شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة

          ░94▒ بَابُ لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ
          فيه ابْنُ عُمَرَ: (وَعَدَ النَّبِيَّ صلعم جِبْرِيلُ، فَرَاثَ عَلَيْهِ حَتَّى اشْتَدَّ على النَّبِيِّ صلعم، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلعم فَلَقِيَهُ، فَشَكَا إِلَيْهِ مَا وَجَدَ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّا لا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ). [خ¦5960]
          قال ابن وضَّاحٍ: الملائكة في هذا الحديث ملائكة الوحي مثل جبريل وإسرافيل، فأمَّا الحفظة فيدخلون كلَّ بيتٍ ولا يفارقان الإنسان على كلِّ حالٍ، وقاله الداوديُّ أيضًا.
          قال الطبريُّ: إن قال قائلٌ: أفحرامٌ دخول البيت الذي فيه التماثيل والصور؟
          قيل: لا، ولكنَّه مكروهٌ، أعني ما كان من ذلك من ذوات الأرواح، وأمَّا ما كان من ذلك عَلَمًا في ثوبٍ أو رقمًا فيه، وكان ممَّا يوطأ ويجلس عليه فلا بأس به وما كان ممَّا ينصب، فإن كان من صورة ما لا روح فيه فلا بأس به(1) كصور الأشجار والزرع والنبات، وإن كان من صور ما فيه الروح فلا أستحبُّه؛ لما حدَّثنا محمَّد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، حدَّثنا يزيد، حدَّثنا داود بن أبي هندٍ، حدَّثنا عَزرَة، عن حميد بن عبد الرحمن، عن سعد بن هشامٍ، عن عائشة قالت: كان لنا سترٌ فيه تمثال طيرٍ مستقبل باب البيت، فقال النبيُّ صلعم: ((حوِّليه فإنِّي كلَّما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا))، قالت: وكانت(2) لنا قطيفةٌ لها عَلَم حريرٍ فكنَّا نلبسها.
          فلم يقطِّعه، ولم يأمر عائشة بفساد تمثال الطير الذي كان في الستر، ولكنَّه أمر بتنحيته عن موضعه الذي كان معلَّقًا فيه من أجل كراهيته لرؤيته إيَّاه، لما يذكر من الدنيا وزينتها، وفي قوله صلعم: ((فإنِّي كلَّما رأيته ذكرت الدنيا)) دليلٌ بين على أنَّه كان(3) يدخل البيت الذي ذلك فيه فيراه، ولا ينهى عائشة عن تعليقه، وذلك يبيِّن صحَّة ما قلنا / من أنَّ ذلك إذا كان رقمًا في ثوب وعلمًا فيه فإنَّه مخالف معنى ما كان منه(4) مثالًا ممثَّلًا قائمًا بنفسه.
          وقوله: فراث عليه يعني أبطأ، ومنه قولهم: رُبَّ عجلة تهب ريثًا.


[1] قوله: ((وما كان مما ينصب، فإن كان من صورة ما لا روح فيه فلا بأس به)) ليس في (ت) و (ص).
[2] في (ص): ((وكان)).
[3] قوله: ((كان)) ليس في (ص).
[4] قوله: ((منه)) ليس في (ت).