التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

سورة المؤمن

          ░░░40▒▒▒ (سورة المؤمن)
          قوله: ({حم}[غافر:1] قال مجاهد (1): مَجَازُهَا مَجَازُ أَوَائِلِ السُّوَر) هو بالجيم والزَّاي، أي طريقها وحكمها حكم سائر الحروف المقطعة في أوائل السُّور في أنَّها للتنبيه على أنَّ القرآن مِن جنس هذه الحروف، ولِقرع العصا عليهم. وقيل: إنَّه اسم علم للسُّورة، وقيل: للقرآن، لقول شُرَيح بن أبي (2) أوفى:
يُذَكِّرُنِي حاميمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ                     فَهَلَّا تَلاَ حاميمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ (3)
          وهذا آخر (4) أبيات منها:
وأشعثَ قوَّامٍ بآيات ربِّه                     قليلِ الأذى _فيما ترى العين_ مسلمِ
ذلقتُ له بالرُّمح جيبَ قميصه                     فخرَّ صريعًا لليدين والفمِ
على غير شيءٍ، غيرَ أنْ ليس تابعًا                     عليًّا، ومَن لا يتبع الحقَّ يظلمِ
          ويُروى: يندمِ.
يُذَكِّرُنِي (5) حمَ                     البيت، في أبيات أُخَر (6)
          وجه استدلال البخاري: أنَّه أعربه، ولو لم تكن اسمًا _بل كانت حروفًا متهجَّاة_ لما دخل فيه الإعراب. وقصَّة البيت: أنَّ محمَّد بن طلحة (7) بن عبيد الله القرشي السَّجَّاد (8) كان يوم الجمل كلُّما حمل عليه رجل يقول: نشدتك بحم. حتَّى شدَّ عليه شُريح فقتلَه وأنشد البيت المذكور. ثمَّ قيل: المراد بقوله: (حم) قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:23]. وقال بعضهم: إنَّه لمَّا طعنه شُريح قال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ}[غافر:28]. فهو معنى قوله: (يُذَكِّرُنِي حَم)، والأصحُّ مَا تقدم. قال الحسن: إنَّه (9) كان شعار أصحاب عليٍّ يومئذ (حم)، وقال الزُّبير: إنَّ طلحة أمر ابنه السَّجَّادَ يوم الجمل أن يتقدَّم باللِّواء، وأمرَتْه عائشة بالكفِّ، فتقدَّم، وثنى (10) درعه بين رجليه وقام عليها.
          وقال الزَّرْكَشي: (مَجَازُهَا مَجَازُ أَوَائِلِ السُّوَر) أي تأويل مجازها وصرف لفظها عن ظاهره، وعند أبي ذرٍّ: <قال: {حم} مجازها .. (11)>.
          قوله (12): (وَيُقَالُ: بَلْ هُوْ اسْمٌ) (13) قال السَّفاقُسِي: لعلَّه يريد على قراءة عيسى بن عمر بفتح الحاء والميم الأخيرة، ومعنى قراءته: اتلُ حم، ولم يصرفه لأنَّه جعله اسمًا للسُّورة، ويجوز أن يكون فتح الميم (14) لالتقاء الساكنين.
          قوله: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِلَى النَّجَاةِ}[غافر:41] الإِيمَانُ) يشير إلى قوله: ما لي أدعوكم إلى النجاة. وما قاله مجاهد أسنده / ابن أبي نَجيح عنه.
          قوله: ({لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ}[غافر:43]) يعني ادَّعت الرُّبوبية (15) وفي الآخرة تتبرَّأ مِن عُبَّادها.
          قوله: (وَكَانَ العَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ يُذَكِّرُ النَّارَ) هو العلاء بن زياد العَدوي البَصري التَّابعي.


[1] كذا، وهي رواية الصحيح عند غير أبي ذر، وروايته: <ويقال: {حم} مجازها ..>، بدون نسبة القول إلى(مجاهد)، كما سيشير إليها المصنف أخيرًا عن الزركشي، ورواية أبي ذر هي الصواب، لأن القول لأبي عبيدة في «مجاز القرآن»، لا لمجاهد، وانظر «الفتح» لابن حجر، و«الإرشاد» للقسطلاني.
[2] كذا وقع اسمه في الأصل، وفي «الجامع الصحيح»، وفي أغلب الشروح، لكن العيني في «العمدة» نبه إلى أن الصواب:(شريح بن أوفى) بدون(أبي)، وهو كذلك في «تاريخ دمشق» لابن عساكر، وأغلب التواريخ، والله تعالى أعلم.
[3] قوله:((يُذَكِّرُنِي حاميمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ ...فَهَلَّا تَلاَ حاميمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ)) ذكره في الأصل بعد قوله:((في أبيات أخر)).
[4] في الأصل:((لِقول شريح بن أبي أوفى وهذا امر أبيات منها .).)، ولم يذكر البيت هنا، وسيذكره بعد، ولابد من إثباته هنا لأنه محل الشاهد في قوله:((لقول شريح))، ولأن قوله:((وهذا)) إشارة إليه، فأثبتُّه أنا كما في «الجامع الصحيح».
[5] في الأصل:((يذكر)).
[6] في الأصل:((ويروى يندم يذكر حم البيت في أبيات أُخر يذكرني حم .).)، وأثبتَ هنا البيت كاملا، وهو تكرار وذهول، والله تعالى أعلم، ورواية الأبيات قريبة من رواية «التوضيح» لابن الملقن، وفيه الأبيات الأخر، فراجعه.
[7] في الأصل:((أن طلحة بن محمد))! وهو سهو.والصواب كما في «الكواكب» للكرماني، وغيره.
[8] في الأصل:((النجاد)).
[9] في الأصل:((والأصح كما قال الحسن إنه .).)! ورأيت زيادة [ما تقدم] لازمة ليستقيم المراد، وهو أن الأصح الأول، أي أن المراد بقوله(حم) آية الشورى لا آية غافر.و(الحسن) هو ابن مظفر النيسابوري صاحب «مأدبة الأدباء»، نقل عنه ابن الملقن في «التوضيح»، وعنه المصنف، لكنه تصرف وقدم وأخر، فراجع «التوضيح».
[10] كذا في الأصل، لكن لعل الصواب(نثل) أي ألقاها عنه، كما في «إصلاح المنطق» لابن السكيت.
[11] أي بدون ذكر((مجاهد))، فقوله:({حم} مجازها .). الخ، ليس قول مجاهد، بل قول أبي عبيدة في «مجاز القرآن»، كما تقدم في أول هامش على هذه السورة.
[12] قوله:((قوله)) ليس في الأصل.وهي لبيان انتقال الكلام من شرح قول البخاري الأول في تفسير(حم) إلى شرح قوله الثاني فيها، ولا يزال النقل لقول الزركشي، كما صرح المصنف ببدئه.
[13] في الأصل:((اسمه)).
[14] قوله:((الميم)) ليس في الأصل.وهو من «التنقيح» للزركشي.
[15] كذا في الأصل، وفي «التوضيح» لابن الملقن:(ولم تدع الربوبية)، ولعله أصوب لأن أوفق للفظ الآية، والله تعالى أعلم.