التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب صب الماء على البول في المسجد

          ░58▒ بَابُ صَبِّ المَاءِ عَلَى البَوْلِ فِي الْمَسْجِدِ.
          220- ثُمَّ ساقَ بإسنادِه حديثَ أبي هُريرةَ قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فِي الْمَسْجِدِ فَبَالَ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلعم: (دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ _أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ_ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ).
          221- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ.
          ░58م▒ بَابٌ: يُهَرِيقُ الْمَاءَ عَلَى البَوْلِ.
          221م# ثُمَّ ساق مِن حديثِ سُلَيْمَانَ _وهو ابنُ بلالٍ_ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ: (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلعم، فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صلعم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ).
          والكلامُ على ذلكَ مِن أوجُهٍ:
          أحدُها: حديثُ أنسٍ أخرجهُ مسلمٌ مِن طريقِ عِكرِمَةَ بن عمَّارٍ عن إسحاقَ وهُو ابنُ عبدِ الله بنِ أبي طلحةَ، ومِن طريقِ يَحيى القطَّانِ عن يَحيى بن سعيدٍ الأنصاريِّ عن أنسٍ. وأخرجهُ النَّسائيُّ مِن طريقِ ابنِ المبارَك عن يَحيى الأنصاريِّ. ورواهُ البُخاريُّ ومسلمٌ مِن حديثِ حمَّاد بن زيْدٍ عن ثابتٍ عنه. وشيخُ عَبْدَان هو عبدُ الله بنُ المبارَكِ. وأمَّا حديثُ أبي هريرة فمِنْ أفرادِه عن مسلمٍ، وأخرجه أيضًا في الأدَبِ [خ¦6128].
          ثانِيها: هذا الأعرابيُّ هو ذُو الخُوَيْصِرَةِ اليَمَانِيُّ كما ساقَه أبو مُوسى المدِينيُّ في «معرِفَةِ الصَّحابةِ» فاستفِدْهُ.
          ثالثُها: في ألفاظِه:
          الأَعْرَابِيُّ هو الذي يسكُنُ الباديةَ وإن لم يكُنْ مِن العَرَبِ.
          و(المَسْجِدِ) بكسْرِ الجيمِ ويجوزُ فتحُها.
          والسَجْلُ بفتْحِ السِّينِ المهمَلَةِ وسكونِ الجيمِ، الدَّلْوُ الضَّخْمَةُ الممْلُوءَةُ، مُذَكَّرٌ. قال ابنُ سِيدَه: وقيل هو ملؤها، والجَمْعُ سِجَالٌ وسُجُولٌ. ولا يُقال لها فارغةً سَجْلٌ ولكِنْ دَلْوٌ. وعندَ أبي منصورٍ الثَّعَالِبيِّ: حتَّى يكوَن فيها ماءٌ قَلَّ أو كَثُرَ بخلافِ الذَّنُوبِ فإنَّهَا لا تُسَمَّى بذلكَ إلا إذا كانتْ مَلْأى.
          والذَّنُوبُ بفتْحِ الذَّالِ المعجَمَةِ تُذكَّر وتُؤنَّثُ.
          وقولُه: (فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ) قال ابنُ التِّينِ: هذا إنَّما يَصِحُّ على ما قالَه سِيبَوَيْه لأنَّه فعلٌ ماضٍ وهاؤُهُ ساكِنَةٌ، وأمَّا على الأصلِ فلا تَجْتَمِعُ الهمزةُ والهاءُ في الماضي. قال: ورُوِيَناه بفتْحِ الهاءِ ولا أعْلَمُ لِذلِكَ وجهًا.
          وقولُه: (فَصَبَّهُ عَلَيْهِ) كذا في هذه الرِّوايةِ، وفي بعضِ طُرُقِ مسلمٍ: ((فَشَنَّهُ)) بالشِّينِ المعجَمَةِ ورُوِيَ بالمهمَلَةِ، وهو الصَّبُّ. وفرَّقَ بعضُهُم بينهُمَا فقال: بالمهمَلَةِ الصَّبُّ في سهولَةٍ، وبالمعجَمَةِ التَّفريقُ في الصَّبِّ.
          رابعُها: في أحكامِه وفوائدِه:
          الأُولى: نجاسةُ بَوْلِ الآدَمِيِّ وهو إجماعٌ، وسواءٌ الكبيرُ والصَّغيرُ بإجماعِ مَن يُعتَدُّ به، لكنَّ بولَ الصَّغيرِ يكفِي فيه النَّضحُ كما ستعلَمُهُ في البابِ بعْدَهُ.
          الثَّانيةُ: طهارةُ الأرضِ بِصَبِّ الماءِ عليها ولا يُشتَرَطُ حفْرُها، وهو مذهبُ الجُمهورِ، وقال أبو حنيفةَ: لا تطْهُرُ إلَّا بحفرِهَا، وفيه حديثٌ مرسَلٌ، ولا يكفِي مرورُ الشَّمسِ عليها ولا الجفافُ عندَ أحمدَ والشَّافِعِيِّ خلافًا لأبي حنيفةَ.
          الثَّالثةُ: أنَّ غُسَالَةَ النَّجاسَةِ طاهرةٌ، وهو أصحُّ الأقوالِ عندَنا، إن طَهُرَ المحَلُّ ولم تنفَصِلْ متغيِّرة، فإن اختلَّ شَرْطٌ فهيَ نَجِسَةٌ.
          الرَّابعَةُ: الرِّفْقُ بالجاهِلِ وتعليمُه ما يلزمُه مِن غيرِ تعسُّفٍ ولا إيذاءٍ إذا لمْ يأتِ بالمخالفَةِ استخفافًا أو عِنادًا؛ فإنَّه صلعم كانَ على خُلُقٍ عظيمٍ، وبالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيمٌ.
          الخامسةُ: دفْعُ أعظَمِ الضَّرَرَيْنِ باحتمالِ أخفِّهِمَا لِقولِه: (دَعُوهُ) وفي روايةٍ أُخرَى في مسلمٍ: ((لَا تُزْرِمُوهُ)) أي لا تقطعُوا عليه بولَه فإنَّه لو قُطِعَ عليه بولُه لتضرَّرَ، وأصْلُ التَّنجيسِ قد حَصَلَ / فلا يُزادُ.
          السَّادسَةُ: قوَّةُ الوارِدِ وأنَّه يُطَهِّرُ إذا غَلَبَ ولم يَتغَيَّرْ.
          السَّابعَةُ: تطهيرُ المساجِدِ مِن النَّجاساتِ وتنزيهُها عن الأقذارِ.