التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب سورة حم السجدة

          ░░░41▒▒▒ (باب سُورَةُ حم السَّجْدَةِ) (1)
          قوله: ({ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11]: أَعْطَيْنَا) ليس {أَتَيْنَا} بمعنى (أَعْطَيْنَا) معروفًا في كلام العَرب، وقال السَّفاقُسِي: لعلَّ ابن عباس قرأ بالمدِّ، لأنَّ (أَتَى) مقصورة بمعنى جاء، وممدودةً رباعي بمعنى أعطى. وقال السُّهيلي في «أماليه»: قد ذكر أنَّ البخاري ☼كان يهم في القرآن، وأنَّه أورد في كتابه آيات كثيرة على خلاف ما هي في التِّلاوة، فإنْ كان هذا الموضع منها، وإلَّا فهي قراءة بليغة (2)، ووجهها: أي أعطينا الطَّاعة، كما يُقال: فلان يعطي الطاعة لفلان، والمعنى أتينا مَا يُراد منَّا، وقد قُرئ: ▬ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا↨ و{لَأَتَوْهَا}[الأحزاب:14]. والفتنة خلاف الطَّاعة، أو ضدُّها، وإذا جاز الإتيان في هذه جاز في هذه. وما قاله طاوس عن ابن عبَّاس أخرجه ابْن أبي حاتم مِن حديث سليمان الأحول، عن طاوس، عنه.
          قيل: إنَّ بقعة الحَرم هي الَّتي قالت ذلك مِن الأرْض، فلذلك جَعلها الله حَرمًا آمنًا، وأعطى الحُرمة لشجرها وصيدها وعُشبها.
          قوله: (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي أَجِدُ فِي القُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ: {فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ}[المؤمنون:101]، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}[الصافات:27] {وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}[النساء:42]) روى الحاكم في «المستدرك» في كتاب الأهوال عن دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَأَلَهُ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ، عَنْ قَوْلِهِ ╡: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ}[المرسلات:35] وَ{لَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}[الصافات:27] وَ{هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}[الحاقة:19] (3).
          قوله: (وَقَالَ: {السَّمَاءُ بَنَاهَا}) صوابه: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا}[النازعات:27] (4).
          قوله: (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ) يعني ابن زُريق، ويُقال: ابن عدي بن الصَّلْت، أبو يعقوب الكوفي، التَّيمي مولى تيم الله، نزيل مصر، أخو زكريا بن عديٍّ، روى عنه النَّسائي بواسطة، وفي «يومه وليله» بواسطتين، وروى البخاري عنه هذا الواحد (5)، مات يوم الثلاثاء لتسع (6) بقين مِن شهر ربيع الآخر، سنة اثنتين وثلاثين ومئتين.
          قوله: ({نَحِسَاتٍ}[فصلت:16] مَشَائِيم) (7) أي مشؤومات عليهم، وقيل: مستأنفات، قال ابن عبَّاس: كُنَّ آخر شوال مِن الأربعاء / إلى الأربعاء، وما عُذب قوم إلَّا في الأربعاء (8).
          قوله: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}[فصلت:8] قال: مَحْسُوب) هَذا أخْرجه عبد بن حُميد بسنده إلى ابن جُريج عنه، وقيل: غير مقطوع، وقيل: لا يُمَنُّ به، وقيل: غير منقوص.
          قوله: ({مِنْ أَكْمَامِهَا}[فصلت:47]: قِشْرُ الكُفَرَّى) بضمِّ الكاف، وفتح القاف _وقد تُضمُّ_ وتشديد الرَّاء، مقصورٌ، (كُمُّ) النَّخل، لأنَّه يستر ما في جَوفه، وهو (9): وعاء الطَّلع وقشره الأعلى، قاله الأصْمَعي وغيره، وقيل: وعاء كلِّ شيء كافوره. وقال الخطَّابي: قال الأكثرون: إنَّ الكُفَرَّى الطَّلع بما فيه. وعن الخليل أنَّه الطَّلع.
          وقوله في الحديث (10): (قِشْرُ الكُفَرَّى) يُصحِّح قولَه (11).
          قوله: (وَالهُدَى الَّذِي هُوَ الإِرْشَادُ بِمَنْزِلَةِ أَسْعَدْنَاهُ) قال السُّهيلي: هو بالصَّاد أقرب إلى تفسير أرشدناه مِن (أَسْعَدْنَاهُ)؛ لأنَّه إذا كان بالسِّين كان مِن السَّعد والسَّعادة، وأرشدت الرَّجل إلى الطريق، وهديته السَّبيل، بعيد مِن هذا التَّفسير، فإذا قلت: أصْعدناهم _بالصَّاد_ خرج اللَّفظ إلى معنى: الصَّعدات، في قوله: ((إِيَّاكُمْ وَالقُعُودَ عَلَى الصُّعُدَات))، وهي الطُّرق، وكذلك أصعد في الأرض: إذا شَارفها (12) على قصد. فإن كان البخاري قصد هذا، وكتبها في نسخته (13) بالصَّاد التفاتًا إلى حديث الصُّعُدات؛ فليس بعجيب، ولا منكَر.
          قوله: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: التي هي أحسن أي في قوله {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[المؤمنون:96] الصَّبْرُ عِنْدَ الغَضَبِ وَالحِلْمُ عِنْدَ الجْهْلِ وَالعَفْوُ عِنْدَ الإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت:34]) هذا مشهور عنه، والوليُّ الحميم كما في المتن (القَرِيبُ) وقيل: الصَّدَيق.
          قوله: ({مَحِيصٍ}[إبراهيم:21]: حَاصَ عَنْهُ أَيْ حَادَ) عنه، أي ما لهم مِن مهرب، و{ما} هنا (14) حرف، وليس باسم، فلذلك لم يعمل فيه الظَّنُّ، وجعل الفعل مُلغًى.


[1] قوله:((سُورَةُ حم السَّجْدَةِ)) ليس في الأصل.وهو من «الجامع الصحيح».
[2] كذا في الأصل، وقرأها محقق «التنقيح» للزركشي:(بلغة)، أي بلغة إحدى القبائل، وقرأها محقق «اللامع الصبيح» للبرماوي(بلغته) فعل البلاغ، والله تعالى أعلم.
[3] كذا في الأصل، بدون تتمة الحديث، وهو في المستدرك كما ذكر المصنف، ولعل مراده تفسير لفظ(رجل) المبهم في الحديث هنا بنافع بن الأزرق، كما في(مصابيح الجامع) للدماميني.
[4] كذا، وقد تيع الزركشي في(التنقيح)، ولا داعي لهذا التصويب، لأن اختصار الآية على ليس خلاف الصواب! والله تعالى أعلم.
[5] يعني هذا الحديث فقط، وأما النسائي فروى عنه حديثًا آخر بواسطة رجل واحد في كتابه: «السنن الكبرى»، وبواسطة رجلين في كتابه: «عمل اليوم والليلة».
[6] كذا في الأصل، وفي «تهذيب الكمال» للمزي:(لسبع).
[7] كتبها الناسخ:((مياشيم))!.
[8] هذا لا يفيد أن يوم الأربعاء شؤم بذاته، نبه على ذلك كثير من العلماء.
[9] أي: الكفرى.
[10] لعله يريد الحديث المقطوع، لأنه كلام السدي ░127ه▒:(قشر الكفراة) كما في «تفسير الطبري»، ولعل الفراء اتبعه في «معاني القرآن»، وعنه البخاري كما في «الفتح» للحافظ.
[11] في الضمير العائد خلاف بين الشارحين، فمن يرجح أن الكفرى هي الطلع يرده إلى الخليل، ومن يرجح أنها وعاء الطلع يرده إلى الأصمعي، والأظهر لي هو الأول، كما سيأتي أيضًا في سورة ق إن شاء الله تعالى.
[12] في «أمالي للسهيلي»:(سار فيها)، ولعل نسخ الناسخ هنا أصوب، ثم كلام السهيلي هنا غريب، وانظر «المصابيح» للدماميني.
[13] في الأصل:((نسخة)).
[14] في قوله تعالى: {وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} [فصلت: 48].