شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب المغفر

          ░17▒ بَابُ المِغْفَرِ
          فيه أَنَسٌ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعلى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ). [خ¦5808]
          المغفر من حديد، وهو من آلات الحرب، ودخوله(1) به صلعم يوم الفتح كان في حال القتال، ولم يكن محرمًا كما قال ابن شهابٍ.
          وقال بعض المتعسِّفين على مالكٍ: إنَّ هذا الحديث لم يتابع عليه مالكٌ عن ابن شهابٍ، وإنَّما الصحيح فيه أنَّه دخل يوم الفتح وعليه عمامةٌ سوداء، ولم يكن عليه مغفرٌ، واحتجُّوا بما رواه الترمذيُّ عن محمَّد بن بشَّارٍ قال: حدَّثنا عبد الرحمن بن مهديٍّ، عن حمَّاد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابرٍ ((أنَّ النبيَّ صلعم دخل مكَّة يوم الفتح وعليه عمامةٌ سوداء)). قال الترمذيُّ: وهذا حديث حسنٌ.
          قال المؤلِّف: وهذا تعسُّف على مالكٍ(2)، وقد وجدت في «حديث الزهريِّ» تصنيف النسائيِّ أنَّ الأوزاعيَّ روى هذا الحديث عن الزهريِّ كما رواه مالكٌ، وذكر فيه المغفر، وقد يمكن أن يكون صلعم عليه مغفرٌ وتحته عمامةٌ سوداء، لتتَّفق الروايات، وسواءٌ دخل صلعم مكَّة بمغفرٍ أو بعمامةٍ سوداء فحكمهما سواءٌ، ولا حرج عليه في ذلك؛ لأنَّه إنَّما(3) دخلها كذلك في الساعة التي أُحِلَّت له، ولم تحلَّ لأحدٍ قبله ولا بعده، ثمَّ هي حرامٌ إلى يوم القيامة.
          وإنَّما اتَّخذ صلعم مغفرًا وتسلَّح به في حال الحرب، وقد أخبر الله تعالى أنَّ الله يعصمه من الناس ليس ذلك لأمَّته، ويقتدي به الأئمَّة والصالحون.


[1] في (ص): ((فدخل)).
[2] قوله: ((تعسف على مالك)) ليس في (ص).
[3] قوله: ((إنما)) ليس في (ت) و (ص).