التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب ما جاء في إجاز خبر الواحد

          ░░95▒▒ (بَابُ مَا جَاءَ فِي إِجَازَةِ خَبَرِ الوَاحِدِ الصَّدُوقِ فِي الأَذَانِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ وَالفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ)
          الإجازة: هي الإنْفاذ والعمل به والقول بحجِّيَّته (1).
          الخبر على نوعين: متواتر: وهو ما بلغت رواته في الكثرة مبلغًا أحالت العادة تواطؤهم على الكذب، وضابطه إفادة العلم.
          وخبر آحاد: وهو ما ليس كذلك سواء كان المخبِر به شخصًا واحدًا أو أشخاصًا كثيرة، بحيث ربَّما أخبر بقضيَّة مائة نفس، ولا يفيد العلم ولا يخرج عن كونه خبر الواحد.
          وقيل: الخبر ثلاثة أنواع متواتر ومستفيض: وهو ما زاد نقلته على ثلاثة وآحاد (2)، فغير المتواتر عند هذا القائل ينقسم إلى قسمين.
          وقوله: (الصَّدُوقِ) بناء المبالغة وغرضه أن يكون له مَلكة الصِّدق، يعني يكون عدلًا وهو مِن باب إطلاق اللَّازم، وإنَّما قال: (فِي الأَذَانِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ) ليُعلم أنَّ إنفاذه إنَّما هو في العمليَّات لا في الاعتقاديَّات.
          قوله: (وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ}[التوبة:122] وجه الاستدلال به أنَّه تعالى أوجبَ الحذر بإنْذار طائفة مِن الفرقة ثلاثة. والطَّائفة واحدٌ أو اثنان.
          قوله: (وَيُسَمَّى الرَّجُلُ طَائِفَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}[الحجرات:9] فَلَوِ اقْتَتَلَ رَجُلاَنِ دَخَلَا فِي مَعْنَى الآيَةِ) قال الرَّاغب: الطَّائفة إذا أُريد بها الجمع فجمع طائف، وإذا أُريد بها الواحد فيصحُّ أن يكون جمعًا، وكُنِّي به عن الواحد، ويصحُّ أن يُجعل كرواية (3) وعَلَّامة.
          ما جزم به البخاري مِن تسمية الرَّجل طائفة واستدلاله بالآية هو قول ابن عبَّاس وغيره. وقال عطاء: الطَّائفة الرَّجلان فصاعدًا، وقال مالك: الطَّائفة أربعة. وقال الزَّجَّاج: لا يجوز أن تكون الطَّائفة واحدًا، لأنَّ معناها معنى الجماعة، والجماعة لا يجوز أن تكون لأقلَّ مِن اثنين، وقال ابن فارس وغيره وأهل اللُّغة: الطَّائفة القطعة مِن الشَّيء، فلا يمتنع إذًا أن يُسمَّى الواحد طائفة. ورُوي عن مجاهد في الآية المذكورة أنَّهما كانا رَجلين، والأشبه في معنى قوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[النور:2] أنَّها أكثر مَن واحد، لأنَّ المراد بِها الشُّهرة.
          قوله: (وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}[الحجرات:6] أوجبَ التَّثبُّت عندَ الفِسق، فحيث لا فسق لا تثبَّت، فيجب العمل به أو أنَّه علَّل التَّثبُّت بالفِسق، ولو لم يقبل لما علَّل به لأنَّ ما بالذَّات لا يكون بالغير.
          قوله: (وَكَيْفَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلعم أُمَرَاءَهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ) فإنْ قيل: إذا كان خبر الواحد مقبولًا فما فائدة بعث الآخر بعد الأوَّل؟ قلت: لردِّه إلى الحقِّ عند شهوده، وفيه نوعان مِن الاستدلال لأنَّ المخبِر واحد والمراد أيضًا واحد.
          قوله: (فَإِنْ سَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ) أي: وهَي الطَّريقة المحمَّديَّة واجبًا كان أو مندوبًا أو غيرهما.


[1] في الأصل:((بحجته)).
[2] قوله:((آحاد)) ليس في الأصل.
[3] كذا في الأصل, ولعلها:((كراوية)).