التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

سورة الزخرف

          ░░░43▒▒▒ (سُورَةُ الزُّخْرُفِ) (1)
          قوله: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {عَلَى أُمَّةٍ}[الزخرف:22] عَلَى إِمَامٍ) أخرجه ابن أبي حاتم مِن حديث ابن أبي نَجيح عنه، وقيل: أُمَّةٍ مِلَّة، والمعنى متقارب لأنَّهم يتبعون المِلَّة ويقتدون بها.
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَلَوْلاَ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}[الزخرف:33] لَوْلاَ أَنْ جَعَلَ (2) النَّاسَ كُلَّهُمْ كُفَّارًا..) إلى آخره هذا الأثر أخرجه ابن جرير عن أبي عاصم عن عيسى عن ورقاء عن ابن أبي نَجيح عن مجاهد عن ابن عباس.
          قوله: ({مُقْرِنِينَ}[الزخرف:13] مُطِيقِينَ) أي ضَابطين قاهرين، وهو مِن القرن، كأنَّه قال: وما كنَّا له مقارنين في القوَّة، وقال بعد: ({وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}[الزخرف:13] ضَابِطِينَ). (3) يُقال: فلان مُقرن لفلان، أي ضابط له.
          قوله: (وَقَالَ مجاهد: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا}[الزخرف:5] / أَيْ تُكَذِّبُونَ بِالقُرْآنِ، ثُمَّ لاَ تُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ؟) هذا أخرجه ابن أبي حاتم بالإسناد عنه. قال قتادة: (وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ (4) هَذَا القُرْآنَ رُفِعَ حَيْثُ رَدَّهُ أَوَائِلُ هَذِهِ الأُمَّةِ لَهَلَكُوا) ولكن الله عاد برحمته فكرَّره عليهم. وهذا ثابت في بعض النسخ مِن غير عزوٍ، وهو في البخاري في آخر باب: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}[الزخرف:77].
          تنبيه: الزُّخرف أصله: الذَّهب _كما نبَّه عليه ابن سِيده_ ثم سُمِّيَ كلُّ زينة زُخرفًا، وزُخرَفَ البيتَ: زينته، وكلُّ شيءٍ زُوِّق وزُيِّن فقد زُخرِف.
          قوله: ({وَقِيلِهِ يَا رَبِّ} تَفْسِيرُهُ، أَيَحْسِبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ، وَلاَ نَسْمَعُ قِيلَهُم) هذا يقتضي أنَّه فصل بين المتعاطفين بجمل كثيرة، وينبغي حمل كَلامه على أنَّه أراد تفسير المعنى، ويكون التَّقدير: ونعلم قيله. فحَذف العامل. وقال السَّفاقُسِي: هذا التَّفسير أنكره بعضهم، وقال: إنَّما يصحُّ ذلك لو كانت التِّلاوة ▬وقيلهم↨). وقيل: المعنى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ}[الزخرف:86]، وقال قيله: {يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ}[الزخرف:88] عَلى الإنْكار.
          قوله: ({يَعْشُ}[الزخرف:36] يَعْمَى) قال السَّفاقُسي: يجب أن تَكون القراءة عليه بفتح الشِّين.
          قال الزَّرْكشي: كذا (5) قاله ابن قتيبة، فإنَّه حكى قول أبي عبيدة على قراءة الضمِّ: أنَّه تُظلِم عينُه. قال: وقال الفراء: يعرض عنه، قال: ومن قرأ: (يَعْشَ) بنصب الشين، أراد تعمى عينه (6)، قال: ولا أرى القول إلَّا قول أبي عبيدة، ولم أرَ أحدًا يجيز: عشوتُ عن الشَّيء: أعرضتُ عنه (7)، إنَّما يُقال: تعاشيت عن كذا: تغافلت عنه كأني لم أرَه، ومثله: تَعاميت. ورجَّح غيره (8) قول أبي عبيدة، فإنَّه إنَّما يُقال: عشى (9) إذا مشى ببصر ضعيف، ونظيره: عَرج: مشى مشية الأعْرج، وعَرَج صار أعَرجَ، وكذلك: عشِي يعشى إذا عَمِي.
          قوله: ({فِي عَقِبِهِ}[الزخرف:28] وَلَدِهِ) يريد: وولدِ ولده، وقال ابن فارس: يُقال: بل الورثة كلُّهم عقب.
          قوله: ({يَصِدُّونَ}[الزخرف:57] يَضِجُّونَ) بكسر الصَّاد، ومَن قرأ بالضمِّ فالمعنى: عنه يعرضون، وقال الكِسائي: هما لغتان بمعنى، وأنكر بعضهم الضمَّ وقال: لو كان مضمومًا لكان: عنه، ولم يكن {مِنْهُ}، وقيل: معنى({مِنْهُ} من أجله (10)، فيكون الضمُّ صحيحًا.
          قوله: ({أَوَّلُ العَابِدِينَ}[الزخرف:81] أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ) أي إن كان للرَّحمن ولد _في قولكم_ فأنا أوَّل مَن عبد (11). وقال الحسن: يقول: ما كان له مِن ولد. وقيل: هو مِن عبِد، أي: أنِف وغضِب، وهو ما قاله البخاري في باب: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}[الزخرف:77] إذ قال: ({أَوَّلُ العَابِدِينَ}[الزخرف:81] أَيْ مَا كَانَ، فَأَنَا أَوَّلُ الآنِفِينَ، وَهُمَا / لُغَتَانِ: رَجُلٌ عَابِدٌ وَعَبَدٌ، وَيُقَالُ: {أَوَّلُ العَابِدِينَ}[الزخرف:81] الجَاحِدِينَ، مِنْ عَبدَ يَعْبد)، يُقال: (رَجُلٌ عَابِدٌ وَعَبَدٌ)، بفتح الباء (12)، كذا ضبطه ابن فارس وغيره، وكذا قال صاحب «الصِّحاح»: العَبَدَ _بالتحريك_ الغضب، وعبِد _بالكسر أي أنِف_. وقوله: ({أَوَّلُ العَابِدِينَ (13)} الجَاحِدِينَ، مِنْ عَبَدَ يَعْبُد)، بفتح الباء في الماضي وبضمها في المستقبل، قال السَّفاقسي: هكذا ضبطوه هنا، قال: ولم يذكر أهل اللُّغة عَبَدَ بمعنى جَحَدَ، وذكر ابن عزيز أنَّ معنى العابدين الآنفين والجاحدين، قال الزَّرْكشي: وضبطه البياشيُّ (14) الحافظُ مِن عَبِدَ يَعْبَد، بالكسر في الماضي وفتح الباء في المستقبل.


[1] كذا، والعنوان في «الجامع الصحيح».سورة حم الزخرف، بزيادة(حم) وكذلك هي في البواقي، ولن أعود للإشارة.
[2] في الأصل:((أجعل)).
[3] قوله:((ضابطين)) في الباب التالي لهذا الباب، باب قَوْلِهِ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ، قَالَ: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}[الزخرف: 77].وفيه حديث رقم: 4819، تجاوزه المصنف، وسيشير إليه قريبًا.
[4] في الأصل:((كان)).
[5] لم أفهم وجه الشبه بين كلام السفاقُسي وكلام ابن قتيبة، فالسفاقسي يصحح تفسير((يعش)) بيعمى على قراءة النصب دون قراءة الرفع، وأما ابن قتيبة فيصحح تفسير((يعش)) على الرفع بتظلم عينه دون يعرض.
[6] قوله:((قال: وقال الفراء: يعرض عنه، قال: ومن قرأ:(يَعْشَ) بنصب الشين، أراد تعمى عينه)) ليس في الأصل.وهي زيادة من «التنقيح» للزركشي، ولا بد منها، لأن ابن قتيبة في قوله: ولم أر أحدًا يجيز ..الخ.إنما يرد على الفراء.
[7] رد عليه الأزهري في «تهذيب اللغة» ونقل جوازه عن أبي الهيثم.
[8] كأنه يريد: وكذلك رجح غيره قول أبي عبيدة أيضًا، ولعل هذا الغير هو النحاس في «معاني القرآن».
[9] كذا في الأصل، رسم الماضي بالممالة، ولم يذكر مضارعه، ولعل الصواب رسم الماضي بالممدودة وذكر مضارعه الواوي، عشا يعشو، كما في «معاني القرآن» للنحاس، وانظر «تفسير الطبري».
[10] الكلام في الأصل:((ولم يكن منه، وقيل: معنى، وقال مجاهد: {يذرؤكم فيه} نسل بعد نسل هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث حجاج عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح وقال الفرَّاء: فيه بمعنى به.
قوله(طرف خفي) دليل هذا من بقية كلام مجاهد وقيل ينظرون بقلوبهم لأنهم يحشرون عميًا.{منه} من أجله .).).فما أثبت الناسخ بين كلمتي((معنى)) و {منه} كلام أجنبي، وموضعه سورة الشورى، وسبقت الإشارة إليه هناك، والنص بجملته بدون حشو في «التنقيح» للزركشي.
[11] كذا في الأصل، وتتمة القول: عبده ووحّده وكذبكم، كما في «البسيط» للواحدي، و«التوضيح» لابن الملقن، وغيرهما.
[12] ضبطها غيره من الشراح بكسر الباء، ولكلٍ مراده، فمراد من فتح الباء المصدر، ومراد من كسر الباء الصفة المشبهة باسم الفاعل، مثل الغضَب والغضِب، كذا الفرَح والفرِح، لكن عطف(عبد) على(عابد) يرجح الصفة، والله تعالى أعلم.
[13] قوله:((الجاحدين)) ليس في الأصل.
[14] كذا في الأصل، ولعل الصواب:(البياسي) بالسين المهملة، كما في «التنقيح» للزركشي، و«المصابيح» للدماميني.