التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الوضوء من النوم

          ░53▒ بَابُ الوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ، وَمَنْ لَمْ يَرَ مِنَ النَّعْسَةِ وَالنَّعْسَتَيْنِ أَوِ الخَفْقَةِ وُضُوءًا.
          212- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: (إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ، حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ، لاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ).
          213- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: (إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَنَمْ، حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ).
          الكلامُ على ذلك مِن أوجُهٍ:
          أحدُها: حديثُ عائشةَ أخرجه مسلمٌ، وللدَّارَقُطنيِّ مِن حديثِ عبدِ الوهَّابِ بن عطاءٍ عن مالكٍ: ((لعلَّه يُرِيدُ أنْ يَسْتَغْفِرَ فَيَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ))
          وحديثُ أنسٍ انفردَ به البُخاريُّ، وانفرد مسلمٌ عنه مِن حديثِ أبي هريرة مرفوعًا: ((إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فَلْيَضْطَجِعْ)) وسيأتي حديثُ أنسٍ عندَ البُخاريِّ أنَّه صلعم دَخَلَ المسجدَ وحبلٌ ممدودٌ فقال: ((مَا هَذَا؟)) فقالوا: حَمْنَةُ بنتُ جَحْشٍ تُصلِّي فإذا عجزت تعلَّقت به فقال: ((ليصلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فإذا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ)) [خ¦1150].
          قال الإسماعيليُّ في حديثِ أنسٍ: ورواه حمَّادُ بن زيدٍ، عن أيُّوبَ فوَقَفَهُ، ورواه عبدُ الوهَّابِ عن أيُّوبَ فلم يجاوِزْ أبا قِلابَةَ، ووافق عبدَ الوارثِ وهيبٌ والطُّفَاوِيُّ.
          فائدةٌ: (أَبُو مَعْمَرٍ) هذا الْمُقْعَد وهو / عبدُ الله بنُ عمرو بن أبي الحَجَّاج الْمِنْقَريُّ، وفي «الصَّحيحينِ» أبو مَعْمَرٍ اثنانِ آخَرَانِ:
          أحدُهما: عبدُ الله بن سَخْبَرة الأزْديُّ تابعيٌّ.
          وثانيهما: إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ الهذليُّ، شيخُه وشيخُ مُسلمٍ.
          ثانِيها: وجهُ مُطابقة الحديثينِ لِمَا بوَّبَ عليه _فإنَّ ظاهِرَهُما النَّهْيُ عن الصَّلاةِ مع النُّعاس فقطْ لا عدُم الوُضوءِ مِن النُّعاس الخفيفِ_ أنَّ مفهومَ تعليلِ النَّهيِ عن الصَّلاةِ معهُ بذهابِ العقْلِ المؤدِّي إلى أنْ يعكِسَ الأمْرَ، يريدُ أن يدعوَ فيسُبَّ نفْسَه، أنَّه إذا لم يبْلُغْ هذا المبْلَغَ صلَّى به، أو أنَّه إذا بدأَ به النُّعاسُ وهو في النَّافِلَةِ يقتَصِرُ على إتمامِ ما هو فيه ولا يستأنِفُ أُخرى، فتمادِيه على حالتِه دالٌّ على أنَّ النُّعَاسَ اليسيرَ لا ينافي الطَّهارةَ، ويحتمل قَطْعُ الصَّلاةِ الَّتي هو فيها إذْ لا يستأنِفُ غيرَها.
          ثالثُها: (النَّعْسَةِ) بفتْحِ النُّونِ السِّنَةُ، بِخِلافِ النَّومِ فإنَّه الغَلَبَةُ على العقْلِ وسقوطُ حاسَّةِ البَصَرِ وغيرِها مِن الحواسِّ، والنُّعاسُ يُغَيِّرُ الحواسَّ مِن غيرِ سقوطِها. وفي كتابِ «العين»: النُّعاسُ النَّوْمُ، وقيل مقارَبَتُهُ. وفي «المحكم»: النُّعَاسُ النَّوْمُ، وقيلَ ثَقْلَتُهُ.
          قال ابن دُريدٍ: وخَفَقَ خَفْقَةً: نَعِسَ نَعْسَةً ثُمَّ انتبَه. وقال أبو زيدٍ: خَفَقَ بِرَأْسِهِ مِن النُّعاسِ أمالَهُ.
          وقولُه: (نَعَسَ) هو بفتْحِ العينِ، والعامَّة تضمُّها وهو خطأٌ كما قاله أبو حاتِمٍ، ومضارِعُهُ ينْعُسُ. وحَكَىَ صاحبُ «الْمُوعَبْ» عن بعضِ بني عامرٍ فتْحَ العينِ مِن المضارِعِ.
          رابعُها: فيه الحثُّ على الإقبالِ على الصَّلاةِ بخشوعٍ وفراغِ قلْبٍ ونَشَاطٍ، وأَمْرُ النَّاعِسِ بالنَّومِ أو نحوِه ممَّا يُذهِبُ عنه النُّعاسَ، وهذا عامٌّ في صلاةِ الفرضِ والنَّفلِ في اللَّيلِ والنَّهارِ، وهذا مذهبُ الشَّافِعِيِّ والجمهورِ، لكن لا يُخرِجُ الفريضةَ عن وقتِها، وحمَلَهُ مالكٌ وجماعةٌ كما قال القاضي على نفْلِ اللَّيلِ لأنَّها مَحلُّ النَّومِ غالبًا، وقد ذَكَرَ صلعم العلَّةَ، وهي خَلْطُ الاستغفارِ بالسَّبِّ، ومَن صارَ في مثلِ هذه الحالةِ مِن ثِقَلِ النَّومِ أدَّى إلى نقْضِ طهارتِه وبُطلانِ صلاتِه.
          وادَّعى المهلَّب قيامَ الإجماعِ على بُطلانِ طهارةِ وصلاةِ مَن انتهى إلى هذه الحالةِ. قال: فأشبَهَ مَن نهاهُ الله عن مقاربةِ الصَّلاةِ في حالِ السُّكْرِ بقولِه تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:43] على أنَّ الضَّحَّاكَ أَوَّلَ السُّكْرَ بالنَّومِ في الآيةِ، والأكثَرُ على أنَّها نزلتْ في سُكْرِ الخمْرِ.
          وقد دلَّ حديثُ عائشةَ وأنسٍ على أنَّ مَن قد يقعُ منه ذلكَ فقد حَصَلَ مِن فَقْدِ العقل في منزِلَة مَن لا يعْلَمُ ما يقول كما في السُّكْرِ، ومَن كان كذلكَ فلا تجوزُ صلاتُه، ودلَّ القرآنُ على ما دلَّتْ عليه السُّنَّةُ أنَّه لا ينبغي للمصلِّي أن يقْرَبَ الصَّلاةَ مع شاغِلٍ يشغَلُهُ عنها.
          خامسُها: معنى (يَسْتَغْفِرُ) هنا يدعُو كما قالَه القاضي عِياضٌ، والرِّوايةُ الَّتي أسلفْنَاهَا: ((لَعْلَّه يُريدُ أن يَسْتَغْفِرَ فَيَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ)) دالَّةٌ على ذلك. فإنْ قلتَ: فقد جاءَ في حديثِ ابن عبَّاسٍ في نومِه صلعم في بيتِ ميمونةَ: ((فَجَعلْتُ إذا غَفِيتُ يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي)). ولم يَأمُرْهُ بالنَّومِ. قلتُ: لأنَّه جاء تلكَ اللَّيلَةَ للتَّعَلُّمِ منه ففعلَ ذلكَ لِيَكونَ أثبَتَ له.
          سادسُها: وهو مقصودُ البابِ، أنَّ النَّومَ اليَسِيرَ لا ينقُضُ، وهو إجماعٌ كما قالَهُ ابنُ بطَّالٍ إلَّا الْمُزَنيُّ وحدَه قالَ: وخَرَقَ الإجماعَ.
          قال: وأجمعوا على النَّقْضِ بالاضْطِجاعِ، واختلفُوا في هيْئاتِ النَّائمِينَ، فقال مالكٌ: إنْ نامَ قائمًا أو راكعًا أو ساجدًا فعليهِ الوُضوءُ. قال: وفرَّقَ الشَّافِعِيُّ بين نومِه في الصَّلاةِ وغيرِها فقال: إنْ كانَ في الصَّلاةِ لا ينقُضُ كما لا ينقُضُ نومُ القاعدِ، قال: وله قولٌ آخَرُ كمذهبِ مالكٍ. قلتُ: وهما خلافُ مشهورِ مذهبِه كما ستعلَمُهُ. وعندَ الثَّورِيِّ وأبي حنيفةَ: لا ينقُضُ إلَّا نومُ المضطجِعِ فقطْ، وفيه حديثٌ عن ابنِ عبَّاسٍ مرفوعًا وهو معلولٌ، والقائمُ والرَّاكعُ والساجِدُ يُمكِنُ خروجُ الرِّيحِ منه لانفراجِ موضِعِ الحَدَثِ منه، ولا يُشبِهُ القاعِدَ المنضَمَّ الأطرافِ إلَّا أن يُطولَ نومُه جدًّا في حالِ قعودِه فعليه الوُضوءُ عند مالكٍ والأوزاعيِّ وأحمدَ، ولم يفرِّق أبو حنيفةَ والشَّافِعِيُّ بين نومِ الجالِسِ في القِلَّةِ والكثْرَةِ وقالا: لا ينتَقِضُ وضوؤُه وإن طالَ.
          وحاصِلُ المذاهِبِ في النَّومِ تزيدُ على تِسْعَةٍ:
          أحدُها: أنَّه غيرُ ناقِضٍ بحالٍ، وهو محْكِيٌّ عن أبي موسى الأشعَرِيِّ وسعيد بن المسيِّب وأبي مِجْلَزٍ وحُمَيدِ بنِ عبدِ الرَّحمنَ الأعرَجِ والشِّيعَةِ. ورَوَى ابنُ أبي شَيبَةَ عن يَحيى بن سعيدٍ عن طارقٍ حدَّثَتْني مَنِيعَةُ بنتُ وقَّاصٍ عن أبيها أنَّ أبا مُوسى كان ينامُ بينَهُنَّ حتَّى يَغِطَّ فَنُنَبِّهُهُ فيقولُ: هل سمعتمُونِي أحدَثْتُ، فنقُولُ: لا، فيقومُ فيُصَلِّي.
          قال ابنُ حزْمٍ: وإليه ذهبَ الأوزاعِيُّ وهو قولٌ صحيحٌ عن جماعةٍ مِن الصَّحابةِ وغيرِهم منهم مكحولٌ وعَبِيدَةَ السَّلْمانيُّ، قال: وادَّعى بعضُهم الإجماعَ على خلافِه جهلًا وجُرأةً. ثُمَّ ساقَ مِن حديثِ أنسٍ: كان أصحابُ رسولِ الله صلعم ينتظرونَ الصَّلاةَ فيَضَعُونَ جُنوبَهُم فمِنْهُم مَن ينامُ، ثُمَّ يقومونَ إلى الصَّلاةِ. وإسنادُه صحيحٌ.
          وفي مسلمٍ مِن هذا الوجهِ: كان أصحابُ رسولِ الله صلعم ينامون ثُمَّ يصلُّون ولا يتوضَّؤون. وعند البزَّار: يَضَعُون جنوبَهم فمنهم مَن يتوضَّأ ومنهم مَن لا يتوضَّأ. ولَمَّا ذكره الأثرمُ للإمامِ أحمدَ تبسَّمَ وقال: هذا مَرَّةً يَضَعُونَ جُنوبَهم. زاد أحمدُ بن عبيد في «مسنده»: على عهدِ رسول الله صلعم. وعندَ البَيْهَقِيِّ: كان الصَّحابةُ يوقَظونَ للصَّلاةِ وإنِّي لأسمَعُ لأحدِهِم غَطِيطًا ثُمَّ يصلُّونَ ولا يتوضَّؤون. قال ابنُ المبارَك: هذا عندَنا وَهُمْ جلوسٌ. قال البيهَقِيُّ: وعلى هذا حَمَلَهُ ابن مَهْدِيٍّ والشَّافِعِيُّ. قلتُ: وهُشَيمٌ، كذا أفادَهُ الطَّبَرِيُّ في «تهذيبِه»، وما أسلفْنَاه يخالِفُهُ.
          المذهبُ الثَّاني: أنَّه ناقضٌ مطلقًا، وهو مذهبُ الحسنِ البصريِّ والمزَنيِّ وأبي عُبيدٍ القاسِمِ بن سَلَّامٍ وإسحاقَ بن رَاهَوَيْه، وَحُكِيَ عن الشَّافِعِيِّ أيضًا وهو غريبٌ، قال ابنُ المنذِرِ: وبه أقولُ، قال: ورُوِيَ معناهُ عن ابنِ عبَّاسٍ وأنسٍ وأبي هُريرةَ.
          وقال ابنُ حزْمٍ: النَّوْمُ في ذاتِه حَدَثٌ ينقضُ الوضوءَ / سواءٌ قَلَّ أو كثُرَ، قاعدًا أو قائمًا، في صلاةٍ أو غيرِها، أو راكعًا أو ساجدًا أو متَّكئًا أو مضطجِعًا، أيقَنَ مَن حوالَيْهِ أنَّه لم يُحدِث أو لم يوقِنُوا، بُرهانُ ذلك حديثُ صفْوانَ بنِ عَسَّالٍ: ((لكِنْ مِن غائطٍ وبولٍ ونومٍ)) أخرجه ابنُ خُزيمَةَ وابنُ حِبَّان في «صحيحَيْهِما» وقال الحاكِمُ: صحيحٌ على شَرْطِ الشَّيخَينِ، وإنَّما لم يخرِّجاهُ، لَتَفَرُّدِ عاصمٍ به عن زِرٍّ عن صفْوانَ. قلتُ: تابعَهُ الْمِنْهَالُ بن عمرٍو فيما ذَكَرَهُ ابنُ السَّكَنِ، وحبيبُ بنُ أبي ثابِتٍ عندَ الطَّبَرانِيِّ. قال ابنُ حزْمٍ: وهو قولُ أبي هُريرةَ وأبي رافعٍ وعُروةَ وعطاءٍ والحسنِ وابنِ المسيِّب وعكرمةَ ومحمَّدِ بن شهابٍ في آخَرين. وفيه حديثُ عليٍّ مرفوعًا: ((العَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ، فمَن نامَ فَلَيَتوضَّأ)) وفيه مَقَالٌ، ومعاويةَ مرفوعًا مِثْلَهُ.
          الثَّالثُ: أنَّه لا ينقُضُ إلَّا نومُ المضطجِعِ فقطْ. قال ابنُ حزْمٍ: وبه قال داودُ، ورُوِيَ عن عمرَ وابنِ عبَّاسٍ ولم يصحَّ عنهُمَا، وعن ابنِ عمرَ وصحَّ عنه، وصحَّ عنِ النَّخَعِيِّ وعطاءٍ واللَّيثِ والثَّورِيِّ والحسَنِ بنِ حَيٍّ، وقال التِّرمِذِيُّ: رأى أكثرُهُم أنَّهُ لا يجِبُ الوُضوءُ إذا نامَ قائمًا أو قاعِدًا حتَّى ينامَ مضْطَجِعًا، قال: وبه يقولُ الثَّوريُّ وابن المبارَكِ وأحمدُ.
          الرَّابعُ: أنَّ كثيرَه ينقُضُ مطلقًا دونَ قليلِه لِلْحَرَجِ، وهو مذهبُ الزُّهريِّ وربيعةَ والأوزاعيِّ ومالكٍ في إحدى الرِّوايتينِ. وقال التِّرمِذِيُّ عن بعضِهم: إذا نام حتَّى غلبَ على عقْلِهِ وَجَبَ عليه الوُضوءُ وبه يقولُ إسحاقُ. قال ابنُ قُدَامةَ الحنبليُّ: واختلفَ أصحابُنا في تحديدِ الكثيرِ مِن النَّوْمِ الَّذي ينقُضُ الوُضوءَ فقال القاضي: ليسَ للقليلِ حدٌّ يُرجَعُ إليه، وقيلَ: حدُّ الكثيرِ ما يتغيَّرُ به النَّائمُ عن هيئتِهِ مِثْل أن يسقُطَ على الأرضِ أو يرَى حُلُمًا، والصَّحيحُ أنَّه لا حدَّ له.
          الخامسُ: إذا نامَ على هيئَةٍ مِن هيئاتِ المصلِّين كالرَّاكِعِ والسَّاجِدِ والقائمِ والقاعِدِ لا ينتقِضُ وُضوؤُه سواء أكانَ في الصَّلاةِ أم لم يكنْ، فإن نامَ مضطجعًا أو مستلقيًا على قفاهُ انتقضَ، وهو قولُ أبي حنيفة وحكاه النَّوويُّ في «شرح مسلم» عن داودَ، وَحُكِيَ عن الشَّافعيِّ أيضًا وهو غريبٌ، وقاله أيضًا حمَّادُ بن أبي سُليمانَ وسُفيان، وفيه حديثٌ عن ابنِ عبَّاسٍ لا يثبُتُ.
          السَّادسُ: لا ينقُضُ إلَّا نومُ الرَّاكِعِ والسَّاجدِ، رُوِيَ عن أحمدَ.
          السَّابعُ: لا ينقُضُ إلَّا نومُ السَّاجِدِ، رُوِيَ أيضًا عن أحمدَ.
          الثَّامنُ: أنَّ النَّومَ في الصَّلاةِ غيرُ ناقضٍ، وخارِجَها ناقضٌ، وَحُكِيَ عن الشَّافِعِيِّ.
          التَّاسعُ: أنَّه إنْ نامَ ساجدًا في مُصَلَّاهُ فليسَ عليه وُضوءٌ، وإن نامَ ساجدًا في غيرِ صَلاةٍ توضَّأَ، فإنْ تعمَّدَ النَّومَ ساجدًا في الصَّلاةِ فعليهِ الوُضوءُ، وهو قولُ ابنِ المبارَكِ، وقد حَكَيْنا عن التِّرمِذِيِّ عنه في المذهَبِ الثَّالِثِ ما يخالفُه.
          العاشرُ: إنْ نامَ جالسًا مُمَكِّنًا مَقْعَدَتَهُ مِن الأرضِ فلا نَقْضَ وإلَّا نَقَضَ قَلَّ أو كَثُرَ، في الصَّلاةِ أو خارِجَهَا، وهو الصَّحيحُ مِن مذهبِ الشَّافِعِيِّ، وعندَه أنَّ النَّوْمَ ليسَ حَدَثًا في نفْسِه وإنَّما هو دليٌل على خُروجِ الرِّيحِ، فإذا نامَ غيرَ مُمَكِّنٍ غَلَبَ على الظَّنِّ خروجُه، فجعَلَ الشَّرْعُ هذا الغالِبَ كالمحقَّقِ، وأمَّا إذا كان مُمَكِّنًا فلا يغلِبُ على الظَّنِّ الخُروجُ، والأصل بقاءُ الطَّهارةِ.
          وقال ابنُ العربيِّ: تتبَّعَ علماؤنا مسائِلَ النَّومِ المتعلِّقَةَ بالأحاديثِ الجامعةِ لتَعَارُضِها فوجدُوها أحَدَ عَشَرَ حالًا: أنْ ينامَ ماشيًا قائمًا مستنِدًا راكعًا ساجدًا قاعدًا متربِّعًا مُحْتبِيًا مُتَّكئًا راكبًا مضطجعًا مُسْتَثْفِرًا.
          فَرْعٌ: هذا كلُّه في حقِّنا، فأمَّا سيِّدُنا رسولُ الله صلعم فمِن خصائِصِه أنَّه لا ينتَقِضُ وُضوؤُه بالنَّوْمِ مُطلَقًا لحديثِ ابنِ عبَّاسٍ: ((نامَ رَسُولُ اللهِ صلعم حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ، وَصَلَّى ولم يتَوَضَّأْ)) وقد سَلَفَ في موضِعِه ويأتي أيضًا.