شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب البرود والحبرة والشملة

          ░18▒ بَابُ البُرُودِ وَالحِبَرَةِ وَالشَّمْلَةِ
          وَقَالَ خَبَّابٌ: شَكَوْنَا إلى النَّبِيِّ صلعم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ.
          فيه أَنَسٌ قَالَ: ((كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللهِ صلعم قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ(1) حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لي مِنْ مَالِ اللهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلعم ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ)). [خ¦5809]
          وفيه سَهْلٌ: (جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِبُرْدَةٍ _قَالَ سَهْلٌ: هَلْ تَدْرونِ مَا الْبُرْدَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ، هِي الشَّمْلَةُ مَنْسُوجٌ في حَاشِيَتِهَا_ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِي أَكْسُوكَهَا، فَأَخَذَهَا(2) رَسُولُ اللهِ صلعم مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إزَارُهُ، فَجَسَّهَا رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اكْسُنِيهَا، قَالَ: نَعَمْ، فَجَلَسَ مَا شَاءَ اللهُ في الْمَجْلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاهَا، ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ(3) الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، سَأَلْتَهَا إِيَّاهُ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لا يَرُدُّ سَائِلًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللهِ مَا سَأَلْتُهَا إِلَّا لِتَكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أَمُوتُ، قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ). [خ¦5810]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبِيُّ صلعم: (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ هِيَ سَبْعُونَ أَلْفًا تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ، فَقَامَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأسَدِيُّ يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ، قَالَ: ادْعُ لي(4) يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ...) الحديث. [خ¦5811]
          وفيه أَنَسٌ: (كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إلى النَّبِيِّ صلعم أَنْ يَلْبَسَهَا الْحِبَرَةُ). [خ¦5813]
          وفيه عَائِشَةُ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ). [خ¦5814]
          البرود هي: برود اليمن، تصنع من قطنٍ، وهي الحِبَرات يشتمل بها(5)، وهي كانت أشرف الثياب عندهم، ألا ترى أنَّه صلعم سُجِّي بها حين توفِّي، ولو كان عندهم أفضل من البرود شيءٌ لسُجِّي به.
          وفيه: جواز لباس رفيع الثياب للصالحين، وذلك داخل في معنى قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} الآية[الأعراف:32].
          وفي حديث أنسٍ ما جُبِل عليه النبيُّ صلعم من شريف(6) الأخلاق وعظيم الصبر على جفاء الجهَّال والصفح عنهم والدفع بالتي هي أحسن، ألا ترى أنَّه ضحك حين جبذه الأعرابيُّ، ثمَّ أمر له بعطاءٍ ولم يؤاخذه.
          وفيه حديث سهلٍ كرم النبيِّ صلعم وإيثاره على نفسه وإن(7) كان في حال حاجةٍ أخذًا / بقوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر:9].
          وفيه: أنَّه ينبغي التبرُّك بثياب الصالحين ويُتوَسَّل بها إلى الله ╡ في الحياة والممات.
          وفيه: جواز أخذ الهدية للرجل الكبير ممَّا هو دونه إذا علم طِيب ما عنده.
          وفيه: جواز لوم من سأل الإمام والخليفة ما عليه من ثيابه، وسيأتي معنى قوله: (سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ) في كتاب الطبِّ، في باب من اكتوى وفضل من لم يكتو إن شاء الله تعالى(8)، [خ¦5705] والنَّمِرة والبُرُد سواءٌ.


[1] في (ت) و (ص): ((فيه)).
[2] في (ص): ((فأخذ)).
[3] في (ت): ((قال)).
[4] في (ص): ((ادع الله)). وفي (ت): ((ادع الله لي)).
[5] قوله: ((بها)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((ما جبل ◙ عليه من تشريف)).
[7] في (ت) و (ص): ((ولو)).
[8] قوله: ((وسيأتي معنى قوله: سبقك.... إن شاء الله تعالى)) ليس في (ت) و (ص).