التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما جاء في غسل البول

          ░56▒ بَابُ مَا جَاءَ فِي غَسْلِ البَوْلِ.
          وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم لِصَاحِبِ القَبْرِ: (كَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ) وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ.
          هذا الحديثُ قد فرغْنَا مِن الكلامِ عليه آنِفًا.
          وأرادَ البُخاريُّ بقولِه: (وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ) أنْ يُبَيِّنَ أنَّ معنى روايتِه في هذا البابِ: (أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ) أنَّ المرادَ بَولُ النَّاسِ لا بولُ سائرِ الحيَوَانِ لأنَّه قدْ رَوَى الحديثَ في البابِ قبْلَ هذا وغيرِه: ((لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ)) فلا تعلُّقَ في حديثِ هذا البابِ لمن احتجَّ به في نجاسةِ بوْلِ سائرِ الحيوانِ، كذا قالَه ابنُ بطَّالٍ في «شرْحِه» وقال في أوَّلِه: أجمَعَ الفُقهاءُ على نجاسةِ البَوْلِ والتَّنَزُّهِ عنه.
          قال: وقولُه: (كَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ) يعني أنَّه كان لا يَسْتُرُ جسدَه ولا ثيابَه مِن مُمَاسَّةِ البولِ، فلمَّا عُذِّبَ على استخفافِه بغَسْلِهِ والتَّحَرُّزِ منه دَلَّ أنَّه مَن تَرَكَ البَولَ في مَخْرَجِه ولم يغْسِلْهُ أنَّه حَقيقٌ بالعذابِ.
          واختلفَ الفُقهاءُ في إزالةِ النَّجاسةِ مِن الأبدانِ والثِّيابِ، فقال مالكٌ: إزالَتُها ليستْ بفرضٍ، وقال بعضُ أصحابِه: إزالتُها فرضٌ، وهو قولُ الشَّافِعِيِّ وأبي حنيفةَ، إلَّا أنَّه يَعْتَبِرُ في النَّجاساتِ ما زادَ على قَدْرِ الدِّرْهَمِ. وحُجَّةُ مَن أوجبَ الإزالةَ هذا الحديثُ، وهو وعيدٌ عظيمٌ وتحذيرٌ. واحتجَّ ابنُ القَصَّارِ بقولِ مالكٍ فقال: يحتمل أنَّه عُذِّبَ لأنَّه كان يَدَعُ البولَ يَسيلُ عليه فيُصَلِّي بغيرِ طُهُورٍ، فيحتمِلُ أن يكون عمدًا. قال: وعندَنا أنَّ مَن ترَكَ السُّنَّةَ بغيرِ عُذْرٍ ولا تأويلٍ أنَّه مأثومٌ، فإنْ تَرَكَها متأوِّلًا أو لِعُذْرٍ فصلاتُهُ تامَّةٌ.