إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب الكيل على البائع والمعطي

          ░51▒ (بابُ) مؤنةِ (الكَيْلِ) فيما يُكال، ومؤنة‼ الوزن فيما يُوزن (عَلَى البَائِعِ وَ) كذا تكون على (المُعْطِي) بكسر الطَّاء، بائعًا كان أو موفيًا للدَّين أو غير ذلك، وهذا قول أبي حنيفة ومالكٍ والشَّافعيِّ (لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى) بلام التَّعليل للتَّرجمة، ولأبي ذرٍّ: ”وقولِ الله تعالى“ بالجرِّ / عطفًا على «الكيل» أي: بابٌ في بيان الكيل، وفي(1) بيان معنى قوله تعالى: ({وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}[المطففين:3]) وفي حديث ابن عبَّاسٍ عند النَّسائيِّ وابن ماجه: لمَّا قَدِمَ نبيُّ الله صلعم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلًا، فأنزل الله تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ}[المطففين:1] فحسنوا بعد ذلك (يَعْنِي: كَالُوا لَهُمْ أوْ وَزَنُوا لَهُمْ، كَقَوْلِهِ: {يَسْمَعُونَكُمْ}[الشعراء:72]: يَسْمَعُونَ لَكُمْ) فحذف الجارَّ وأوصل الفعل، أو كالوا مكيلهم، فحُذِف المضاف وأُقيم المضاف إليه مُقامه(2).
          قال في «الكشَّاف»: ولا يصحُّ أن يكون ضميرًا مرفوعًا «للمطفِّفين»؛ لأنَّ الكلام يخرج به إلى نظمٍ فاسدٍ، وذلك أنَّ المعنى: إذا أخذوا من النَّاس استوفوا، وإذا أعطوهم أخسروا، وإن جعلت الضَّمير «للمطفِّفين» انقلب إلى قولك: إذا أخذوا من النَّاس استوفوا، وإذا تولَّوا الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا، وهو كلامٌ متنافرٌ؛ لأنَّ الحديث واقعٌ في الفعل لا في المباشر. انتهى. وتعقَّبه أبو حيَّان فقال: لا تنافر فيه بوجهٍ، ولا فرق بين أن يُؤكَّد الضَّمير أو لا يُؤكَّد، والحديث واقعٌ في الفعل، غاية ما في هذا أنَّ متعلِّق الاستيفاء، وهو {عَلَى النَّاسِ} مذكورٌ وهو في {كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ} محذوفٌ للعلم به؛ لأنَّه معلومٌ أنَّهم لا يُخسرون الكيل والميزان إذا كان لأنفسهم، إنَّما يُخسرون ذلك لغيرهم، وسقط قوله «يعني: كالوا لهم...» إلى آخره في رواية ابن عساكر. (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم ) فيما وصله النَّسائيُّ وابن حبَّان في حديث: لمَّا اشترى من طارق بن عبد الله المحاربيِّ وأصحابه جملًا بصيعان من تمرٍ، وأرسل إليهم رجلًا بتمرٍ يأمرهم بالأكل من التَّمر، وقال: (اكْتَالُوا حَتَّى تَسْتَوْفُوا) ثمنَ جملكم.
          ومطابقته للتَّرجمة من جهة أنَّ الاكتيال يُستعمَل لما يأخذه المرء لنفسه، كقوله: اكتسب إذا حصل الكسب. (وَيُذْكَرُ) بضمِّ أوَّله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (عَنْ عُثْمَانَ ☺ ) فيما وصله الدَّارقطنيُّ وأحمد وابن ماجه والبزَّار: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: إِذَا(3)) وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”قال له: إذا“ (بِعْتَ فَكِلْ) بكسر الكاف (وَإِذَا) بالواو، وللحَمُّويي والمُستملي: ”فإذا“ (ابْتَعْتَ) اشتريت (فَاكْتَلْ) يعني(4): إذا بعت فكن كائلًا، وإذا اشتريت فكن مكيلًا عليك، أي: الكيل على البائع‼ لا المشتري، قال ابن بطَّالٍ: فيه أنَّه يكيل له غيره إذا اشترى، ويكيل لغيره إذا باع.


[1] «في»: ليس في (د).
[2] قوله: «يَعْنِي: كَالُوا لَهُمْ أوْ وَزَنُوا... المضاف إليه مقامه»، جاء في (د) بعد قوله: «{ يُخْسِرُونَ }» السَّابق، ووقع في (ص) اضطرابٌ.
[3] «إذا»: ليس في (د).
[4] في (ب) و(س): «أي».