إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: الذهب بالذهب ربًا إلا هاء وهاء

          2134- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ) هو ابن المدينيِّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عُيَيْنَةَ قال: (كَانَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ يُحَدِّثُهُ(1)، عَنِ الزُّهْرِيِّ)‼ محمَّد بن مسلم ابن شهابٍ (عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ) بهمزةٍ مفتوحةٍ وبعد الواو السَّاكنة سينٌ مُهمَلةٌ، التَّابعيِّ، وقيل: له صحبةٌ، ولا يصحُّ (أَنَّهُ قَالَ: مَنْ عِنْدَهُ) وفي روايةٍ: ”من كان عنده“ (صَرْفٌ) أي: دراهم يصرف بها دنانير؟ (فَقَالَ طَلْحَةُ) هو ابن عبيد الله أحد العشرة المُبشَّرة: (أَنَا) عندي الدَّراهم ولكن اصبر (حَتَّى يَجِيءَ خَازِنُنَا) لم يُسَمَّ هذا الخازن (مِنَ الغَابَةِ) بالغين المعجمة والمُوحَّدة، موضعٌ قريبٌ من المدينة من عواليها، به أموال أهل المدينة، ومنها عُمِل المنبر الشَّريف النَّبويُّ (قَالَ سُفْيَانُ) بن عيينة بالسَّند السَّابق: (هُوَ) أي: الذي كان عمرو بن دينارٍ يُحدِّث عن الزُّهريِّ هو(2) (الَّذِي حَفِظْنَاهُ من الزُّهْرِيِّ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ) وقد حفظ الزِّيادةَ مالكٌ وغيره عن الزُّهريِّ (فَقَالَ) بالفاء قبل القاف، أي: قال الزُّهريُّ، ولأبي الوقت: ”قال“ : (أَخْبَرَنِي) بالإفراد (مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ) ولابن عساكر زيادة: ”ابن الحَدَثان“ بفتح المهملتين وبالمُثلَّثة ”أنَّهُ“ (سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ ☺ ) حال كونه (يُخْبِرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم ) أنَّه (قَالَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ) ولأبوي ذرٍّ والوقت: ”بالوَرِق“ بفتح الواو وكسر الرَّاء، وهو رواية أكثر أصحاب ابن عيينة عنه، وهي رواية أكثر أصحاب الزُّهريِّ، أي(3): بيع الذَّهب بالذهب أو بالوَرِق (رِبًا) بالتَّنوين من غير همزٍ(4) (إِلَّا هَاءَِْ وَهَاءَِْ) بالمدِّ وفتح الهمزة فيهما على الأفصح الأشهر، وهي اسم فعلٍ بمعنى: «خذ» تقول: هاء درهمًا، أي: خذ درهمًا، فـ «درهمًا» منصوبٌ باسم الفعل كما يُنصَب بالفعل، ويجوز كسر الهمزة، نحو: هاتِ(5)، وسكونها _نحو: خفْ(6)_ والقصرُ، وأنكره الخطَّابيُّ، وأصلها: «هاك» بالكاف، فقُلِبت الكاف همزةً، حكاه الماورديُّ والنَّوويُّ، وليس المراد بكون الكاف هي الأصل أنَّها من نفس الكلمة، وإنَّما المراد: أصلها في الاستعمال، وهي حرف خطابٍ، قال ابن مالكٍ: وحقُّها ألَّا تقع بعد «إلَّا» كما لا يقع بعدها «خذ»، فإذا وقع يُقدَّر قولٌ قبله يكون به محْكِيًّا، أي: إلَّا مقولًا عنده من المتعاقدَين: هاءَ وهاءَ، قال الطِّيبيُّ: فإذًا محلُّه النَّصب على الحال والمستثنى منه مُقدَّرٌ، يعني: بيع الذَّهب بالذَّهب ربًا في جميع الحالات إلَّا حال الحضور والتَّقابض، فكُنِّي عن التَّقابض بقوله: «هاءَ وهاءَ»؛ لأنَّه لازمه. انتهى. وعبَّر بذلك لأنَّ المعطي قائلٌ: خذ، بلسان الحال، سواءٌ وُجِدَ معه بلسان المقال أو لا، فالاستثناءُ مفرَّغٌ / من الخبر، وفيه حذف مضافٍ من المبتدأ(7)، وحذف مضافٍ ممَّا بعد «إلَّا». (وَالبُرُّ بِالبُرِّ) بضمِّ المُوحَّدة: القمح، وهو الحنطة، أي: بيع أحدهما بالآخر (رِبًا إِلَّا) مقولًا عنده من المتعاقدين‼ (هَاءَِْ وَهَاءَِْ)، أي: خذ (وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ) أي(8): بيع أحدهما بالآخر (رِبًا إِلَّا) مقولًا عنده من المتبايعين(9) (هَاءَِْ وَهَاءَِْ، وَالشَّـِعِيرُ بِالشَّـِعِيرِ) بفتح الشِّين المعجمة على المشهور وقد تُكسَر، قال ابن مكِّيٍّ الصَّقلِّيُّ: كلُّ «فعيلٍ» وسطه حرف حلقٍ مكسورٍ يجوز كسر ما قبله في لغة تميمٍ، قال: وزعم اللَّيث أنَّ قومًا من العرب يقولون ذلك، وإن لم تكن عينه حرف حلقٍ، نحو: كِبيرٍ وجِليلٍ وكِريمٍ، أي: بيع الشَّعير بالشَّعير (رِبًا إِلَّا) مقولًا عنده من المتعاقدين (هَاءَ وَهَاءَ) أي: يقول كلُّ واحدٍ منهما للآخر: خُذْ، ويُؤخَذ منه أنَّ البُرَّ والشَّعير صنفان، وبه قال الشَّافعيُّ وأبو حنيفة وفقهاء المحدِّثين وغيرهم، وقال مالكٌ واللَّيث ومعظم علماء المدينة والشَّام وغيرهم(10) من المتقدِّمين: إنَّهما صنفٌ واحدٌ، واتَّفقوا على أنَّ الذُّرة صنفٌ، والأرزَّ صنفٌ، إلَّا اللَّيث بن سعدٍ وابن وهبٍ المالكيَّ، فقالا: إنَّ هذه الثَّلاثة صنفٌ واحدٌ، وبقيَّة مباحث الحديث تأتي _إن شاء الله تعالى_ بعد تسعة عشر بابًا [خ¦2170] حيث ذكره المؤلِّف، ولم يذكر في شيءٍ من هذه الأحاديث الحُكْرة المُترجم بها.
          قال ابن حجرٍ: وكأنَّ المصنِّف استنبط ذلك من الأمر بنقل الطَّعام إلى الرِّحال، ومنع بيع الطَّعام قبل استيفائه، فلو كان الاحتكار حرامًا لم يأمر(11) بما يؤول إليه، وكأنَّه لم يثبت عنده حديث معمر بن عبد الله مرفوعًا: «لا يحتكرإلَّا خاطئٌ» أخرجه مسلمٌ، لكنَّ مُجرَّد إيواء الطَّعام إلى الرِّحال لا يستلزم الاحتكار؛ لأنَّ الاحتكار الشَّرعيَّ إمساكُ الطَّعام عن البيع، وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه وحاجة النَّاس إليه، ويحتمل أن يكون البخاريُّ أراد بالتَّرجمة بيانَ تعريف الحُكْرة التي نُهِي عنها في غير هذا الحديث، وأنَّ المراد بها قدرٌ زائدٌ على ما يفسِّره أهل اللُّغة، فساق(12) الأحاديث التي فيها تمكين النَّاس من شراء الطَّعام ونقله، ولو كان الاحتكار ممنوعًا لمُنِعوا من نقله، وقد ورد في ذمِّ الاحتكار أحاديث كحديث عمر مرفوعًا: «من احتكر على المسلمين طعامهم، ضَرَبه اللهُ بالجذام والإفلاس» أخرجه ابن ماجه بإسنادٍ حسنٍ، وعنده والحاكم بإسنادٍ ضعيفٍ عنه مرفوعًا: «الجالب مرزوقٌ، والمحتكر ملعونٌ».


[1] في (ب) و(س): «يحدِّث».
[2] في (د): «به».
[3] في (د): «وفي رواية أكثر...أنَّه».
[4] زيد في (د) و(م): «فيهما».
[5] في (د): «هاء»، وهو تحريفٌ.
[6] في (د): «خذ».
[7] في (د): «الابتداء».
[8] «أي»: ليس في (د).
[9] في (د): «المتعاقدين».
[10] «وغيرهم»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[11] في (د): «يأمره».
[12] في غير (س): «وسياق»، والمثبت موافقٌ لما في «الفتح» (4/408).