التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب استعانة اليد في الصلاة إذا كان من أمر الصلاة

          ░░21▒▒ (بَابُ اسْتِعَانَةِ اليَدِ فِي الصَّلاَةِ، إِذَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الصَّلاَةِ)
          قوله: (وَوَضَعَ أَبُو إِسْحَاقَ: قَلَنْسُوَتَهُ فِي الصَّلاَةِ وَرَفَعَهَا) كَذا هو في الأصول، وفي بعضها ((أو رفعها)) بالألف، وحَكاه صاحب «المطالع» وقد استثنى مِن ذلك مسائل، مِنها إذا تعيَّن الكلام بأنْ رأى أعمى أو صغيرًا ونحوه يقع في بئر أو نار أو رأى حيَّةً أو عقربًا يقصد نائمًا ونحوه ولم يمكن إنذاره إلَّا بالكلام فأنذره، والأصحُّ عند الأكثر مِن أصحابنا كما ذكره النَّووي في بعض كتبه أنَّها تبطل، ورجَّح في بعض آخر أنَّها لا تبطل، ومنها لو نذر في صلاته وتلفَّظ بنذره عامدًا والَّذي رجَّحه النَّووي في «شرح المهذب» أنَّها لا تبطل، قال: لأنَّه مناجاة لله تعالى فأشبه قوله: ((سجد وجهي)) وما ذكره مسلم في نذر التبرُّر وهو الَّذي لم يُعلَّق على شيء كقوله: لله عليَّ كذا غير مسلم في نذر المجازاة كقوله: إنْ شفى الله مريضي فلله عليَّ كذا، لأنَّ هذا النذر مكروه، وليس بقربة، ومنها: ما لو سلم ناسيًا وظنَّ أنهُ قد خرج مِن الصَّلاة فتكلَّم عامدًا ولم يطل كلامهُ / لم تبطل، وإن أطال الطلب في الأصحِّ، ويشهد لهذه قصَّة ذي اليدين فإنَّه لم يتكلَّم على أنَّهُ في الصَّلاة بل أنَّه قد خرج منها بظنِّه أنَّ الصلاة قُصرت، ولا يُقال أنَّ كلامه كان قبل تحريم الكلام في الصَّلاة، لأنَّ تحريم الكلام كان بمكة كما تقرَّر، وكلام ذي اليدين بالمدينة.
          ومنها: لو كان الكلام جوابًا للنبيِّ صلعم ، والمجزوم به عند النَّووي وأبي القاسم الرَّافعي أنَّها لا تبطل، لأنَّه لما نادى ابن العلاء وَهو في الصَّلاة فلم يجبه واعتذر بعد فراغها بأنَّه كان يصلي قال له النبي صلعم : ألم تسمع قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} الآية [الأنفال:24]، وهو يدلُّ على أنَّ العامَّ في الأشخاص عام في الأحوال والأزمنة على خلاف ما قرَّره القُرافي وغيره مِن أهل الأصول، ومِن ذلك جواب الصِّدِّيق والفاروق في قصَّة ذي اليدين أنَّ النبيَّ صلعم حين قال: ((أحقٌّ ما يقول ذو اليدين)).
          ومنها: لو أجاب نداء أحد أبويه وهو يصلي وفي بطلان صلاته ثلاثة أقوال لأصحابنا:
          أحدها: لا تبطل به الصَّلاة، والثاني: يلزمهُ الإجابة وتبطل بِه الصَّلاة، والثَّالث: لا يلزم الإجابة رأسًا وهذه هو الأصحُّ عند الرُّويَّاني.
          ومنها: لو جهل تحريم الكلام بأنْ كان قريب عهدٍ بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة لجهل أهلها الأحكام كما ذكر ذلك الْبَنْدَنِيجِيُّ والماوردي والخوارِزمي في «الكافي».
          ومنها: لو تكلَّم بأشياء _كثيرًا_ فالَّذي نصَّ عليه الشَّافعي في «البويطي» كما حكاه عنه في «المهذَّب» وابن الصبَّاغ واختاره لقصَّة ذي اليدين، لكن الذي رجَّحه النَّووي البطلان بكثير الكلام ناسيًا، والجاهل والمغلوب عليه حُكمُهُ كذلك، وإشارة الأخرس المفهم كالنُّطق في العقود كالبيع وغيره، ولا تبطل بها الصَّلاة على الأرجح، والله تعالى أعلم.
          1199- قوله: (كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صلعم وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ، فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا) اعلمْ أنَّ حديث عبد الله بن مسعود وزيد بن أرقم صريحان في أنَّ الكلام كان مباحًا في الصَّلاة ثمَّ حُرِّم، واختلفوا في تحريمه، فقال قوم: بمكة؛ مستدلين بحديث ابن مسعود ورجوعه مِن عند النجاشي إلى مكة، وقال آخرون: حُّرِّمَ بالمدينة بدليل حديث زيد بن أرقم فإنَّه أنصاري وأسلم بالمدينة، وسورة البقرة مدنية، خصوصًا قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة:238] وقَال: هؤلاء: إنَّ ابن مسعود لما عاد إلى مكة مِن الحبشة رجع إلى الحبشة في الهجرة الثانية، ثمَّ ورد على رسول الله صلعم / بالمدينة وهو يتجهَّز لبدر، وقال الخطَّابي: إنَّما أُبيح الكلام بعد الهجرة بمدَّة يسيرة، وأجاب الأولون بأنَّ الظَّاهر يُحدد هذا الحال في غيبة ابن مسعود الأولى، فإنَّه قال: (فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ) ولم يقلْ في المرَّة الثانية، وحملوا حديث زيد على أنَّه إخبار عن الصَّحابة المتقدِّمين، كما يقول القائل: قاتلناكم وهي مناكم يعنون الآباء والأجداد، وقول الخطابي يحتاج إلى تاريخ، والتاريخ بعيد كما نبَّه عليه ابن الجوزي في «مشكل الصحيحين».
          وأبدى ابن حِبَّان فيه شيئًا حَسنًا فقال: قد توهَّم مَن لم يحكم صناعة العلم أنَّ نسخ الكلام في الصَّلاة كان في المدينة لحديث زيد بن أرقم، وليس كذلك؛ لأنَّ الكلام في الصَّلاة كان مباحًا إلى أنْ رجع ابن مسعود مِن عند النَّجاشي فوجد إباحة الكلام قد نُسخت، وكان بالمدينة مصعب بن عمير يُقرئ المسلمين ويفقههم وكان الكَلام بالمدينة مباحًا كما كان بمكَّة، فلمَّا نُسخ ذلك بمكَّة تركه النَّاس بالمدينة، وقال ابن بطَّال: زعم الكوفيون أنَّ حديث ابن مسعود وزيد بن أرقم ناسخٌ لقصَّة ذي اليدين، وسيأتي ما فيه في موضعه قريبًا، والآثار متواترة عَلى أنَّ قدوم ابن مسعود مِن الحبشة على رسول الله صلعم حين لم يردَّ السلام كان بمكَّة وإسلام أبي هريرة كان بالمدينة عام خيبر فلا نسخ إذًا، ولا يُقال إنَّ حديث زيد ناسخٌ لحديث ذي اليدين لانتفاء التاريخ، غير أنَّ زيدًا أقدمُ إسلامًا مِن أبي هريرة، ويحتمل أن يكون معنى حديث زيدٍ (فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ) يعني إلَّا ما كان مِن الكلام في مصلحة الصَّلاة فهو غير داخل في النَّهي عن الكلام فيها، ليوافق حَديث أبي هريرة ولا تعارض حينئذ، واعلمْ أنَّ الكلام العمد في الصَّلاة يبطلها (1)، خلافًا في الرَّواية وقال حذفها هو الصَّواب.
          قوله: (وَوَضَعَ عَلِيٌّ ☺ كَفَّهُ عَلَى رُصْغِهِ) قال ابن التين: وقع في البخاري بالصَّاد وهو لغة في الرُّسغ قاله الخليل، وقال غيرهُ: صوابه بالسين، والرُّسغ مفصل ما بين الكفِّ والساعد.


[1] هنا إشارة فوق الكلام، والمعنى غير مترابط مع الجملة بعدها، ولعل هناك كلام ساقط.