التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب فضل الوضوء والغر المحجلون من آثار الوضوء

          ░3▒ بَابُ فَضْلِ الوُضُوءِ، وَالغُرِّ المُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ:
          136- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ نُعَيْمٍ المُجْمِرِ، قَالَ: رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ المَسْجِدِ، فَتَوَضَّأَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: (إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ).
          الكلام عليه مِنْ وجوهٍ:
          أحدها: هذا الحديث أخرجه مسلمٌ أيضًا في الطَّهارة، وله: ((يأتون)) بدل: ((يُدْعَوْنَ)).
          ثانيها: في التَّعريف برواته:
          وقد سلف التَّعريف بهم خلا ثلاثةٍ:
          أوَّلهم: أبو عبد الله نُعَيم بن عبد الله، وقيل: محمَّدُ المدنيُّ العدويُّ مولى آل عمر المجْمِر، بتخفيف الميم، ويُقال: بتشديدها، كان يبخِّر المسجد، وقيل: إنَّ أباه كان يأخذ المجمَر قُدَّام عمر بن الخطَّاب إذا خرج إلى الصَّلاة في رمضان، وبه جزم ابن حبَّان في «ثقاته».
          وجزم النَّوويُّ في «شرح مسلمٍ» بأنَّ المجمِر صفةٌ لعبد الله، وتُطلق على ابنه نعُيَمٍ مجازًا، قال ذلك مع جزمه أوَّلًا بأنَّ نعيمًا هو الذي كان يبخِّر المسجد، فتأمَّله.
          روى عن أبي هريرة، وجابرٍ وغيرهما، وعنه ابنه محمَّدٌ ومالكٌ وجماعةٌ. وثَّقه أبو حاتمٍ وجماعةٌ، وجالس أبا هريرة عشرين سنةً.
          فائدةٌ: في الصَّحابة نُعَيم بن عبد الله النَّحَّام، وهو مِنَ الأفراد، وفيهم نُعَيمٌ جماعةٌ بدون ابن عبد الله.
          فائدةٌ: (مِجْمَر) يشتبه بمِخْمَرٍ، بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الميم الثانية، وهم جماعةٌ سردهم ابن ماكُولا منهم: ذو مِخمَرٍ ابن أخي النَّجاشيِّ، له صحبةٌ، ويقال: مِخْبَر بالباء الموحَّدة بدل الميم.
          ثانيهم: سعيد بن أبي هلالٍ اللَّيثيُّ، مولاهم أبو العلاء المدنيُّ، روى عن نافعٍ، ونُعَيمٌ وجماعةٌ، وعنه اللَّيث بن سعدٍ وغيره، مات سنة خمسٍ وثلاثين ومائةٍ.
          ثالثهم: خالدٌ وهو ابن يزيد، أبو عبد الرَّحيم المصريُّ الفقيه، روى عن عطاءٍ والزُّهريِّ، وعنه اللَّيث وغيره، ثقةٌ، مات سنة تسعٍ وثلاثين ومائةٍ.
          ثالثها: هذا الإسناد جميع رجاله مِنْ فرسان «الصَّحيحين»، وباقي الكتب الستَّةِ إلَّا يحيى بن بُكَير، فإنَّه مِنْ رجال البخاريِّ ومسلمٍ وابن ماجه فقط، وفيه لطيفةٌ أيضًا وهو أنَّ النصف الأوَّلَ مِنْ إسناده مصريُّون والنِّصف الثَّاني مدنيُّون.
          رابعها: هذا الحديث رواه مع أبي هريرة سبعةٌ / مِنَ الصَّحابة، ذكرهم ابن مَنْدَه في «مستخرجه»: ابن مسعودٍ وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخُدْريُّ وأبو أُمَامة الباهليُّ وأبو ذرِّ الغِفَاريُّ وعبد الله بن بُسْرٍ المازنيُّ وحُذَيفة بن اليَمَان ♥.
          خامسها: في ألفاظه ومعانيه وفوائده:
          أحدها: قوله (رَقِيتُ) هو بكسر القاف، أي: صعدت، هذه اللُّغة الصَّحيحة المشهورة، وحكى صاحب «المطالع» فتح القاف مِنْ غير همزٍ ومعه، فحصل ثلاث لغاتٍ.
          وقال كُرَاعٌ: الهمز أجود، وخالفه صاحب «الجامع» فقال: عدمه أصحُّ، وقال الزَّمَخْشَريُّ: لا أعلم صحَّة الفتح، وهذا كلُّه مِنَ الرُّقيِّ، أمَّا مِنَ الرُّقيَة فرقَيت بالفتح، كما اختاره ثعلبٌ في «فصيحه».
          ثانيها: (الأُمَّةُ) تُطلق بإزاء أمورٍ ليس هذا موضع الخوض فيها وقد ذكرتها في «شرح العمدة»، والمراد هنا أتباعه عليه أفضل الصلاة والسلام جعلنا الله منهم.
          ثالثها: (يَوْمَ) مِنَ الأسماء الشَّاذَّةِ لوقوع الفاء والعين فيه حرفي علَّةٍ، فهو مِنْ باب: ويلٌ وويحٌ. و(القيامة) فعالةٌ مِنْ قام يقوم، أصله القوامة، فقُلبت الواو فيه ياءً لانكسار ما قبلها.
          رابعها: قوله: (غُرًّا مُحَجَّلِينَ) هما منصوبان على الحال مِنَ الضَّمير في: (يُدْعَوْنَ)، وهو الواو، والأصل: يدعوون، بواوين تحرَّكت الأولى وانفتح ما قبلها قُلبت ألفًا، اجتمع ساكنان: الألف والواو بعدها فحُذفت الألف لالتقاء السَّاكنين، فصار (يُدْعَوْنَ)، والمعنى والله أعلم: يدعون إلى موقف الحساب أو إلى الميزان أو إلى غير ذلك.
          قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين القُشَيريُّ في «شرح العمدة»: ويحتمل أيضًا أنْ يكون مفعولًا لـ(يُدْعَوْنَ) بمعنى: التَّسمية، أي: يُسمُّون غرًّا، قال: والحال أقرب، وتعدَّى يُدْعَوْن في المعنى بالحرف، كما قال تعالى: {يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ الله} [آل عمران:23]، ويجوز ألَّا يُعدَّى (يُدْعَوْنَ) بالحرف، وتكون (غُرًّا) حالًا أيضًا.
          خامسها: الغُرَّة: بياضٌ في جبهة الفرس، والتَّحْجِيْلُ: بياضٌ في يديها ورجليها، فسُمِّي النُّور الذي يكون على مواضع الوضوء يوم القيامة غرًّا وتحجيلًا تشبيهًا بذلك.
          قال ابن سِيدَه: الغُرَّة: بياضٌ في الجبهة، فرسٌ أغرُّ وغرَّاء، وقيل: الأغرُّ مِنَ الخيل: الذي غرُّته أكبر مِنَ الدِّرهم، قد وَسَطَت جبهته، ولم تُصَب واحدةً مِنَ العينين ولم تَمِل على واحدٍ مِنَ الخدَّين، ولم تَسِل سُفْلى، وهي أفشى مِنَ القُرْحة. وقال بعضهم: بل يُقال للأغرِّ: أغرُّ أَقْرَح لأنَّك إذا قلت: أغرَّ فلا بدَّ أن تَصِف الغرَّة بالطُّول والعرض والصِّغر والعِظم والدَّقَّة، وكلُّهنَّ غُرَرٌ، فالغرَّة جامعةٌ لهنَّ.
          وغُرَّة الفرس: البياض يكون في وجهه، فإن كانت مدوَّرةً فهو وتيرةٌ، وإن كانت طويلةً فهي شادِخةٌ، وعندي أنَّ الغُرَّة نفس القَدْر الذي يشغلُهُ البياض.
          والأغرُّ الأبيض مِنْ كلِّ شيءٍ، وقد غرَّ وجهه يَغَرُّ _بالفتح_ غررةً وغرَّةً وغرارةً، صار ذا غرَّةٍ. قال: والتَّحجيل بياضٌ يكون في قوائم الفرس كلِّها، وقيل: هو أن يكون البياض في ثلاث قوائم منهنَّ دون الأخرى في رِجْلٍ ويدَيْن، ولا يكون التَّحجيل في اليدين خاصَّةً إلَّا مع الرِّجْلين، ولا في يدٍ واحدةٍ دون الأخرى إلَّا مع الرِّجْلين، والتَّحجيل: بياضٌ قلَّ أو كثر حتَّى يبلغ نصف الوَظِيف، ويكون سائره ما كان.
          وفي «الصِّحاح»: تجاوز الأرساغ ولا تجاوز الركبتين ولا العُرْقوبين. وفي «المغيث» لأبي موسى المدينيِّ: فإذا كان البياض في طرف اليد فهو العَصْمة، يُقال: فرسٌ أعصم.
          سادسها: المراد بالغرَّة: غسل شيءٍ مِنْ مقدِّم الرَّأس وما يجاوز الوجه زائدًا على الجزء الذي يجِبُ غسله لاستيعاب كمال الوجه، وفي التَّحجيل غسل ما فوق المرفقين والكعبين.
          وادَّعى ابن بطَّالٍ ثمَّ القاضي عياضٌ ثمَّ ابن التِّين اتِّفاق العلماء على أنَّه لا يُستحبُّ الزِّيادة فوق المرفق والكعب، وهي دعوى باطلةٌ، فقد ثبت ذلك عن فعل رسول الله صلعم وأبي هريرة، وعمل العلماء وفتواهم عليه، فَهُم محجوجون بالإجماع.
          واحتجاجهم بالحديث السَّالف: ((مَن زادَ عَلَى هذا أو نَقَص فَقَد أَساءَ وَظَلم)) لا يصحُّ لأنَّ المراد به الزِّيادة في عدد المرَّات، أو النقص عن الواجب، أو الثَّواب المرتَّب على نقص العدد لا الزِّيادة على تطويل الغرَّة والتَّحجيل.
          وأمَّا حدُّ الزَّائد فغايته استيعاب العَضُد والسَّاق، وقال جماعةٌ مِنْ أصحابنا: يُستحبُّ إلى نصفها، وقال البغويُّ: نصف العضد فما فوق، ونصف الساق فما فوقه، وحاصلها ثلاثة أوجهٍ كما جمعها النَّوويُّ في «شرح مسلم» فقال: واختلف أصحابنا في القَدْر المستحبِّ على ثلاثة أوجهٍ:
          أحدها: أنَّه يُستحب الزِّيادة فوق المرفقين والكعبين مِنْ غير توقيتٍ.
          وثانيها: إلى نصف العَضُد والسَّاق.
          وثالثها: إلى المنكب والرُّكبتين، قال: والأحاديث تقتضي ذلك كلَّه.
          وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين القُشَيريُّ: ليس في الحديث تقييدٌ ولا تحديدٌ لمقدار ما يُغْسَل مِنَ العضدين والسَّاقين، وقد استعمل أبو هريرة الحديث على إطلاقه وظاهره في طلب إطالة الغرَّة، فغسل إلى قريبٍ مِنَ المنكبين، ولم يُنْقَل ذلك عن النَّبيِّ صلعم، ولا كثُر استعماله في الصَّحابة والتَّابعين، فلذلك لم يَقُل به الفقهاء، ورأيت بعض النَّاس قد ذكر أنَّ حدَّ ذلك نصف العَضُد والسَّاق، هذا آخر كلامه.
          وقوله: لم يقل به الفقهاء. غريبٌ مع ما قدَّمناه عنهم.
          ومِنْ أوهام ابن بطَّالٍ والقاضي عياضٍ إنكارهما على أبي هريرة بلوغه الماء إبطيه وأنَّ أحدًا لم يتابعه عليه، فقد قال به القاضي حسينٌ وآخرون مِنْ أصحابنا أيضًا، وفي «مصنَّف ابن أبي شيبة»: حدَّثنا وكيعٌ عن العمريِّ عن نافعٍ عن ابن عمر أنَّه كان ربَّما بلغ بالوضوء إبطه في الصَّيف، ثمَّ روى عن وكيعٍ أيضًا عن عُقَبة ابن أبي صالحٍ عن إبراهيم أنَّه كرهه.
          قلتُ: وهذا مردودٌ بما سلف، وما أبعد مَنْ أوَّل الاستطاعة في الحديث على إطالة الغرَّة والتَّحجيل بالمواظبة على الوضوء لكلَّ صلاةٍ، فتطول غرُّته بتقوية نور أعضائه، وهو ابن بطَّالٍ قال: والطُّول والدَّوام معناهما متقاربٌ.
          سابعها: قوله: (مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ) هو بضمِّ الواو، ويجوز فتحها على إرادة آثار الماء المستعمل في الوضوء، فإنَّ الغرَّة والتَّحجيل نشأ عن الفعل بالماء، فيجوز أن يُنسب إلى كلٍّ منهما.
          ثامنها: قوله: (فَمَنِ اسْتَطَاعَ...) إلى آخره، اقتصر فيه على ذكر الغرَّة دون التَّحجيل، وإن ذكر معها في روايةٍ أخرى في «الصَّحيح» للعلم به، فهو مِنْ باب قوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل:81] ولم يذكر البرد للعلم به.
          وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين القُشَيريُّ: كأنَّ ذلك مِنْ باب التَّغليب بالذِّكْر لأحد الشَّيئين على الآخر، وإن كانا بسبيلٍ واحدٍ للتَّرغيب فيه، وقد استعمل الفقهاء ذلك فقالوا: يُستحبُّ تطويل الغرَّة، ومرادهم الغرَّة والتَّحجيل، وهذا ليس تغليبًا حقيقيًا إذ لم يؤتَ فيه إلَّا بأحد الاسمين، والتَّغليب: اجتماع الاسمين أو الأسماء وتغليب أحدهما على الآخر نحو: القمرين، والعمرين / وشبههما.
          ثمَّ القاعدة في التَّغليب أن يغلب المذكَّر على المؤنَّث لا بالعكس، والأمر هنا بالعكس لتأنيث الغرَّة وتذكير التَّحجيل، ويُجاب أيضًا بأنَّها خُصَّت بالذِّكر لأنَّ محلَّها أشرف أعضاء الوضوء، ولأنَّه أوَّلُ ما يقع عليه البصر يوم القيامة. ونقل ابن بطَّال عن بعضهم أنَّه كنَّى بالغرَّة عن التَّحجيل معلِّلًا بأنَّ الوجه لا سبيل إلى الزِّيادة في غسله، وهذا غريبٌ عجيبٌ.
          تاسعها: رأيتُ مَنْ شَرَحَ هذا الموضع مِنْ هذا الكتاب مِنْ شيوخنا ادَّعى أنَّ قوله: ((فَمَنِ اسْتَطَاعَ...)) إلى آخره، مِنْ قول أبي هريرة أدرجه آخر الحديث. وفي هذه الدَّعوى بعدٌ عندي.
          عاشرها: استدلُّ جماعةٌ مِنَ العلماء بهذا الحديث على أنَّ الوضوء مِنْ خصائص هذه الأُمَّة _زادها الله شرفًا_ وبه جزم الحليميُّ في «منهاجه»، وفي «الصَّحيح» أيضًا: ((لَكُم سِيماءُ ليستْ لأَحدٍ مِنَ الأُمَمِ، تَرِدُون عليَّ غرًّا مُحَجَّلِين مِنْ أثرِ الوضُوءِ)).
          وقال آخرون: ليس الوضوء مختصًّا بها: وإنَّما الذي اختصَّت به الغرَّة والتَّحجيل، وادُّعِي أنَّه المشهور مِنْ قول العلماء، واحتجُّوا بالحديث الآخر: ((هذا وُضُوئي ووُضُوءُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي)).
          وأجاب الأوَّلون عن هذا بوجهين: أحدهما: أنَّه حديث ضعيفٌ. ثانيهما: أنَّه لو صحَّ لاحتمل اختصاص الأنبياء دون أُممهم، بخلاف هذه الأُمَّة.
          وفيه: شرفٌ عظيمٌ لهم، حيث استووا مع الأنبياء في هذه الخصوصيَّة، وامتازت بالغرَّة والتَّحجيل، لكن سيأتي في حديث جُرَيجٍ في موضعه: أنَّه توضَّأ وصلَّى [خ¦2482].
          وفيه دلالة على أنَّ الوضوء كان مشروعًا لهم.
          وعلى هذا فيكون خاصيَّة هذه الأمَّة الغرَّة والتَّحجيل النَّاشئين عن الوضوء لا الوضوء، ونقل الزَّناتيُّ المالكيُّ شارح «الرِّسالة» عن العلماء أنَّ الغرَّة والتَّحجيل حُكْمٌ ثابتٌ لهذه الأمَّة، مَنْ توضَّأ منهم ومَنْ لم يتوضَّأ، كما قالوا: لا يُكفَّر أحدٌ مِنْ أهل القبلة بذنبٍ، إنَّ أهلَ القِبلة كلُّ مَنْ آمن به مِنْ أُمَّته سواءٌ صلَّى أو لم يصلِّ، وهذا نقلٌ غريبٌ، وظاهر الأحاديث يقتضي خصوصيَّة ذلك بمَنْ توضَّأ منهم، وفي «صحيح أبي حاتم ابن حِبَّان»: يا رسول الله، كيف تَعْرِف مَنْ لم يَرِد مِنْ أُمَّتِكَ؟ قال: ((غرٌ مُحَجَّلون بُلْقٌ مِنْ آثارِ الوضُوءِ)).
          الحادي عشر: قد استوفى صلعم بذكر الغرَّة والتَّحجيل جميع أعضاء الوضوء، فإن الغرَّةَ: بياضٌ في الوجه، والرَّأس داخلةٌ في مسمَّاها. والتَّحجيل: بياضٌ في اليدين والرِّجْلين.
          الثاني عشر: فيه استصحاب المحافظة على الوضوء وسُننه المشروعة فيه.
          الثالث عشر: فيه ما أعدَّ الله مِنَ الفضل والكرامة لأهل الوضوء يوم القيامة.
          الرابع عشر: فيه ما أَطْلَع الله نبيَّه صلعم مِنَ المغيَّبات المستقبلة التي لم يُطْلِع عليها نبيًّا غيره مِنْ أمور الآخرة وصفات ما فيها.
          الخامس عشر: فيه أيضًا جواز الوضوء على ظهر المسجد، وهو مِنْ باب الوضوء في المسجد، وقد كرهه قومٌ وأجازه الأكثرون، ومَنْ كرهه لأجل التَّنزيه كما يتنزَّه عن البُصاق والنُّخَامة، وحُرمة أعلى المسجد كحرمة داخله، وممَّن أجازه في المسجد ابن عبَّاسٍ، وابن عمر وعطاءٌ والنَّخعيُّ وطاوسٌ، وهو قول ابن القاسم المالكيُّ وأكثر العلماء كما حكاه ابن بطَّالٍ عنهم، وكرهه ابن سيرين، وهو قول مالكٍ وسَحْنُون.
          وقال ابن المنذر: أباح كلُّ مَنْ يُحفظ عنه العلم الوضوء فيه، إلَّا أن يُبِلَّه ويتأذَّى به النَّاس، فإنَّه مكروهٌ.
          قلت: وصرَّح جماعةٌ مِنْ أصحابنا بجوازه فيه، وأنَّ الأولى أن يكون في إناءٍ.
          قال البغويُّ: ويجوز نضحه بالماء المطلق، ولا يجوز بالمستعمل لأنَّ النَّفس تعافه. وفي هذا نظرٌ.
          السادس عشر: فيه قبول خبر الواحد، وهو مستفيضٌ في الأحاديث.