التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ

          ░51▒ بَابُ مَنْ مَضْمَضَ مِنَ السَّوِيقِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
          209- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ _مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ_ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ، (أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صلعم عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ _وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ_ نَزَلَ فَصَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ، فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ، فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَأَكَلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى المَغْرِبِ، فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ).
          210- حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم أَكَلَ عِنْدَهَا كَتِفًا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ).
          الكلام عليهِما من أوجه:
          أحدُها: حديثُ ابنِ عبَّاسٍ السَّالِفُ أخرجه مسلمٌ أيضًا، وفي «مسند إسماعيل القاضي» أنَّ ذلك كانَ في بيتِ ضُباعَةَ بنتِ الحارِثِ. وقال يزيدُ بن هارون: بنتِ الزُّبَيرِ.
          وحديثُ عمرِو بنِ أُميَّةَ أخرجهُ هُنا، وفي الصَّلاةِ في بابِ إذا دُعيَ الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل [خ¦675] وفي الجهادِ في بابِ ما يُذكَرُ في السِّكِّينِ [خ¦2923] وفي الأطعمة أيضًا. [خ¦5408] وأخرجه مسلم أيضًا.
          وحديثُ سُوَيدٍ سيأتي قريبًا أيضًا [خ¦215] وأخرجَهُ في المغازي في موضعينِ [خ¦4175] [خ¦4195] وفي الأطعمة في ثلاثة مواضع [خ¦5384] [خ¦5390] [خ¦5454] [خ¦5455] وهو مِن أفرادِ البُخاريِّ بل لم يُخرِّجْ مسلمٌ عن سُويدٍ هذا في «صحيحِه» شيئًا.
          وحديثُ ميمونةَ أخرجه مسلمٌ أيضًا ولم يَذْكُرِ السَّوِيقَ فيه فليس مطابقًا لِمَا ترجم له، ولم يَذْكُرِ السَّوِيقَ أيضًا في أحاديثِ البابِ الأوَّلِ مع أنَّه ترجِمِ له وكأنَّه أرادَ أن يستنبِطَه منه، ولو جمعهُما في بابٍ واحدٍ كان أَوْلَى، وقد وُجِد كذلك في بعضِ النُّسَخِ.
          ثانيها: (عُقَيْلٍ) بضمِّ أَوَّلِهِ. و(بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ) بِضَمِّ الباءِ الموحَّدَةِ، وهو تابعيٌّ وليسَ في الكُتُبِ السِّتَّةِ بُشَيْرُ بن يَسَارٍ غيرُه. و(سُوَيْدَ) هذا صحابيٌّ أَوْسِيٌّ ممَّن بايعَ تحتَ الشَّجَرَةِ، وليسَ في الصَّحابةِ سُويدُ بنُ النُّعمانِ سِواهُ.
          ثالثها: (يَحْتَزُّ) أي يقْطَع. و(السِّكِّينَ) تُذكَّرُ وتُؤنَّثُ، سُمِّيَتْ بذلكَ لتَسْكِينِها حَرَكَةَ المذبوحِ.
          و(خَيْبَرَ) كانتْ في جُمَادَى الأُولَى سنةَ سَبْعٍ، قالَهُ ابنُ سَعْدٍ، وقالَ ابنُ إسحاقَ: خَرَجَ صلعم في بقيَّةِ المحرَّمِ، ولم يبق مِن السَّنَةِ السَّادِسَةِ إلَّا شهرٌ وأيَّامُ، وسُمِّيتْ بِاسْمِ رجُلٍ مِن العَمَاليقِ نَزَلَها واسُمه خَيبرُ بن قانية بن مهلائيل، وبينها وبين المدينة ثمانيةُ بُرُد. قال أبو عُبيد: وكان عثمانُ مَصَّرَها.
          واختلَفُوا _كما قال القاضي عِياضٌ_ هل فُتِحَتْ صُلحًا أو عَنوَةً أو جَلَا أهُلها عنها بغيرِ قتالٍ أو بعضُها صُلْحًا وبعضُها عَنوةً وبعضُها جَلا أهلُها عنها بغيرِ قتالٍ؟ وعلى كلِّ ذلك تدلُّ الأحاديثُ الواردةُ.
          والصَّهْبَاءُ موضِعٌ على رَوْحَةٍ مِن خيبَرَ كما ذكرَهُ البُخاريُّ في موضِعٍ آخَرَ [خ¦5384] وفي روايةٍ له: (وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ) وقال البَكْرِيُّ: على بَرِيدٍ، على لفظِ تأنيثِ أصْهَبَ.
          والسَّوِيقُ معروفٌ، والصَّادُ فيه لغةٌ كما قاله صاحبُ «المحكم»، سُمِّيَ بذلك لانسياقِه في الحَلْقِ.
          وقولُه: (فَثُرِّيَ) أي صُبَّ عليه ماءٌ ثُمَّ لُتَّ، وفُعِلَ به ذلك لِمَا لَحِقَهُ مِن اليُبْسِ والقِدَمِ.
          ووجْهُ المضمَضَةِ منه أنَّه ربَّما احتَبَسَ في الأَسْنَانِ ونواحِي الفَمِ فَرُبَّما شَغَلَ المصلِّيَ بما يَتَتَبَّعُهُ بلسانِه.
          رابعُها: وهو مقصودُ البَابَينِ، أنَّه لا وُضوءَ ممَّا مسَّتِ النَّارُ، وقد صحَّ في عِدَّةِ أحاديثَ كثيرةٍ الوضوءُ منه، وهو عند الجمهورِ مِن الصَّحابةِ والتَّابعينَ منسوخٌ، وبه قال الأئمَّةُ الأربعةُ وأنَّه / آخِرُ الأمْرِ، وقد كان فيه خلافٌ لبعضِهم في الصَّدْرِ الأوَّلِ ثُمَّ وقعَ الإجماعُ على خلافِه، وحَمَلَ بعضُهم الوُضوءَ على اللُّغَوِيِّ وهو غَسْلُ الفَمِ والكفَّيْنِ دونَ الشَّرْعِيِّ.
          وصحَّ الأمْرُ بالوُضوءِ مِن لُحومِ الإبِلِ مِن حديثِ البَرَاءِ وجابرِ بنِ سَمُرَةَ، وقال به أحمدُ وجماعةُ أهلِ الحديثِ، وعامَّةُ الفقهاءِ على خلافِه وأنَّ المرادَ به النَّظافَةُ ونَفْيُ الزُّهومَةِ.
          إذا عرفْتَ ذلكَ ففي أحاديثِ البابِ أحكامٌ أُخَرُ:
          الأوَّلُ: إباحةُ الزَّادِ في السَّفَرِ خلافًا لمن تنطَّعَ في ذلكَ.
          الثَّاني: نَظَرُ الإمامِ لأهْلِ العسْكَرِ عند قلَّة الأزْوَادِ وجمْعُها لِيَقُوتَ مَن لا زادَ معه مِن أصحابه.
          الثَّالثُ: أنَّ القوم إذا فَنِيَ أكثَرُ زادِهِم فواجبٌ أن يتَوَاسَوْا في زَادِ مَن بَقِيَ مِن زَادِهِ شَيْءٌ.
          الرَّابِعُ: أنَّ للسُّلطانِ أنْ يأخُذَ المحتكِرِينَ بإخراج الطَّعامِ إلى الأسواقِ عندَ قِلَّتِهِ فيَبِيعُوهُ مِن أهل الحاجَةِ بسِعْرِ ذلك اليومِ.
          الخامسُ: جوازُ قَطْعِ اللَّحْمِ بالسِّكِّينِ لدُعاءِ الحاجَةِ إليه لصَلَابَةِ اللَّحْمِ وكِبَرِ القِطْعَةِ. نَعَمْ، يُكرَهُ مِن غيرِ حاجةٍ. قال ابنُ التِّينِ: وإنَّما نَهَى عن قطْعِ الخُبْزِ بالسِّكِّينِ. قاله الخطَّابيُّ.
          السَّادِسُ: جوازُ بل استحبابُ استدعاءِ الأئمَّةِ للصَّلاةِ إذا حَضَرَ وقتُها.
          السَّابعُ: قَبول الشَّهادةِ على النَّفْيِ إذا كان المنفيُّ محصورًا مثل هذا، أعني قولَه: (وَلَمْ يَتَوَضَّأْ).