شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت

          ░62▒ بَابُ: الأَمْرِ بِإِخْرَاجِهِمْ.
          فيه ابْنُ عَبَّاسٍ: (لَعَنَ النَّبِيُّ صلعم الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ، قَالَ: فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ صلعم فُلانَةً، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلانًا). [خ¦5886]
          وفيه أُمُّ سَلَمَةَ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كَانَ(1) عِنْدَهَا وفي الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ(2)، / فَقَالَ لِعَبْد ِاللهِ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ: يَا عَبْد َاللهِ، إِنْ فُتِحَ لَكُمْ غَدًا(3) الطَّائِفَ، فَإِنِّي أَدُلُّكَ على ابنةِ غَيْلانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ، وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فقَالَ النَّبِيُّ صلعم: لا يَدْخُلَنَّ هَؤُلاءِ عَلَيْكُنَّ). [خ¦5887]
          قال الطبريُّ: إن قال قائلٌ: ما وجه لعن النبيِّ صلعم المخنَّثين من الرجال، والخنث خَلق الله لم يكتسبه العبد ولا له فيه صنعٌ، وإنَّما يذمُّ العبد على ما يكسبه ممَّا له السبيل إلى فعله وتركه، ولو جاز ذمُّه على غير فعله لذُمَّ على(4) على لونه وعِرقه وسائر أجزاء جسمه؟
          قيل: وجه لعن النبيِّ صلعم إيَّاه إنَّما هو لغير صورته(5) التي لا يقدر على تغييرها، وإنَّما لعنه لتأنيثه وتشبُّهه في ذلك بخَلق النساء، وقد خَلقه الله تعالى بخلاف ذلك، ومحاولته تغيير الهيئة التي خلقه الله سبحانه عليها من خلق الرجال إلى خلق النساء، وله سبيلٌ إلى اكتساب خلق الرجال واجتلاب منه له إلى نفسه.
          ولفعله من الأفعال ما يكرهه الله ╡ ونهى عنه رسول الله صلعم من التشبُّه بالنساء في اللباس والزينة، وذلك أنَّ رسول الله صلعم إذ رأى المخنَّث لم ينكر الخنث منه، وقد رأى خضاب يديه ورجليه بالحنَّاء، حتَّى سمعه يصف من أمر النساء ما كره سماعه، وذلك وصفه للرجال نساء من يدخل منزله، وذلك ممَّا كان النبيُّ صلعم ينهى عنه النساء، فكيف الرجال؟!
          فأمر بنفيه، وتقدَّم إليها بمنعه من دخوله عليها، ولو كان ما عليه المخنَّث من الهيئة والصورة _التي هي خلقة الله_ موجبًا للعن(6) والنفي لكان صلعم إذ رآه قد أمر بطرحه من بيت زوجه ونفيه، قال ما سمعه أو لم يقله، وإنَّما وجب ذمُّه إذ أتى من محارم الله ما يستحقُّ عليه الذمَّ.
          فإن قيل: فإنَّ حكمه حكم الرجال، فكيف جاز أن يدخل على أزواج النبيِّ صلعم بعد أن نزل(7) الحجاب؟! قيل: هو من جملة من استثناه الله تعالى من جملة الرجال {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ}[النور:31]، وقد تأوَّل ذلك عِكْرِمَة أنَّه المخنَّث الذي لا حاجة له في النساء، وبذلك ورد الخبر عن النبيِّ صلعم.
          روى معمرٌ، عن الزهريِّ، عن عروة، عن عائشة قالت: ((كان مخنَّثٌ يدخل على أزواج النبيِّ صلعم يعدُّونه من غير أولي الإربة، فدخل عليه النبيُّ صلعم وهو ينعت(8) امرأةً...)) وذكر الحديث، ((فأمر صلعم ألَّا يدخل عليهنَّ(9))).
          روى ابن وهبٍ، عن يحيى بن أيُّوب، عن ابن جُريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبَّاسٍ قال: المؤنَّثون أولاد الجنِّ، قيل له: وكيف؟! قال: ((نهى الله ╡ ورسوله صلعم أن يأتي الرجل امرأته وهي حائضٌ))، فإذا أتاها سبقه الشيطان إليها فحملت منه فأتت بالمؤنَّث.
          قال المؤلِّف: وفي حديث ابن عبَّاسٍ وأمِّ سلمة إخراج كلِّ من يتأذَّى به(10) الناس بإظهار المعاصي والمنكر، ونفيهم عن مواضع التأذِّي بهم، وقد تقدَّم في باب إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت(11) في كتاب الأحكام بأنَّه(12) يُخرَج كلُّ من تأذَّى به جيرانه، وتُكرَى عليه داره، ويُمنَع من السكنى فيها حتَّى يتوب. [خ¦7224]


[1] قوله: ((كان)) ليس في (ت) و (ص).
[2] قوله: ((مخنث)) ليس في (ص).
[3] قوله: ((غدا)) ليس في (ت) و (ص).
[4] في (ت) و (ص): ((فعله لجاز ذمه)).
[5] في (ص): ((تغير صورتها)).
[6] في (ت) و (ص): ((هي له خلقة موجبة اللعن)).
[7] في (ت): ((أنزل)).
[8] في (ص): ((يصف)).
[9] في (ت): ((عليهم)).
[10] زاد في (ص): ((من)).
[11] قوله: ((في باب إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت)) ليس في (ت) و (ص).
[12] في (ت): ((وأنه))، و في (ص): ((أنه)).