التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

سورة {هل أتى على الإنسان}

          ░░░76▒▒▒ (سُورَةُ: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}[الإنسان:1])
          يُقال: معناه أتى على الإنسانِ، و«هَلْ» تكون جحدًا وتكونُ خبرًا، وهذا مِن الخبرِ، يقول: كان شيئًا فلم يكن مذكورًا.
          و{هَلْ} في قوله: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ}[الإنسان:1] بمعنى «قد»، وقيل: استفهامُ تقريرٍ، وقال الفَرَّاءُ: «هل» يكونُ على وجهينِ: يكون جحدًا كقولكَ: هل يقدِرُ أحدٌ على مثلِ ذلك؟ أي لا يقدرُ أحدٌ. ويكون خبرًا كقولكَ: هل أعطيتُكَ؟ تُقرِّرُ معه بأنَّكَ قد أعطيتَهُ، والمعنى قد أتى على آدم زمانٌ مِن الأزمِنةِ لم يكن شيئًا مذكورًا، أي مذكورًا من جُملةِ البشَرِ، إنَّما كانَ طينًا مُصوَّرًا لم تُنفخْ فيه الرُّوحُ وذلك أربعون سنةً. وقيل: المرادُ بالإنسانِ جِنسُ الإنسانِ لا آدمُ بخصوصِهِ، حكاه ابن عسكر في «التكملة والإتمامِ».
          وجمهورُ أئمَّةِ النَّحاةَ على أنَّ {هَلْ} بمعنى «قد» كما قدَّمناهُ على معنى التَّقريرِ، وحملوا عليه كلامَ ابن عبَّاسٍ وأنَّ مرادَهُ أنَّها ليست للاستفهامِ الحقيقيِّ بل للاستفهامِ التقريريِّ، وإنَّما هو تقريرٌ لِمَن أنكرَ البعثَ، وقد عَلِمَ أنَّهم يقولون: نعم قد مضى دهرٌ طويلٌ لا إنسانَ فيه، فيُقال لهم: والذي أحدثَ الإنسانَ بعد أن لم يكن كيف يَمتنِعُ عليه إحياؤهُ بعدَ موتِهِ؟!
          تنبيهٌ: وقع في رواية الأَصِيليِّ: <وقال يحيى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} معناه أتى على الإنسانِ>، ويحيى هذا هو أبو زكرِيَّا يحيى بنُ زياد بن عبد الله بن منصور الديلمي الفرَّاءُ صاحبُ «معاني القرآن».
          قوله: (يَقُولُ: كَانَ شَيْئًا، فَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا) هو بالشينِ المعجَمةِ لأنَّهُ تفسيرُ قوله تعالى: {لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}[الإنسان:1] أي إنَّما كان عَدَمًا، ووقعَ لابنِ السَّكَنِ: <نَسْيًا> بالنُّونِ في أوَّله، والصَّوابُ / الأوَّلُ.
          قوله: (وَيُقَالُ: {سَلاَسِلًا وَأَغْلاَلًا}[الإنسان:4] وَلَمْ يُجِزْهُ بَعْضُهُمْ) هو بالجيمِ والزَّاي مِن الجواز، وعند الأَصِيليِّ بالرَّاءِ أي لم يصرفهُ.
          واعلمْ أنَّ قراءةَ نافعٍ والكِسائيِّ بالتنوينِ والباقونَ بغيرِ تنوينٍ ووقفوا عليه بالألِفِ، ومنهم مَن يقِفُ عليهِ بدونِها، ومَن لمْ يُنَوِّنْهُ فظاهرٌ لأنَّه على صيغةِ منتهى الجموع، وهو معنى قول البخاريِّ: (لَمْ يُجِزْهُ بَعْضُهُمْ) أي كذلكَ، والَّذينَ أجازوهُ ذكروا له وجوهًا منها التَّناسُبُ لأنَّ مَا قَبلَهُ مُنَوَّنٌ، ولأنَّ بعض العرب تصرف كلَّ ما لا ينصرف لأنَّ الأصلَ في الأسماءِ الصَّرفُ.
          قوله: ({أَمْشَاجٍ}[الإنسان:2]: الأَخْلاَطُ) أي في قولِه تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} والمرادُ بالإنسانِ هنا بنو آدَمَ، و{أَمْشَاجٍ} أي أخْلاطٍ، يعني ماءَ الرَّجُلِ وماءَ المرأةِ إذا اختلطا فهُما نطفةٌ واحدةٌ. وقال ابن عبَّاسٍ: أي مختلفةُ الألوانِ لأنَّ نُطفةَ الرجلِ بيضاء ونُطفةَ المرأةِ صفراء فإذا اختلطا في الرَّحِمِ كانتا أمشاجًا.
          وقوله: {نَبْتَلِيهِ} في موضعِ الحالِ أي خلقناهُ مبتلًى، وقيل: هو على تقدير اللَّام أي: لِنَبْتَليه.
          قوله: (وَالقَمْطَرِيرُ: الشَّدِيدُ) أي في قوله تعالى: {يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}[الإنسان:10] أي كريهًا أشدَّ الكَراهة، مِن قولهمْ: اقْمَطَرَّتِ النَّاقةُ إذا رفعتْ ذَنَبها لِشَدٍّ، وقيل: أي منقبضًا لا فُسحةَ فيه ولا انبساط، يُقال: اقْمَطَرَّ الإنسانُ إذا انقبَضَ، وقيل: {عَبُوسًا} كريهًا، و{قَمْطَرِيرًا} شديدًا.
          قوله: (وَقَالَ مَعْمَرٌ: {أَسْرَهُمْ}[الإنسان:28]: شِدَّةُ الخَلْقِ) إلى آخرِه، هو مَعمَر بنُ راشدٍ الصَّنعانيُّ، وهذا أخرجهُ عبدُ بن حُميد عن عبدِ الرَّزَّاق عن مَعمَر عن قتادةَ، وذُكِر عن مجاهدٍ وغيرِهِ بنحوهِ.
          قوله: (الغَبِيطِ) شيءٌ تركبُه النِّساءُ شِبهُ المحفَّةِ، هو بفتح الغين المعجَمةِ الموضعُ الذي يوطَّأُ للمرأةِ على البعير كالهَودَجِ.