شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الثياب البيض

          ░24▒ بَابُ الثِّيَابِ البِيضِ
          فيه: سَعْدٌ قَالَ: (رَأَيْتُ بِشِمَالِ النَّبِيِّ صلعم وَبيَمِينِهِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ يَوْمَ أُحُدٍ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلا بَعْدُ). [خ¦5826]
          وفيه أَبُو ذَرٍّ: (رأيْتُ النَّبِيَّ صلعم وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ على ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَا وَإِنْ سَرَق َ، قُلْتُ: ذَلِكَ ثلاثًا، قَالَ لي: كذلِك على رَغْمِ أَنْفِ أبي ذَرٍّ، وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا، قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أبي ذَرٍّ(1)). [خ¦5827]
          قَالَ البُخَارِيُّ: هَذَا عِنْدَ المَوْتِ، أَوْ قَبْلَهُ إِذَا تَابَ وَنَدِمَ، وَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، غُفِرَ لَهُ.
          قال المؤلِّف: الثياب البيض من أفضل الثياب، وهو لباس الملائكة الذين نصروا النَّبيَّ صلعم يوم أحدٍ وغيره، والرجلان اللذان كانا يوم أحدٍ عن يمين النبيِّ صلعم وعن شماله كانا ملكين، والله أعلم.
          وكان صلعم يلبس البياض ويفضِّله، ويحضُّ على لباسه الأحياء، ويأمر بتكفين الأموات فيه.
          روى(2) أبو داود قال: حدَّثنا أحمد بن يونس، قال: حدَّثنا زهير، حدَّثنا عبد الله بن عثمان بن خُثَيمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبَّاسٍ قال: قال رسول الله صلعم: ((البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنَّها من خير ثيابكم، وكفِّنوا فيها موتاكم)).
          وأمَّا قوله في حديث أبي ذرٍّ: (مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ الجَنَّةَ وَإِنْ زَنَا وَإِنْ سَرَقَ).
          وقول البخاريِّ: (فَقَالَ هَذَا عِنْدَ المَوْتِ، إِذَا تَابَ وَنَدِمَ، وَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، غُفِرَ لَهُ)، هذا تفسيرٌ يحتاج إلى تفسيرٍ آخر؛ وذلك أنَّ التوبة والندم إنَّما تنفع في الذنوب التي بين العبد وبين ربِّه تعالى، فأمَّا مظالم العباد فلا تسقطها عنه التوبة.
          ومعنى الحديث: أنَّ من مات على التوحيد أنَّه يدخل الجنَّة وإن ارتكب الذنوب، ولا يُخلَّد في النار بذنوبه كما يقوله الخوارج وأهل البدع، وقد تقدَّم في حديث معاذٍ أنَّ النبيَّ صلعم قال له: ((ما من أحدٍ يشهد أن لا إله ألا الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله صادقًا من قلبه إلَّا حرَّمه الله على النار))، هذا المعنى مبيَّنًا بأقوال السلف في آخر كتاب العلم، في باب من(3) خصَّ بالعلم قومًا دون قومٍ كراهة أن لا يفهمو ا والحمد لله(4). [خ¦128]
          فإن قال قائلٌ: في ظاهر قول البخاريِّ هذا أنَّه لم يوجب المغفرة إلَّا لمن تاب، وظاهر(5) هذا يوهم إنفاذ الوعيد لمن لم يتب(6).
          قيل له: إنَّما أراد البخاريُّ ☼ ما أراده وهب بن منبِّهٍ بقوله في مفتاح الجنَّة في كتاب الجنائز: أنَّ تحقيق ضمان وعد النبيِّ صلعم لمن مات لا يشرك بالله، ولمن(7) قال: لا إله إلا الله، ثمَّ مات على ذلك، أنَّه إنَّما يتحصَّل لهم دون مدافعةٍ عن دخول الجنَّة، ولا عذابٍ ولا عقابٍ إذا لقوا الله تعالى تائبين أو عاملين بما أمر به، فأولئك يكونون أوَّل الناس دخولًا الجنَّة، وإن كانوا غير تائبين(8) أو قبلهم تباعاتٌ للعباد فلابدَّ أيضًا لهم من دخول الجنَّة بعد إنفاذ الله تعالى مشيئته فيهم من عذابٍ أو مغفرةٍ.


[1] قوله: ((وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا، قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أبي ذَرٍّ)) زيادة من (ت) و (ص).
[2] في (ت): ((وروى)).
[3] في (ص): ((هذا مبيناً في كتاب في باب من)).
[4] قوله: ((كراهة أن لا يفهموه والحمد لله)) ليس في (ت) و (ص).
[5] في (ت) و (ص): ((فظاهر)).
[6] قوله: ((لمن لم يتب)) ليس في (ت) و (ص).
[7] في (ص): ((أو لمن)).
[8] في (ت): ((أو كانوا غير تائبين))، وقوله: ((الجنة أو كانوا غير تائبين)) ليس في (ص).