التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الوضوء من غير حدث

          ░54▒ بَابُ الوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ.
          214- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا. ح. وحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صلعم يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ) قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: يُجْزِئُ أَحَدَنَا الوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ.
          215- حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ، أَخْبَرَنِي سُوَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ. الحديث.
          وقد سَلَفَ في باب مَن مَضْمَضَ مِن السَّوِيقِ [خ¦209] وإنَّما ساقَ البُخاريُّ هذا الحديثَ عَقِبَ الأوَّلِ لِيُنبِّهَ على أنَّه صلعم كانَ يأخُذُ بالأفضلِ في تجديدِ الوُضوءِ مِن غيرِ حدَث لا أنَّه واجبٌ عليه، بدليلِ حديثِ سُويدٍ وكلاهُما مِن أفرادِ البُخاريِّ.
          و(سُفْيَانُ) المذكورُ في الإسنادِ هو الثَّوريُّ، والرَّاوي عنه هو (مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) الفِريابيُّ، ولم نعلَمْ أنَّ ابنَ عُيَيْنَةَ رَوَى عن عمْرِو بن عامِرٍ، وأتَى به ثانيًا نازِلًا لتصْرِيحِ سُفيانَ بالتَّحديثِ فيه. ورواهُ التِّرمِذِيُّ مِن حديثِ حُميدٍ أيضًا عن أنسٍ ثمَّ قال: حسنٌ غريبٌ، والمشهور عندَ أهل الحديث حديثُ عمرٍو قال: ولم يعرفه البُخاريُّ مِن هذا الوجهِ وجَهَّلَ راوِيَهُ.
          وفي «صحيحِ ابنِ خُزيمة» مِن حديثِ عامرٍ الغَسيل: ((أنَّه صلعم أُمِرَ بالوضوء عِنْدَ كلِّ صلاةٍ طاهرًا أو غيرَ طاهرٍ، فلمَّا شقَّ ذلكَ عَلَيه أُمِرَ بالسِّواك عِنْدَ كلِّ صَلَاةٍ ووُضِعَ عنه الوُضُوءُ إلَّا مِن حَدَثٍ)) فكانَ ابنُ عمرَ يَرَى أنَّ به قُوَّةً على ذلكَ فَفَعَلَهُ حتَّى ماتَ. قلتُ: وهو أيضًا رَاوِي الحديثِ الضَّعيفِ: ((مَن تَوَضَّأ عَلَى طُهُرٍ، كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ)) قال عن نفْسِه: وإنَّما رَغِبْتُ في الحسناتِ، وقد كانَ شديدَ الاتِّبَاعِ للآثارِ.
          وفي أفرادِ مُسلمٍ مِن حديثِ بُرَيدة بن الحُصَيبِ أنَّه صلعم صلَّى الصَّلواتِ يومَ الفَتْحِ بِوُضُوءٍ واحدٍ ومَسَحَ على خُفَّيهِ فقال له عمرُ: صنعْتَ اليومَ شيئًا لم تكنْ تَصْنَعُهُ، فقال: ((عَمْدًا صَنَعْتُهُ يا عُمَرُ)).
          وقد أسلفْنَا في أوَّلِ بابِ الوُضوءِ أنَّ جماعةً مِن السَّلَفِ ذهبُوا إلى إيجابِ الوُضوءِ لكلِّ صلاةِ فرْضٍ، وأنَّ قومًا ادَّعَوا نَسْخَهُ يومَ الفَتْحِ، وحديثُ بُرَيدةَ هذا دالٌّ له، وكذا حديثُ عامرٍ وأنَّ الإجماعَ استقرَّ على أنَّه يُصلِّي به ما شاء وأنَّ تجديدَه لكلِّ صلاةٍ مندوبٌ، ويحتمل أن يكونَ ذلكَ مِن خصائصِه. قال ابنُ شاهين: ولم يبلغنا أنَّ أحدًا مِن الصَّحابةِ والتَّابعينَ كانوا يتعمَّدُونَ الوُضوءَ لكُلِّ صلاةٍ، يعني إلَّا ابنَ عمرَ. كذا قال.
          ورَوَى ابنُ أبي شَيبَةَ عن وكيعٍ عن ابنِ عَوْنٍ عن ابن سيرينَ: كان الخلفاءُ يتوضَّؤون لكلِّ صلاةٍ. وفي لفظٍ: كانَ أبو بَكْرٍ وعُمَرُ وعُثْمَانُ يتوضَّؤونَ لكلِّ صَلَاةٍ، فإذا كانوا في المسجِدِ / دَعَوْا بالطَّسْتِ. وقال عليٌّ: قال تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة:6] وقال ابنُ عمرَ: كان فَرْضًا ثم نُسِخَ بالتَّخفيفِ.
          وقولُ أنسٍ: (يُجْزِئُ أَحَدَنَا الوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ) دالٌّ على أنَّ الوُضوءَ مِن غيرِ حَدَثٍ غيرُ واجبٍ، ويشهد له حديثُ سُويدٍ الَّذي بعدَه، وفَعَلَ ذلك ليُرِيَ أمَّته أنَّ ما يلتزِمُه في خاصَّتِه مِن الوُضوءِ لِكُلِّ صلاةٍ غيرُ لازمٍ كما سَلَفَ.
          واختلفَ أصحابُنا متى يُستحَبُّ التَّجديدُ على أوجُهٍ أصحُّها عندَهُم: أنَّه إنَّما يُستحبُّ إذا صلَّى بالأوَّلِ صلاةً ما ولو نَفْلًا، دونَ ما إذا مَسَّ به مصحفًا أو سَجَدَ لِتِلَاوَةٍ ونحوِها، والمسألةُ بسطْتُها في كتُبُ الفُروعِ.