شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب جيب القميص من عند الصدر وغيره

          ░9▒ بَابُ جَيْبِ القَمِيصِ مِنْ عِنْدِ الصَّدْرِ وَغَيْرِهِ
          فيه أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: (ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ(1) صلعم مَثَلَ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ قَدِ اضْطُرَّتْ أَيْدِيهِمَا إلى ثُدِيِّهِمَا وَتَرَاقِيهِمَا، فَجَعَلَ الْمُتَصَدِّقُ كُلَّمَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ انْبَسَطَتْ عَنْهُ حَتَّى تَغْشَى أَنَامِلَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَجَعَلَ الْبَخِيلُ كُلَّمَا هَمَّ بِصَدَقَةٍ قَلَصَتْ وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ بِمَكَانِهَا.
          قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا في جَيْبِهِ، فَلَوْ رَأَيْتَهُ يُوَسِّعُهَا وَلا تَوَسَّعُ(2)).
          تَابَعَهُ ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، وَأَبُوالزِّنَادِ عَنِ الأعْرَجِ في الْجُبَّتَيْنِ.
          وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ حَيَّانَ عَنِ الأعْرَجِ: جُبَّتَانِ. [خ¦5797]
          قال المؤلِّف: في هذا الحديث دليلٌ أنَّ الجيب في ثياب السلف كان عند الصدر على ما تصنعه النساء عندنا اليوم(3) في الأندلس، ووجه الدلالة على ذلك أنَّ النبيَّ صلعم شبَّه البخيل والمتصدِّق برجلين عليهما جبَّتان من حديدٍ قد اضطرَّت أيديهما إلى ثديِّهما وتراقيهما، فتنبسط(4) على جسد المتصدِّق، وتشدُّ على يدي البخيل إذا همَّ بالصدقة، وتمسكهما في الموضع الذي اضطرَّتهما إليه، وهو الثديُّ والتراقي، وذلك في صدره، وفيه يروم أن يوسِّع حلقها ولا تتَّسع، يبيِّن ذلك قول(5) أبي هريرة: (فَأَنَا(6) رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا فِي جَيْبِهِ، يُوَسِّعُهَا وَلاَ تَتَّسِعُ،) فبان أنَّ جيبه صلعم كان في صدره؛ لأنَّه لو كان في منكبه(7) لم تكن يداه مضطرَّةً(8) إلى ثدييه وتراقيه، وهذا استدلالٌ حسنٌ، وقال ثابتٌ: التَّرقُوَتان: العظمان المشرفان في أعلى الصدر إلى طرف ثغرة النحر، وهي الهزمة التي بينهما.


[1] في (ص): ((أبو هريرة قال رسول الله)).
[2] في (ت): ((ولا تتوسع)).
[3] في (ت) و (ص): ((اليوم عندنا)).
[4] في (ت) و (ص): ((فتبسط)).
[5] في (ت) و (ص): ((حديث)).
[6] في (ت) و (ص): ((أنا)).
[7] في (ت) و (ص): ((يده)).
[8] زاد في (ت): ((به))، و في (ص): ((مضطربة)).