شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من كره القعود على الصور

          ░92▒ بَابُ مَنْ كَرِهَ القُعُودَ عَلَى الصُّورَةِ
          فيه عَائِشَةُ: (أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلعم بِالْبَابِ، فَلَمْ يَدْخُلْ، فَقُلْتُ: أَتُوبُ إلى اللهِ مِمَّا(1) أَذْنَبْتُ! قَالَ: مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةُ؟ قُلتُ(2): لِتَجْلِسَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، قَالَ: إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ، وَإِنَّ(3) الْمَلائِكَةَ لا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّوَرُ). [خ¦5957]
          نَمَارِق: وسائد مصفوفةٌ بعضها إلى بعض.
          وفيه(4) أَبُو طَلْحَة: أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: (إِنَّ الْمَلائِكَةَ لا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُوْرَةٌ، قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ فَعُدْنَاه، فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللهِ رَبِيبِ(5) مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلعم: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأوَّلِ؟ قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: إِلَّا رَقْمًا في ثَوْبٍ). [خ¦5958]
          اختلف العلماء في الصور: فكره ابن شهابٍ ما نصب منها وما بسط كان رقمًا أو لم يكن، على حديث نافعٍ عن القاسم عن عائشة.
          وقالت طائفةٌ: إنَّما يكره من التصاوير ما كان في حيطان البيوت، وأمَّا ما كان رقمًا في ثوبٍ فهو جائزٌ على حديث زيد بن خالدٍ عن أبي طلحة، وسواءٌ كان الثوب منصوبًا أو مبسوطًا، وبه قال القاسم وخالف حديثه عن(6) عائشة.
          وقد روى ابن وهبٍ، عن عَمْرو بن الحارث، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة زوج النبيِّ صلعم: أُدخِلت أسماء بنت عميسٍ على القاسم بحجلةٍ فيها تصاويرٌ، قال القاسم: فتلك الحجلة عندنا بعد.
          وقال آخرون: لا يجوز لباس ثوبٍ فيه صورةٌ ولا نصبه، وإنَّما يجوز من ذلك ما يوطأ ويُمتَهن.
          واحتجُّوا بحديث سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: ((سترت سهوةً لي بسترٍ فيه تصاويرٌ، فلمَّا رآه النبيُّ صلعم هتكه، فجعلته وسادةً أو وسادتين)) ورواه وكيعٌ عن أسامة بن زيدٍ، عن عبد الرحمن بن القاسم، وزاد(7) فيه: ((فرأيت النبيَّ صلعم متَّكئًا على إحداهما(8))).
          قالوا: فكره رسول الله صلعم ما كان سترًا ولم يكره ما يُتَّكأ عليه ويوطأ، وبهذا قال سعد بن أبي وقَّاصٍ وسالمٌ وعروة وابن سيرين وعطاءٌ وعكرمة، قال عِكْرِمَة فيما يوطأ من الصور: / هو أذلُّ لها، وهذا أوسط المذاهب في هذا الباب، وهو قول مالكٍ والثوريِّ وأبي حنيفة والشافعيِّ.
          وقال(9) الطحاويُّ: يحتمل قوله: (إِلَّا رَقْمًا في ثَوْبٍ) أنَّه أراد رقمًا يوطأ ويمتهن كالبسط والوسائد.
          وقال الداوديُّ: حديث سفيان وأسامة بن زيدٍ، عن عبد الرحمن(10) بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة ناسخٌ لحديث نافعٍ، عن القاسم، عن عائشة، وإنَّما نهى النبيُّ صلعم أوَّلًا عن الصور كلِّها وإن كانت رقمًا؛ لأنَّهم كانوا حديث عهدٍ بعبادة الصور، فنهى عن ذلك جملةً، ثمَّ لمَّا تقرَّر نهيه عن ذلك أباح ما كان رقمًا في ثوبٍ للضرورة إلى اتِّخاذ الثياب، وأباح ما يُمتَهن لأنَّه يؤمَن على الجاهل تعظيم ما يُمتَهن، وبقي النهي فيما ترفَّه ولا يُمتَهن، وفيما لا حاجة بالناس إلى اتِّخاذه، وما يبقى مخلَّدًا في مثل الحجر وشبهه من الصور التي لها أجرامٌ وظلٌّ؛ لأنَّ في صنيعها التشبُّه بخلق الله تعالى.
          وكره بعضهم ما له روحٌ، وإن لم يكن له ظلٌّ على ظاهر حديث عائشة: ((إنَّ أشدَّ الناس عذابًا يوم القيامة المصوِّرون يقال لهم: أحيوا ما خلقتم))، وكره مجاهدٌ صور الشجر المثمر، ولا أعلم أحدًا كرهها غيره.


[1] في (ت): ((ماذا)).
[2] في (ت): ((قالت)).
[3] في (ت) و (ص): ((فإن)).
[4] في (ص): ((فيه)).
[5] قوله: ((ربيب)) ليس في (ص).
[6] قوله: ((عن)) ليس في (ت) و (ص).
[7] قوله: ((وزاد)) ليس في (ت).
[8] في (ت): ((أحدهما)).
[9] في (ت) و (ص): ((قال)).
[10] في (ز): ((عبد الله)) والمثبت من (ت) و (ص).