التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

كتاب الدعوات

          ░░80▒▒ (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ)
          وقول الله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:60].
          قال الرَّاغب: الدُّعاء كالنِّداء، وقد يُستعمل كلُّ واحد منهما موضع الآخر، قال تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً}[البقرة:171] ويستعمل استعمال التَّسمية نحو: دعوتُ ابني زيدًا أي سمَّيته. قال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}[النور:63] أي لا تقولوا: يا محمَّد تعظيمًا له وتوقيرًا.
          والدُّعاء مستحبٌّ عند الفقهاء وهو الصَّحيح، وقال بعض الزُّهاد: تركه أفضل استسلامًا للقضاء وقيل: إنْ دعا لغيره فحسن وإلَّا فلا.
          قوله: (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ) أي مثبتةُ الإجابة، وهو على يقين مِن إجابتها وأمَّا باقي دعواهم فهم على طمع مِن إجابتها، وبعضها يُجاب وبعضها لا يُجاب، وقال المظَفَّر: اعلمْ أنَّ دعوات الأنبياء كلُّها مستجابة، والمراد بقوله صلعم : (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ) أنَّ لكلٍّ نبيٍّ دعاءٌ على أمَّته بالإهلاك كنوحٍ وصالح وشعيب وموسى وغيرهم مِن الأنبياء ‰، وأمَّا نبيُّنا صلعم فلم يَدعُ عَلى أعدائه بالإهلاك، فأُعْطِيَ قبولَ الشَّفاعة يوم القيامة عوضًا عَن صبرهِ على أذاهُم، ويعني بالأُمَّة هُنا: أُمَّة الدَّعوة لا أُمَّة الإجابة، فإنَّ أحدًا مِن الأنبياءِ لم يَدعُ عَلى مَن أجابه مِن أمَّته، بل على مَن كذَّبه وكفَر به وآذاه. قال الطَّيبي: هذا مُشكِلٌ؛ فإنَّ النبيَّ صلعم دعا على أحياءٍ مِن العرب كرِعِلٍ وذكوان وبني لُحيَان وعُصَيَّة ومُضَر، أي وعلى الملأ مِن قريش حتَّى أَلْقَوا / على ظهره السَّلَا وهو ساجدٌ، فالتأويل المستقيم أنَّ مَعنى قولهِ صلعم : (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ) أنَّه تعالى جعلَ لكلِّ نبيٍّ دعوة واحدة مستجابة في حقِّ أُمَّتِهِ، فكلٌّ مِن الأنبياءِ قالوها في الدُّنيا بإهلاكِ قومِهِ، وأنا ما نِلتُهَا في الدُّنيا حيث دعوتُ على بعض أمَّتي فقيل لي: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}[آل عمران:128] فبقيَتْ تلكَ الدعوةُ المستجابة مدخرةً في الآخرة. وأمَّا دعاؤه على مضر فليس للإهلاك بل للارْتداع ليتوبوا إلى الله، فانظرْ أيُّها المتأمل بين الدعاءين، ثمَّ تحقَّق قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:107] انتهى. وَقد أُجِيبَت دعوتُه في الملأ مِن قريش الَّذين ألقوا عَلى ظهره سَلا الجزور وهو ساجد عند الكَعبة فقُتِلوا يوم بَدْرٍ وسُحبوا إلى القَليب.