أسامةَ _لأنَّه ليسَ فيه استدعاءُ صَبٍّ إنَّما فيه إقرارُهُ عليه_ ما أخرجَهُ التِّرمِذِيُّ وحسَّنَهُ مِن حديثِ ابن عَقِيل، عن الرُّبَيِّعِ بنت مُعَوِّذ قالت: أتيتُ النَّبيَّ صلعم بميضأةٍ فقال: ((اسْكُبِي)) فسكبْتُ، فَذَكَرَتْ وُضُوءَهُ. وأخرجَهُ الحاكِمُ في «مستدرَكِه» وقال: الشَّيخانِ لم يحتَجَّا بابن عَقيلٍ وهو مستقيمُ الحديثِ مُقدَّمٌ في الشَّرَفِ.
          وجزم بذلكَ ابنُ الْمُنَيِّرِ فقالَ في كلامِه على أبوابِ البُخاريِّ: قاس البُخاريُّ تَوْضِئَةَ الغَيْرِ له على صَبِّهِ عليه لاجتماعِهِما في معنى الإعانةِ على أداءِ الطَّاعةِ.